من صفات النفس المحمودة التي تستلزم الانصراف من القبائح وتركها

المسلم حين يدعو إلى المحافظة على خلق الحياء في الناس وتنميته فيهم إنما يدعو إلى خير

إعداد ـ مبارك بن عبدالله العامري
الحياء من الأخلاق الرفيعة التي أمر بها الإسلام وأقرها ورغب فيها ويقول الرسول (صلى الله عليه وسلم):(الإيمان بضع وسبعون شعبه فأفضلها لا إله إلا اللّه وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان).
والحياء خلق يبعث على فعل كل خير وترك كل قبيح، فهو من صفات النفس المحمودة التي تستلزم الانصراف من القبائح وتركها وهو من أفضل صفات النفس وأجلها وهو من خلق الكرام وسمة أهل المرؤة والفضل المسلم عفيف والحياء خلق له, والحياء من الأيمان والأيمان عقيدة المسلم وقوام حياته وسر كون الحياء من الأيمان أن كلا منهما داع إلى الخير صارف عن الشر مُبعد عنه فالأيمان يبعث المؤمن على فعل الطاعات وترك المعاصي والحياء يمنع صاحبه من التقصير في الشكر للمنعم ومن التفريط في حق ذي الحق ومن هنا كان الحياء خيراً ولا يأتي إلا بخير كما صح ذلك عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في قوله:(الحياء لا يأتي إلا بخير) ـ رواه البخاري ومسلم.
فالحياء من خصال الإيمان، ويعين على هجر المعصية خجلاً من الله عزوجل، والإقبال على الطاعة، ويبعد عن فضائح الدنيا والآخرة، وهو أصل كلِّ شعب الإيمان، ويكسو المرء الوقار فلا يفعل ما يخلُّ بالمروءة والتوقير ولا يؤذي من يستحق الإكرام، ومن استحى من الله ستره الله في الدنيا والآخرة، ويُعدُّ صاحبه من المحبوبين عند الله وعند الناس، ويدفع المرء إلى التحلِّي بكل جميل محبوب، والتخلي عن كل قبيح مكروه، قال تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا) (الأحزاب ـ 53).
فالمسلم إذ يدعو إلى المحافظة على خلق الحياء في الناس وتنميته فيهم إنما يدعو إلى خير ويُرشد إلى بر، إذ الحياء من الأيمان والأيمان مجمع كل الفضائل وعنصر كل الخيرات من حديث ابن عمر ـ رضي الله عنهما:(أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ مر على رجل من الأنصار وهو يعظ أخاه في الحياء، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم: دعه فإن الحياء من الإيمان)، فدعا بذلك إلى الإبقاء على الحياء في المسلم ونهى عن إزالته ولو منع صاحبه من استيفاء بعض حقوقه إذ ضياع بعض حقوق المرء خير له من أن يفقد الحياء الذي هو جزء أيمانه وميزة إنسانيته ومعين خيرته, ورحم الله امرأة كانت قد فقدت طفلها فوقفت على قوم تسألهم عن طفلها فقال أحدهم تسأل عن ولدها وهي منتقبة فسمعته فقالت: لأن أرزأ في ولدي خير لي من أرزأ في حيائي أيها الرجل.
ما لا يمنعه الحياء
خلق الحياء في المسلم غير مانع له أن يقول حقاً أو يطلب علماً أو يأمر بمعروف أو ينهى عن منـكر، فقد شفع مرة عند رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أسامة بن زيد حب رسول الله وابن حبه فلم يمنع الحياء رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أن يقول لأسامة في غضب:(أتشفع في حد من حدود الله يا أسامة والله لو سرقت فلانة لقطعت يدها)، ولم يمنع الحياء أم سليم الأنصارية أن تقول يا رسول الله:(إن الله لا يستحي من الحق .. فهل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت؟ فيقول لها رسول الله ولم يمنعه الحياء: نعم إذا رأت الماء)، وخطب عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ مرة فعرض لغلاء المهور فقالت له امرأة: أيعطينا الله وتمنعنا يا عمر ألم يقل الله (.. وآتيتم إحداهن قنطاراً فلا تأخذوا منه شيئاً ..), فلم يمنعها الحياء أن تدافع عن حق نسائها, ولم يمنع عمر أن يقول معتذراً: كل الناس أفقه منك يا عمر، قال:(مرة في المسلمين وعليه ثوبان فأمر بالسمع والطاعة فنطق أحد المسلمين قائلاً: فلا سمع ولا طاعة يا عمر عليك ثوبان وعلينا ثوب واحد, فنادى عمر بأعلى صوته: يا عبدالله بن عمر فأجابه ولده: لبيك أبتاه فقال له: أنشدك الله ألبس أحد ثوبي هو ثوبك أعطيتنيه؟ قال: بلى والله, فقال الرجل: الآن نسمع ونطيع), فانظر كيف لم يمنع الحياء الرجل أن يقول , ولا عمر أن يعترف.
من أنواع الحياء
الحياء من الله، قال الله تعالى:(أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى) (العلق ـ 14)، وقال تعالى:(مَا قَدَرُواْ اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ) (الأنعام ـ 91)، (إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) (النساء ـ 1)، فتجرؤ العبد على المعاصي واستخفافه بالأوامر والنواهي الشرعية يدل على عدم إجلاله لربه وعدم مراقبته لربه، فالحياء من الله يكون باتباع الأوامر واجتناب النواهي، قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم):(استحيوا من الله حق الحياء) قال: قلنا يا رسول الله إنا نستحي والحمد لله قال:(ليس ذلك ولكن من استحيا من الله حق الحياء فليحفظ الرأس وما وعى وليحفظ البطن وما حوى، وليذكر الموت والبلى ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء).