أبو العباس محمد بن يزيد بن عبد الأكبر بن عمير بن حسان بن سليمان بن سعد بن عبد الله بن زيد بن مالك ابن الحارث بن عامر بن عبدلله بن بلال بن عوف بن أسلم الثُمالي الأزدي البصري المعروف بالمبرد. وكان المبرد واحداً من العلماء الذين تشعبت معارفهم وتنوعت ثقافاتهم لتسع العديد من العلوم والفنون ، وإن غلبت عليه العلوم البلاغية والنقدية والنحوية .يذهب أكثر العلماء إلي أن مولده كان سنة عشر ومائتين (210هـ) ويزيد ابن خلكان فيجعل ولادته يوم الاثنين عيد الأضحي من تلك السنة ،ومنهم من يجعلها سنة سبع ومائتين (207هـ) ، وكما اختلفوا في مولده نراهم يختلفون في وفاته ، فيذهب أكثرهم إلي أن وفاته كانت سنة خمس وثمانين ومائتين (285هـ) ويزيد ابن خلكان في ذلك ويقول : أن هذه الوفاة كانت يوم الاثنين من ذي الحجة.وتلقي علمه في البصرة علي يد عدد كبير من الأعلام والأفذاذ وقد حوت مقدمة الكامل للمحقق للدكتور محمد أحمد الدالي علي عدد كبير منهم نذكر منهم علي سبيل المثال :الجَرْمي ،أبو عمر صالح بن إسحاق (ت225هـ) وهو أول من ابتدأ المبرد قراءة كتاب سيبويه على يديه ، والمازني ، أبو عثمان بكر بن محمد (ت249هـ) والذي وصفه المبرد بأنه كان من أعلم الناس بالنحو بعد سيبويه ، وأبو حاتم السجستاني ، سهل بن محمد (ت255هـ)والذي كان عالماً باللغة والشعر ، حسن العلم بالعروض.وتلقى عنه عدد كبير من العلماء والأدباء ومنهم على سبيل المثال :ابن أبي زهر ، محمد بن يزيد ، مستملي المبرد.، وابن درستويه ، أبو محمد عبدالله بن جعفر (ت347هـ) روي عنه في الكامل.، والزجّاج ،أبو إسحاق إبراهيم بن محمد (ت311هـ).أتاح له اطلاعه الواسع على مختلف مناحي الثقافة العربية من لغة وشعر ونثر أن يصنف عدداً من المصنفات في هذه الفنون بيد أن كثيراً منها لم يصل إلينا ، ومنها: الكامل : والذي طبع عدة مرات وقام بتحقيقه الكثير من العلماء منهم محمد أبو الفضل إبراهيم ، محمد أحمد الدالي ، زكي مبارك وأحمد محمد شاكر وغيرهم.والاختيار : وذكر في الكامل.والفاضل والمفضول : نشره العلامة الميمني باسم الفاضل في عام 1956م.والروضة : وهو كتاب من أشعار المحدثين من الشعراء.والتعازي والمراثي : بتحقيق الأستاذ محمد الديباجي في العام 1967. وشرح لامية العرب : وهو من الكتب التي نسبت إليه.التعريف بكتاب الكامل ومنهج المبرد في الاختيارالكامل في اللغة والأدب من أمهات كتب الأدب العربي ،ألفه أبو العباس محمد بن يزيد المبرد إمام أهل البصرة ؛ نحاة ولغويين ، في زمانه ، وعاصر أبا العباس أحمد بن يحيي ثعلب (ت291هـ) إمام أهل الكوفة ، كان بين الإمامين مثل ما كان بين الكوفة والبصرة من منافسة.