ما أجدر بأمة الإسلام أن تكون أرقى الأمم على الإطلاق، متقدِّمة في شتى معارفها وثرواتها، ثقافيًّا واقتصاديًّا وصناعيًّا وحضاريًّاالعاقل من يغتنم الاجازة الصيفية في طاعة مولاه وعمارة دنياه، فلا يترك وقته يمر وعمره يمضي دون تقديم عمل مفيد أو فكر سديدالحَمْدُ للهِ الَّذِي آتَانَا مِنَ الأوقَاتِ وَالطَّاقَاتِ، ما يُعِينُنا لِلوُصُولِ إلى أقْصَى الغَايَاتِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، رَبَّى الأَجْيَالَ عَلَى إِعْمَارِ أَوْقَاتِهِمْ بالفَضَائِلِ، وَحَذَّرَهُمْ مِنْ مَسَالِكِ الرَّذَائِلِ، (صلى الله عليه وسلم) وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمن تبعهم بِإِحْسَانٍ مِن أُولِيْ الفَضْـلِ وَالمَكَارِمِ.أَمَّا بَعْدُ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ عِبَادَ اللهِ ـ وَاعْلَمُوا أَنَّ الأُمَمَ الْيَوْمَ تُسَابِقُ الزَّمَنَ فِي مَيَادِينِ الْحَضَارَةِ وَالتَّنْمِيَةِ، وَتَتَحَدَّى الصِّعَابَ وَتَجْتَازُ الْعَقَبَاتِ، مُسْتَغِلَّةً الأَوقَاتَ والطَّاقَاتِ، فَما أَجْدَرَ بِأُمَّةِ الإِسْلامِ أَنْ تَكُونَ أَرْقَى الأُمَمِ عَلَى الإِطْلاقِ، مُتَقَدِّمَةً فِي شَتَّى مَعَارِفِهَا وَثَرَوَاتِهِا، ثَقَافِيًّا وَاقتِصَادِيًّا وَصِنَاعِيًّا وَحَضَارِيًّا ذَلِكَ لأَنَّ هَذِهِ الأُمَّةَ تَمْتَلِكُ مِنَ الْمَنْهَجِ الأَصِيلِ مَا يَسْمو بِها إِلى أَعْلَى المَراتِبِ، فَهَذَا رَسُولُ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) أَخْرَجَ اللهُ تَعَالَى بِهِ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ، وَاهْتَدَتْ عَلَى يَدَيْهِ أُمَمٌ في مُدَّةٍ قَصِيرَةٍ مِنَ الزَّمَنِ، وَمَا كَانَ ذَلِكَ لِيَحْدُثَ لَوْلا أَنَّهُ كَانَ (صلى الله عليه وسلم) يَعْرِفُ قِيمَةَ الزَّمَنِ، وَكَيْفِيَّةَ اسْتِغْلالِ أَوْقَاتِهِ، وَهَا هُمُ الرَّعيلُ الأَوَّلُ،َ انْطَلَقُوا يَبْذُلُونَ الوُسْعَ وَالطَّاقَةَ حَتَّى بَنَوْا أَعْظَمَ حَضَارَةٍ عَرَفَهَا التَّارِيخُ، شَمِلَتْ أَنْواعَ العُلُومِ والمَعَارِفِ، وَحَوَتْ أَعْظَمَ المُبْدِعينَ وَالمُفَكِّرينَ، وَلا يَزَالُ العَالَمُ يَسْتَفِيدُ إِلَى هَذَا اليَوْمِ بِكَثيرٍ مِنْ إِنْجَازَاتِهَا وَآثَارِهَا. إِنَّهُمْ حَقًّا حَقَّقُوا هَدَفَ اسْتِخْلافِهِمْ فِي الأرْضِ وَجَعَلُوا نُصْبَ أَعْيُنِهِمْ (وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّـهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ) (هود ـ 61)، فَيَا أَبْنَاءَنَا، هَلُمُّوا بِنَا نَسْتَنْهِضُ العَزْمَ نَبْتَغِي اللَّحَاقَ بِالرَّكْبِ وَالتَّقَدُّمَ، فَلا فَرَاغَ فِي حَيَاةِ أمَّةٍ لَهَا غَايَةٌ وتَرْنُو إلى تَحْقِيقِ أسْمَى الأهْدَافِ.