يشير إلى أن "المرأة العائدة من الغابة تغني" محملة بحكايات الطفولة والجمال والموت والحرية والسفر

اختيار السارد في بعض النصوص الأدبية هو نتيجة لما تعرض له الكاتب العماني من مساءلات وتحقيقات متواصلة

حمار مسقط الحزين يؤكد الامتداد الفعلي لغابات الأسمنت في العامرات والتي قد تقضي على الحياة الجميلة فيها
حوار ـ خميس السلطي:
دائما ما يجسد الكاتب والقاص حمود سعود حضوره الثقافي الأدبي بكتاباته المتعددة من خلال حقيقة المكان وتقاطع مفرداته المتعددة، فهو دائما ما يأتي مسكونا بهاجس (المكان) لما له من تنوع معرفي ومخزون علمي حيث حياة الإنسان الأول وتطلعاته إلى ما هو أكثر أفقا واستكشافا، للكاتب ثلاثة إصدارات؛ (عمامة العسكر) صدر عام ٢٠١٣، و (المرأة العائدة من الغابة تغني) ٢٠١٥، و (غراب البنك ورائحة روي)، فالإصدار الأخير يذهب بك إلى أقاصي روي متعمقا في حياة الإنسان العماني والعربي وغير العربي يطل ليقول أسرارا كثيرا غاية في الدهشة، من خلال هذا الحوار حاولنا استنطاق ما جاءت به تلك الإصدارات مع الذهاب إلى حياة الكاتب العملية الثقافية ...


• لنبدأ حيث مجموعتك السردية الأخيرة .. (غراب البنك ورائحة روي)، هنا ومن خلال هذا العنوان والذي هو عبارة عن نص سردي ضمن نصوص المجموعة حاولت تشخيص حالة (روي) وماهيتها، مع تناقضاتها التي قد تكون غير ظاهرة إلا للمتتبع لها، نتساءل لماذا أتى هذا التشخيص كحوار على لسان السارد؟ لنتعرف على السبب المباشر في الأمر؟
- هذه المجموعة السردية هي الثالثة لي وصدرت عام 2016 عن دار سؤال، وقبل كل شيء لابد من توضيح مباشر فيما يتعلق بهذه المجموعة أن ثيمة المكان جاءت طاغية وحاضرة بقوة بين ثناياها، وحاولت من خلالها الذهاب بصورة أعمق إلى المكان العماني وتفاصيله الدقيقة التي لا تمر سريعا على المتأمل فيه، حاولت استنطاقه واستثماره بشكل جمالي أكثر، مع جعله البطل في وهو يتربع على أحداث نص (رائحة روي وغراب البنك) فقد جاء في صورة (السارد لواقعه) ، كما أن هذا النص هو الأطول في هذه المجموعة وعمدت على الاشتغال على تقنية جديدة تتمثل في جعل السارد هو الجاذب لخيط السرد، ويمتد به مع استقراء لما يخبئ المكان مع دراسة واعية لحالته من النواحي الاجتماعية والاقتصادية مرورا بالثقافية.

• لماذا جاء اختيار (روي) لتكون محط تلك التفاصيل الدقيقة؟
- يعود ذلك لسبب مباشر وهو أنني كنت في يوم من الأيام صديقا حميما لمنقطة (روي) وأحداثها الجميلة ، فزياراتي اليومية المتكررة لها عندما كنت أعمل في صحيفة (الزمن)، كمحرر ثقافي ، أستطيع القول بأنني عشت أوقاتا رائعة بها الكثير من الدهشة والتناقضات، مع قراءة مفرداتها بطريقة مفصلة وأكثر حيوية، فروي بلد ثري وقابل لأن تذهب في أدق ما يحويه حيث التنوع في شوارعها وعماراتها وأزقتها أضف إلى ذلك الجاليات العربية وغير العربية وارتباطها بالمكان، من هنا جاء النص ليحمل نَفَس روي، ولكل إنسان نظرته الخاصة في اقتناص ما تضمه أو تحويه هذه البلدة الجميلة، فأنا لعبت على ماهية التاريخ والجغرافيا واختلاق حيوات من ذهن السارد، في المقابل ربما يأتيك كاتب آخر ليقول رأيا مختلفا عمّا قلت ونقلته وهكذا.