يقول المبرد في خطبة كتابه معرفاً به ( هذا كتاب ألّفناه يجمع ضروباً من الآداب ، ما بين كلام منثور وشعر مرصوف ، ومثل سائر وموعظة بالغة ، واختيار من خطبة شريفة بليغة والنيّة فيه أن نفسر كل ما وقع في هذا الكتاب من كلام غريب أو معني مستغلق ، أن نشرح ما يعرض فيه من الإعراب شرحاً شافياً حتى يكون هذا يكون الكتاب بنفسه مكتفياً ، وعن أن يُرجع إلي أحدٍ في تفسيره مستغنياً).وفي ضوء ما ورد في هذه الخطبة ، يمكن القول بأن كامل المبرد ـ هو في الأصل- كتاب في الاختيارات الشعرية والنثرية حتى عصر المؤلف ، حرص المؤلف علي أن يقدمها للمتلقي مشروحة ومفسرة ، فضلاً عن تزويده ببعض المسائل النحوية والصرفية ، فالكتاب علي هذا النحو كتاب أدبي لغوي نحوي شامل .وكما ذكرنا سابقاً أن الكتاب طبع طبعات متعددة وتبعاً لذلك ظهر في أجزاء مختلفة والطبعة التي أعتمد عليها الباحث هي التي قام بتحقيقها الدكتور محمد أحمد الدالي والتي صدرت في أربعة أجزاء ،احتوي الجزء الأول والثاني علي العديد من الأبواب إضافة إلي مقدمة المحقق والمؤلف وخصص الجزء الثالث في معظمه للحديث عن طائفة الخوارج ـ خطبها،شعرها ، شعرائها ، مواقفها التاريخية- والجزء الرابع خصص للفهارس المختلفة . هذا ولم تخضع أبواب الكامل لخطة معيّنة في ترتيب الموضوعات ، بل تمضي علي نحو عفوي ، فالجزء الأول يبدأ بحديث رسول الله صلي الله عليه وسلم في الأنصار:-( إنكم لتكثرون عند الفزع وتقلون عند الطمع) حيث يشرع المبرد في شرح معني لفظ (فزع) في الحديث ثم ينتقل إلي آخر وهكذا وقد كان يقصد إلي هذا التنقل قصداً وهو ما يسمي بالاستطراد ، ليكون في استراحة للمتلقي وانتقال لنفي الملل. فإذا وصلنا إلى الجزء الثاني وجدنا نصوصاً أغلبها من الشعر ويمكننا تصنيفها إلي نوعين هما أولاً: ما يكون فيه الشعر في خدمة اللغة ، وذلك عندما يأتي بالشواهد الشعرية التي تساعده في تفسير قاعدة أو معني غريب .ثانياً: وهي المختارات التي رأى أنها جيدة ونطرح هنا سؤال مهم عن نظرة المبرد إلي الشعر الجيد ، لعلنا نصل إلي سر اختياراته وهو يقول في ذلك : (... وأحسن منه ما أصاب الحقيقة ...) ولذلك نراه في أحيان كثيرة يتمثل بأشعار المحدثين - رغم التصور الشائع حول إجادة القدماء ـ وفي ذلك يقول : (هذه أشعار اخترناها من أشعار المحدثين حكيمة ، مستحسنة ...) وهذا يعضد ما ذكرناه في مقدمتنا من أهمية الذوق الشخصي الذي يستحسن هذه الأشعار.أما الجزء الثالث من الكتاب فنلاحظ أنه خصص معظمه للحديث عن أخبار الخوارج وذكر وقائعهم آرائهم السياسية والفقهية ، وأشعارهم ومناظراتهم ولعلنا نلحظ في هذا الجزء وحدة الموضوع وكذلك أهمية المادة التاريخية والأدبية مما يجعل الكتاب مصدراً مهماً لتلك الفترة .والجزء الرابع والأخير فهو عبارة فهارس مختلفة ومتعددة مثل : الأعلام ، الآيات ، الأحاديث النبوية ، الشعر إلي غير ذلك .والكتاب كما ذكرنا يقوم علي الاختيارات والتي تحمل في أكثرها المضمون الإيماني وفيه ثروة أدبية لتهذيب النفس وتزكية الروح وتقويم السلوك ، وكان المبرد كثيراً ما يقايس بين المعاني الجاهلية والمعاني الإسلامية في الرثاء والفخر والمدح والغزل .ويبدو أن أبا العباس كان حريصاً علي إمتاع المتلقي بل نجده يصرح بهدفه المتمثل في إذهاب الملل عن المتلقي ، قائلاً: ( وهذا باب اشترطنا أن نخرج فيه من حزن إلي سهل ، ومن جد إلي هزل ، ليستريح القارئ ، ويدفع عن مستمعه الملل) كذلك من السمات المميزة للكتاب أن المبرد كان يحترم شعور المتلقي ، وذلك عندما يمسك ذكر بعض الأبيات ، كما في قوله :( وفي آخر هذا الشعر ذم لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه أمسكنا عن ذكره)وكثيراً ما يشير المبرد ألي الرواة الذين روي عنهم مثلاً : حدثني المازني ، أحياناً يكتفي بعبارة : قال : رجل من بني أسد ، وأنشدت لرجل من الأعراب.وأخيراً فكتاب الكامل درة من درر البيان العربي وله منزلة كبيرة في اللغة العربي وسوف نختم هذا الجزء بإيراد نماذج من الكتاب تعضد الأفكار التي ذكرت سابقاً.1/ قال محمود الوراق في الحب الصادق :تعصي الإله وأنت تُظهر حُبّههذا مُحال في القياسِ بديعُلو كان حُبٌك صادقاً لاطعْتهُإنّ المُحب لمن يُحب مُطيعُ2/ قال العُتبي محمد بن عبيد الله يذكر ابناً له مات في الصبر على الفراق:أضحتْ بخدّي للدموع رسومأسفاً عليك وفي الفُؤاد كُلُومُوالصبرُ يحمدُ في المصائب كلّهاإلاّ عليك فإنهٌ مذموم3/ قال يحيي بن نوفل الحميري ويقال إنه لم يمدح أحداً قط :فلو كنت ممتدحاً للنّوالِفتىّ لامتَدحْتُ عليه بلالاَولكنني لستُ ممن يريدُبمدح الرجالِ الكرام ِ السؤالاَسيكفي الكريم إخاءُ الكريموينفعُ بالود منهُ نوالاَ4/وقال رجل أحسبه من بني تميم عن أهمية الدفاع عن الغير:لا تسألنّ الخيل يا سعدُ مالهاوكن أُخريات الخيلِ علًك تُجرحُلعلكَ تحمي عن صِحاب بطعنٍةلها عاندُ ينفي الحصا حينَ ينفحُوأكرم ْ كريماً إنْ أتاك لحاجٍةلعاقبٍة إنً العِضاه تروًحُ5/ وقال طاهر بن علي بن سليمان بن علي بن عبد الله بن العباس للطالبِيين :لو كان جدُكمُ هناك وَجَدُنافتتنازعَا فيها لوقت خِصامِكان التراثُ لِجَدّنا من دونهفَحَواه ُ بالقربى وبالإسلامِحقُ البناتِ فريضةُ معروفةُوالعم ُ أولى من بني الأعمامِ6/ وقال العُتبي في عدم إفشاء الأسرار:ولي صاحبُ سِرّي المُكتّم عندهمخاريقُ نيرانٍ بليلٍ تُحرّقُعطفْتُ علي أسراره فكسوتهاثياباً من الكتمانِ لا تتخرّقُفمن تكن الأسرار تطفو بصدرهفأسرار صدري بالأحاديث تغْرقُفلا تودعَنَ الدهر سركّ أحمقافإنك إن أودعْته منه أحمقوحسبُكَ في ستْر الأحاديثِ واعظاًمن القول ما قال الأريبُ الموفّقُإذا ضاق صدر المرء عن سرَ نفسِهفصدر الذي يُسْتوْدع السِرَ أضْيقُولعل ما أوردناه يدل على ما ذكرناه سابقاً عن السمات التي تميز بها المبرد في اختياراته.