• (حمار مسقط الحزين) .. نص آخر قد تتشاطر أفكاره مع حقيقة نص (غراب البنك)، من حيث ما آلت إليه قرى مسقط وحواضرها، هنا تظهر نظرة التشاؤم وبأسلوب ساخر، في المقابل هناك حاضر مشرق يلف ثنايا العامرة بتوهجها وجمالياتها، ألا تعتقد أن هذا الأمر يدخل المجموعة في قتامة وسوداوية مع قارئها؟ كيف لك أن توضح لنا ذلك؟
- هنا لا اتفق معك فيما ذهبت، على العكس أنا حاولت من خلال نص (حمار مسقط الحزين) أن أدين هذا التمدد البشري الذي يطغى على تفاصيل المكان الجميل، فالأمر لا يتوقف على البناء، هناك استمرارية رائعة فيما يتعلق بالتوهج والاشراق والكل يقره ويشهده، لكن في المقابل هذا البناء يقتلع الكثير من أوجه الحياة البرية الجميلة، ففي العامرات مثلا نجد أن الحمار موجود منذ وقت كبير، ولكن بسبب الزحف العمراني هناك تهديد واضح لهذا الحيوان الذي ربما سينقرض في يوم من الأيام، عموما هذا النص يحمل إدانة جمالية غير سلبية وهو ما يعطي عكس ما ذهبت إليه في طرحك للسؤال، فغابات الأسمنت باتت كبيرة وواضحة وهذا يتسبب في غياب جمالية المكان الذي دائما ما انطلق فيه من نصوصي.

• في بداية تلك المجموعة، (غراب البنك ورائحة روي)، قلت إن كل ما سيأتي بين طياتها هو من نسج خيال الكاتب، لكنها تبدو وكأنها (الحقيقة) في الأمر إلا ما ندر، هل نقول إن عبارة (نسج خيال الكاتب) هي محاولة للهروب من أي تهمة مباشرة أو غير مباشرة قد تلاحقك مستقبلا حول حدث ما؟ كيف توضح ذلك؟
- في بداية الأمر لا بد من إيصال نقطة مهمة وتخدم الكاتب والقارئ بشكل كبير تتمثل إنه ليس من واجب الكاتب أن يكتب ما يريده ويراه القارئ مناسبا، هذا أمر مرفوض وسلبي، فالقراء عموما هم مزيج من (أذواق وأفكار ، ومدراس تتعدد أوجهها)، فأنا في نصوصي أذهب إلى الجانب الهامشي مثلا ، بعيدا عن ملامسة العمران وجمالياته كما نراها في (المولات)، أنا ذهبت إلى أطراف مسقط لأوثق حالة النص وركائزه، فأنا أنقل صورا لأجيال قادمة تقرأ ما جاء في الحالة السردية لتقول إن هناك أحداثا معينة قد وقعت في يوم من الأيام وأعود لأجيب مباشرة على مضمون طرحك في السؤال أعلاه لأبين أيضا أن في السنوات الأخيرة تعرض الكثير من الكتاب والأدباء العمانيين للمساءلة من قبل أشخاص بعينهم، ووصلت هذه المساءلات إلى المحاكم للأسف، فأقول إجابة على السؤال (نعم) هو للبعد عن دوامات المحاكم وأفكار بعض الأشخاص التي قد يفهمون النصوص بطريقة عكسية، فبعضهم لا يقرأ الأدب المكتوب أو يحاول على الأقل فهم ما جاء به وإنما يحاكمك أخلاقيا بدون وجه حق، وأجيب أيضا بـ (لا) على السؤال فأقول أنا أكتب ما يمليه عليّ ضميري ولا اتبع أذاوق ممن لا علاقة لهم بالكتابة.

• إصداراتك السابقة (عمامة العسكر)، عام 2013، و(المرأة العائدة من الغابة تغني) عام 2015، إضافة إلى الإصدار الحالي (غراب البنك ورائحة روي ) لا تخلو من هاجس المكان، أنت في حقيقة الأمر مسكون بشكل كلي بهذا الهاجس وتداخل مساراته مع إظهار جل التفاعلات بشكل واع من حوله، دعنا نتحدث بعمق في هذا الإطار؟
- هنا اتفق معك ولا بد أن أشير أنه إلى جانب ثيمة المكان هناك ثيمات أخرى حاضرة وبقوة في هذه المجموعات ومن بينها ثيمة الطفولة، ولتقريب الفكرة بصورة أكبر أن للمكان في عمان مقدرة خاصة ومميزة وفريدة من نوعها تجبر الكاتب للكاتبة عنه، يتمثل ذلك في التنوع اللامحدود حيث السهل والجبل والبحر والصحراء، مرورا بما تحويه تلك الأمكنة من صور إنسانية وثقافية اجتماعية متعددة تشعل أفكار الكاتب ، وهي تتقاطع أيضا مع وجوه الإنسان العماني وأفكاره مع مفاهيم حياته الرائعة الإيجابية التي لا تعد ودائما ما يكون للمكان سمة حاضرة هنا، فعُمان غنية بالمكان وأنماط المعيشة ويجب على المشتغلين على الكتابة الاقتراب من هذا المكان لاستخراج كنوزه، كي تصل للمتلقي بوهج أكبر.