التعريف بكتاب الفاضل ومنهج المبرد في الاختيارذكرت الكثير من كتب التراث مؤلف من المؤلفات المنسوبة للمبرد بعنوان ( الفاضل والمفضول ) ولكن النسخة المحققة ثبت أنها ليست لها صلة بالكتاب المذكور ، وقد استقى المحقق العنوان مما جاء في خاتمتها ( كمل فاضل المبرد) والتي رأي المحقق بعد استشارة بعض العلماء أن ينشر بعنوان (الفاضل) استئناساً بما جاء في آخر النسخة ، والتي عثر عليها الأستاذ عبد العزيز الميمني ـ فيما يذكر ـ أثناء تطوافه بخزائن إسطنبول في مكتبة أسعد أفندي وقام بتحقيقها ، وراجعها الأستاذ أحمد يوسف نجاتي .والكتاب صدر في جزء واحد ابتدأ بتصدير من الأستاذ محمد أبو الفضل إبراهيم والذي ذكر أن الكتاب جري تأليفه علي شاكلة كتاب الكامل من إيراد مصفي الشعر ، ومنخول النثر ، ورائع الخطب وبليغ الرسائل ، وطريف الأخبار وغريب اللغة والنوادر، وهو كتاب مختصر يقوم في الأساس على الاختيارات، وقد احتوى الكتاب على مقدمة للمؤلف وقسم إلى عدد من الأبواب منها : الشعر ، الأخبار والأشعار ، الشكر للصنائع والجود والكرم وغيرها ، ذيل بعدد كبير من الفهارس العامة منها : الأعلام ، والقوافي ، أنصاف الأبيات ، والأماكن والشعراء إلي غير ذلك .وقد احتوت المقدمة على حديث عن فضل العلم والعلماء ، وأفضل ما قصد له من العلوم وهو كتاب الله – جل ذكره- والمعرفة بما حل من حلاله وحرامه وأحكامه، وأفضل العلوم علم اللغة وإعراب الكلام ، فإن بذلك يقرأ القرآن ، وعليه تروي الأخبار والأشعار قال الله تعالى : "وهذا كتابُ مصدقُ لساناً عربياً"، وأفضل ما في الإنسان المعبّر عن شأنه المبين لمعرفته لسانه وقال الشاعر :لسان الفتي نصفُ ونصفُ فؤادُهفلم يبق إلا صورةُ اللحم والدموإنما يبين عن الناس أعمالهم ، ويلحقهم بالصلاح صلاح آثارهم ، لذلك اعتمدنا تأليف هذا الكتاب والحث علي طلب الأدب والترغيب منه ويقول الشاعر في ذلك :كن ابن من شئت واكتسب أدباًيُغنيك محموده عن النسبابتدأ الكتاب بالحديث عن فضل الشعر وموقف الرسول صلي الله عليه وسلم ، وكذلك موقف الصحابة ، ثم يتبعه باب من الأخبار والأحاديث المختلفة ، ثم عقد المؤلف باب عن النوادر في لغة العرب ، وقد حظي الشعر بالعديد من الأبواب ،إضافة إلى أبواب متفرقة عن الجود والكرم ، والحلم والأناة والشكر للصنائع ، وختم الكتاب بباب يشمل عدد من الفصول منها الحسد ، كتمان السر وتفضيل الكبير وغيرها . ولعلنا نلاحظ أن معظم الاختيارات في الكتاب اعتمدت بشكل أساسي على الجوانب التي تزكي الروح الإنسانية وتدعو إلى الصلاح والتقوى ، وهي جوانب إيمانية ركز عليها المبرد في مؤلفاته مما يدل علي اهتمامه بإعلاء شأن القيم الأخلاقية لدى المتلقي ولعلنا نوضح هذه الجوانب بإيرادنا لعدد من نماذج الكتاب .1/قال إعرابي من باهلة في الكرم :وعاوٍ عوى شِبْه الجنون وما بهجنونُ ولكن كيدٌ أمرٍ يحاولُهفأوقدتُ نارى فاستضاء بضوئهاوأخرجت كلبي وهو في السجن داخلُهفلما رآها كبّر الله وحدَهوبشّر قلباً كان جمّا بلابلُهفلما أتاها قلت أهلا ومرحباًتقدّم ولم أقعُد أليه أسائلُهفقمت إلي البَرْك• الهجان أعودهابضربة حقّ لازم أنا فاعلُهفجالت قليلاً وأتّقتني بخيرهاسناما ، وأدناها من الشحم كاهلُهفأطعمته من لحمها وسنامهاشِواءً وخيرُ الخير ما كان عاجلُهطعامين لا أسطيعُ بخلا عليهاجني النحل والمغصوب تغلي مراجلُه2/ وأنشد أبو زيد صاحب النوادر في قصيدة لحاتم الطائي في الكرم وحفظ الأعراض :وإنا نُهين المالَ من غير ضِنّةٍولا يشتكينا في السنين ضريرهُاإذا ما بخيل الناس هرّت كلابهوشقّ علي الضيف الغريب عقورهافأني جبانُ الكلْب بيتي موطّأجواد إذا ما النفسُ شحّ ضميرُهاوإن كلابي قد أقرّت وعُوّدتْقليلُ علي من يعتريها هريرُهاوأبرز قِدري بالفناء قليلُهايُرى غير ممنون به وكثيرُهاوليس علي ناري حجاب يُكنّهالمقتبس ليلاً ولكن أثيرُهافلا وأبيك ما يظل ابن جارتييطوف حوالي قِدرنا ما يطورُهاوما تشتكيني جارتي غير أنّنيإذا غاب عنها بعلُها لا أزورُهاسيبلغها خيْري ويرجعُ بعلُهاإليها ولم تُسْدل علي ستورُها3/أنشدني أبو محمد التوزي عن أبي عبيدة لأخت عمرو ذي الكلب ترثيه :يا من بمقتله زُهي الدهرُقد كان فيك تضاءل البدرُكنت المجير عليه تقهرهفإذا سطوت فقد سطا القهروإذا سكت فإنها عدّةوإذا نطقت تدفق البحروإذا نظرت إلي أخي عدمأثرى وزال بلحظك الفقروالله لو بك لم أدعْ أحداًإلا قتلتُ لفاتني الوترما زال يحسد بطنُ أرضك ظهرهاإذ أمرك واستوي القدرحتى حللت ببطنها فتقدستفاليوم يحسُد بطنها الظهر4/ قال محمود الوراق في معني الشكر للصنائع :إذا كان شكري نعمة الله نعمةعلي له في مثلها يجب الشكرُفكيف بلوغ الشكر إلا بفضلهوإن طالت الأيام واتصل العمرُإذا مس بالسّراء عمّ سرورهاوإن مس بالضراء أعقبها الأجرُوما منها إلا له فيه نعمةتضيق بها الأوهام والبر والبحر5/ أنشدني بعض أصحابنا في فضل كتمان السر :إذا أنت لم تحفظ لنفسك سِرهافسِرك عند الناس أفشى وأضيع6/ حدثني مبارك الطبري قال : سمعت أبا عبيد الله يقول سمعت المنصور يقول للمهدي : يا أبا عبيد الله ، الخليفة لا يصلحه إلا التقوى ... وأنقص الناس عقلاً من ظلم من هو دونه ، وأنشد :وأحلام عاد لا يخاف جليسهمإذا نطق العوراء غرب اللسانإذا حدّثوا لم يخش سوء استماعهموإن حدّثوا أدّوا بحسن بيانلعلنا ندرك من خلال الاختيارات الشبه والتماثل بين الموضوعات وطرائق التعبير بين كتاب الكامل والفاضل مما يدل على حسن الاختيار الذي أتسم به المبرد.