* في نص (القراصنة ورأس الماعز الأبيض) من مجموعة غراب البنك أردت توصيل رسالة واضحة هنا، لنتعرف عليها.
- هذا النص خصوصا يقدم حكاية تاريخية تنطلق من المكان أيضا ويأتي مكتظا بالخيال مع استقراء الماضي الذي وقع في يوم من الأيام وجاءت أحداثه واضحة مع الحاضر الذي سوف يأتي، وربما ثمة تشابه قد يقع يربط الماضي بالحاضر هنا تجسد الأحداث ذاتها، فالصورة تقول إن ثمة قراصنة سيأتون إلى ذلك المكان في (النص) وسينهبون ويقتلون، وغير ذلك من الأحداث المؤلمة التي قد يتوقعها الكاتب، وهذا تنبؤ قد يكون وقد لا يكون، وعملت هذا بشكل فني بحت.

• لا يزال القاص العماني في إطار "محلك سر"، هذا اتهام عفوي ولا يحمل إلا كل التقدير له أينما حل ووجد، لكن أتوقع أنك تشاطرني الرأي وتتفق معي في أن الأمر يعود لأسباب، دعنا نتعرف عليها من خلالك؟
- هنا قد نشير إلى ظاهرة فيما تطرقت إليه، ولكن قبل الذهاب إلى تحليلها دعنا نفتش في أسباب وجودها، لكن أقول إن في السنوات الأخيرة بدأ القاص العماني يأخذ مكانه الحقيقي في حيز الواقع السردي والقصصي الخليجي والعربي، من خلال المؤتمرات والفعاليات والبرامج المختلفة، فنراه في دول الخليج قاطبة مرروا بتونس والمغرب والأردن ومصر وغيرها، لكن دعنا نقولها صراحة هناك تقصير صراحة في الكتاب والكاتب العماني، والعملية مشتركة يجتمع فيها كل من (الكاتب ذاته، والجهة الرسمية المعنية، إضافة إلى دور النشر في بعض الأحيان التي يلجأ إليها هذا الكاتب، والمشتغلون على الصحافة الثقافية)، نحن لا نبرأ أحدا بقدر ما نوجه (عتاب المحب) لهذه الجهات، وعلى الإعلام الثقافي خصوصا السعي لتوصيل الكاتب العماني إلى خارج السلطنة بالطرق المتاحة.

• في كل دورة من دورات معرض مسقط الدولي للكتاب هناك وقفة اتهام تجاه ما تأتي به بعض إصدارات الكتّاب وخاصة السردية، والتي لا تتوافق ضمنيا مع توجهات المجتمع المحافظ حسب آراء الكثير من القراء، في تصورك ما هي مساحة الكتابة لدى الكاتب هنا؟ ماذا عن سبل التوافق بين الكاتب أيضا والقارئ في هذا الجانب؟
- لنقف صراحة مع ما أطلقت عليه (المجتمع المحافظ)، ما تقصده هنا قد يوجد شيئا من التعجب والتساؤل، على العكس المجتمع العماني مجتمع منفتح ثقافيا ومعرفيا على الكثير من الثقافات والشعوب من حوله، في السلطنة لدينا مؤسسات ثقافية متعددة وتطرح الكثير من الرؤى والقضايا أضف إلى ذلك لدينا صالات للسينما بأحدث تقنياتها وتعرض بالتوقيت مع ما يعرض في العالم أحدث الأفلام أولا بأول، ولكن لا زلت أكرر وأقول بأن ليس على الكاتب أن يكتب ما يمليه عليه المجتمع ، فله حرية الكتابة والطرح وما يجول في خاطره لا بد أن يصقله في أجناس الكتابة بشرط توظيف أدواته الكتابية بوعي أكبر مع استخدام تقنيات أكثر حرفية، وحينها سيجد أن هناك من تقبله ويتناول أعماله، بحيث لا يذهب إلى الشهرة كتناول قضايا سياسية أو جسدية أو غيرها وإنما الكتابة من أجل الكتابة، وأن يقدم ما لديه بعيدا عن الصدام مع المجتمع لأنه لو تصادم مع هذا المجتمع سيدخل في دوامات كثيرة لا حصر لها وقد يستهدف ذلك فكره وحياته الشخصية، كما أن على المجتمع ألا يتقصد في البحث عن زلات الكاتب وهفواته، نعم هي ظاهرة تكررت كثيرا وقد يضاف عليها الكثير من (البهار) كما يقال.