الخاتمةيقول ابن خلدون في مقدمته المشهورة : ( وسمعنا من شيوخنا في مجلس العلم أن أصول هذا الفن ( أي الأدب ) وأركانه أربعة دواوين : وهي أدب الكاتب لابن قتيبة ، وكتاب الكامل للمبرد ،وكتاب البيان والتبيين الجاحظ ، وكتاب النوادر لأبي علي القالي البغدادي وما سوى هذه الأربعة فتبع لها وفروع عنها)، والسؤال الذي تناولناه في هذا البحث كان يدور حول السمة التي تميز اختيارات المبرد الشعرية من خلال كتاب الكامل والذي يعتبر ديوانا من دواوين الأدب عند العرب كما ذكرنا سابقاً ، وكتاب الفاضل الذي اعتمد في الأساس على الاختيارات، وقامت خطة الدراسة على التعريف بالمؤلف ، والتعريف بكل كتاب على حدة ،ومن ثم التعريف بمنهج المبرد في كل كتاب ،وإيراد عدد من النماذج منهما ، أدركنا من خلالها ما كان يصبو المبرد إلى إيصاله للمتلقي وهي القيمة الأخلاقية العليا التي تميز بها الشئ الذي جعل الاختيارات في كتاب الكامل والفاضل تتشابه وتتماثل إلى حد بعيد، وتدور في معظمها حول خصال يدعو إليها الإسلام من كرم ، كتمان الأسرار ، والمحافظة على الأعراض إلى غير ذلك مما كثر عند المبرد .النتائجمن خلال بحثنا بعنوان الاختيارات الشعرية عند المبرد والتي تحدثنا عن منهجها ومضمونها خرجنا بعدد من النتائج نذكرها في عدد من النقاط علي هذا النحو :1/ تشابه طريقة الاختيارات في كتاب الكامل والفاضل والتي تتسم بالبساطة والروح الإيمانية العالية يؤكد أن المبرد كان أديباً وشاعراً صاحب ذوق شخصي سليم أعانه على حسن الاختيار وهي السمة الغالبة في مؤلفاته.2/تجاوز المبرد مفهوم الزمنية ، الذي يقدم ما هو قديم علي ما هو محدث وذلك لأن حسن الاختيار لا علاقة له بالزمن.3/ تجلى المنزع الإنساني لاختيارات المبرد في اهتمامه بغرض الرثاء في كتاب الكامل والفاضل باعتباره غرضاً إنسانياً .4/ تشابه موضوعات اختيارات المبرد _ الرثاء،المدح ، حفظ السر_ تدل على القيمة الأخلاقية التي تشبع بها وأراد إيصالها إلى المتلقي .5/ كتاب الكامل والفاضل من المصادر المهمة في الأدب واللغة بصورة خاصة.المصادر :1/ابن خلكان،أبو العباس شمس الدين أحمد بن محمد بن أبي بكر، وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان ،مج4،تحقيق إحسان عباس، دار صادر : بيروت.2/ المبرد،أبو العباس محمد بن يزيد( 1995) الفاضل ،ط2، تحقيق : عبد العزيز الميمني ، دار الكتب المصرية: القاهرة.3/ المبرد، أبو العباس محمد بن يزيد (1997)،الكامل في اللغة والأدب ،مج1،ط3،تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم ،دار الفكر العربي : القاهرة .4/المبرد ،أبو العباس محمد بن يزيد(1997) الكامل ،مج2 ،ط2،تحقيق محمد أحمد الدالي ،مؤسسة الرسالة: بيروت.5/القيرواني ، أبو إسحاق علي الحصرى ، زهر الآداب وثمر الألباب ج1،ط2،تحقيق علي محمد البجاوي ،دار إحياء الكتب العربية : القاهرة.6/المرزوقي، أحمد بن محمد بن الحسن (1984) شرح ديوان الحماسة لأبي تمام ،ط2،تحقيق أحمد أمين و عبد السلام هارون ،لجنة التأليف والترجمة: القاهرة.نازك الملائكة محمد علي عبد القادرباحثة سودانية في جامعة النيل الأزرق