• نص (دم العزلة) .. يقود نوعا ما إلى اتهام يوجه للكاتب يتمثل في انعزاله وانغلاقة عن المجتمع، كيف توضح لنا ماهية العزلة والانعزال من خلال هذا النص؟
- ثمة فرق كبير بين العزلة والانعزال، العزلة ضرورة ملحة للكتاب فهي تقع من أجل الكتابة والقراءة والاشتغال على النص الأدبي، أما الانعزال فهو أمر آخر، هناك أناس ينعزلون وهم بعيدون عن عالم الكتابة والقراءة مثلا، فالكاتب لا بد ان يكون حاضرا في تفاصيل المجتمع لا منعزلا عنه، ينقل أفكاره وقضاياه وتوجهاته، يذهب إلى السوق والقرية والمقهى وغيرها من الأماكن التي قد تمده بفكرة جديدة أو طرح مغاير، فأنا مع العزلة التي تأتي من أجل الكتابة بحيث تضيف له لا تنقص من أفكاره، ووضعت رسالة واضحة لي في النص قمت ببثها للقارئ مفادها "أكتب؛ لأن الكتابة صوتي المعبر عن وجودي في هذه الحياة العابرة والخادعة والوهمية، أكتب لأمسك بفكرة عابرة في الصباح أو في الحكاية أو في الطفولة، أكتب لأن الكتابة تنبع من ينابيع الجمال الخالدة، الكتابة التي تبحر ضد محيطات النسيان والتهميش والظلام. أكتب لأجعل الملل الذي ينهش أرواحنا أكثر جمالا وأقل وجعا".

• "المرأة العائدة من الغابة تغني" هو أحد إصدراتك الأدبية بماذا أخبرت القارئ في هذا الإصدار؟ ما هو مضمون رسالة المرأة؟
- مضمون رسالتها تتجسد في أنها عادت من الغابة محملة بحكايات الطفولة والجمال والموت والحرية والسفر، المرأة دائما تغني للحياة، علينا دائما أن ننصت للمرأة التي تعود من بعيد.

• كانت لك تجربة في الصحافة الثقافية من خلال الزميلة الزمن، كيف تأخذنا لهذه التجربة؟ لنقف مع الواقع الثقافي والمثقف العماني، أخبرنا عن مشاهداتك مع هذا الواقع؟ هل تتفق معي أن التعامل مع المثقف العماني يحتاج إلى (سعة بال)، وصبر جميل؟
- هي تجربة قصيرة ولكن أحسبها ثرية، فقد تعرفت من خلالها على واقع الثقافة في السلطنة عندما كنت أعمل محررا ثقافيا حينها، فالتواصل مع المثقف أمر في غاية الروعة والجمال، وللإجابة أيضا على الشثق الثاني من السؤال، يجب ألا نعمم هذه الفكرة بحيث لا نظلم الأصدقاء، نعم هناك منهم من هو محفز وتستطيع التواصل معه لإجراء استطلاع أو الحصول على نص أدبي، في المقابل هنا منهم من لا يعيرك أي اهتمام ولا يجيب على تساؤلك!.

• لنعود إلى ذكرياتك الجميلة مع (الملتقى الأدبي) خلال السنوات الماضية ونتحدث عن تلك المرحلة ذات الخصوصية في واقعك الأدبي كيف تخبرنا عنها؟ ماذا يشكل لك هذا الملتقى وماذا أضاف للساحة الأدبية من وجهة نظرك؟
- الملتقى الأدبي تظاهرة ثقافية رائعة ونحن منذ سنوات الكتابة الأولى تعرفنا عليه من خلال برامجه التي في النهاية أطلعتنا على الكثير من ابجديات الكتابة، فأنا لا أنسى مشاركتي الأولى في صحار عام 2004م ، والتقائي بأسماء جميلة في ساحتنا الثقافية والمشتغلين على الشأن الثقافي في السلطنة مرورا بالمشاركة الثانية في نزوى في عام 2006م، وغيرها من المشاركات اللاحقة، ما أتمناه حقيقة أن يستمر هذا الملتقى وأن تتسع المنافذ الثقافية في السلطنة ولا تتقلص خاصة في ظل الظروف الحالية، فنحن نمتلك التنوع الثقافي الذي يجب أن تسهل له الكثير من المعطيات في ظل الانفتاح المعلوماتي.