أيُّهَا الْمُسْلِمونَ:إِنَّ وَقْتَ الإِنْسَانِ غَنيمَةٌ وَمَكْسَبٌ كَبيرٌ، لا يُفَرِّطُ فيهِ عَاقِلٌ لَبيبٌ، يَقُولُ الرَّسُولُ (صلى الله عليه وسلم) :(اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: حَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغُلِكَ، وَشَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ، وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ)، وَقَدْ قيلَ: مَنْ أَمْضَى يَوْمَهُ في غَيْرِ حَقٍّ قَضاهُ، أَوْ فَرْضٍ أَدَّاهُ، أَوْ مَجْدٍ أَثَّلَهُ، أَوْ حَمْدٍ حَصَّلَهُ، أَوْ خَيْرٍ أَسَّسَهُ، أَوْ عِلْمٍ اقْتَبَسَهُ فَقَدْ عَقَّ يَوْمَهُ وَظَلَمَ نَفْسَهُ. وَهَا هِيَ الإِجَازَةُ الصَّيْفِيَّةُ قَدْ أَطَلَّتْ ـ يَا عِبَادَ اللهِ ـ وَالعَاقِلُ هُوَ مَنْ يَغْتَنِمُهَا في طاعَةِ مَوْلاهُ، وَعِمَارَةِ دُنْيَاهُ، فَلا يَتْرُكُ وَقْتَهُ يَمُرُّ، وَعُمْرَهُ يَمْضي دونَ تَقْديمِ عَمَلٍ مُفيدٍ أَوْ فِكْرٍ سَديدٍ، فَلْيَجْعَلِ المُسْلِمُ الاجْتِهَادَ غَنيمَةً لِصِحَّتِهِ، وَالعِلْمَ وَالعَمَلَ فُرْصَةً لِفَراغِهِ، فَالنَّفْسُ إِذَا لَمْ يَشْغَلْهَا المَرْءُ بِالحَقِّ شَغَلَتْهُ بِالبَّاطِلِ، ذَلِكَ أَنَّ الفَرَاغَ لَدَى الشَّبَابِ وَالفَتَيَاتِ، وخَاصَّةً في العُطُلاتِ وَالإِجَازَاتِ، مُفْسِدٌ للنَّفْسِ وَالرُّوحِ ومُدَمِّرٌ لِلْجَسَدِ وَالبَدَنِ إِذَا أُسِيءَ اسْتِغْلالُهُ، وَأَوَّلُ مَفَاسِدِ الْفَرَاغِ تَبْديدُ الطَّاقَاتِ الفَتِيَّةِ ثُمَّ الخُلُودُ إِلَى العَادَاتِ السَّيِّئَةِ (إِن كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلَا أَن صَبَرْنَا عَلَيْهَا وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلًا) (الفرقان ـ 42)، نَعَمْ .. إِنَّ في الْفَرَاغِ آثَارًا سَيِّئَةً وَنَتَائِجَ خَطيرَةً عَلَى الأفْرَادِ وَالْمُجْتَمَعَاتِ، يَبْدَأُ مِن الشُّعُورِ بِثِقَلِ الوَقْتِ وَبُطْءِ الزَّمَنِ الَّذِي يُصيبُ بَعْضَ الأَفْرَادِ بِالعِلَلِ النَّفْسِيَّةِ وَالأَمْراضِ الْعَصَبِيَّةِ، وَرُبَّمَا يَدْفَعُ بَعْضَهُمْ إِلَى تَنَاوُلِ ما يُؤَدِّي بهم في نِهَايَةِ الْمَطَافِ إِلَى الْغَيْبُوبَةِ الْفِكْرِيَّةِ، وَمِنَ الشَّبَابِ مَنْ يُؤَدِّي بِهِ عَدَمُ مَعْرِفَةِ اغتِنَامِ أَوقَاتِهِ إِلَى العَبَثِ وَالتَّخْرِيبِ، أَوْ يَعْمِدُ إِلَى الجُلُوسِ عَلَى الطُّرُقَاتِ لِلْقَضَاءِ عَلَى وَقْتِ الفَرَاغِ، وَمَا دَرَى هَؤُلاءِ أَنَّهُمْ فِي غَفْلَةٍ كَبِيرَةٍ سَيَعَضُّونَ عَلَى تَضْيِيعِ أَوقَاتِهِمْ أَصَابِعَ النَّدَمِ، وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا، يَا وَيْلَتَىٰ لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا، لَّقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولًا (الفرقان 27 ـ 29).أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ:إِنَّ سُبُلَ قَضَاءِ الإِجَازَاتِ الصَّيْفِيَّةِ كَثِيرَةٌ، إِلاَّ أَنَّهَا تَحْـتَاجُ إِلَى عِنَايَةٍ مِنْ كُلِّ القِطَاعَاتِ التَّرْبَوِيَّةِ وَالشَّبَابِيَّةِ، وَالاجتِمَاعِيَّةِ وَالاقتِصَادِيَّةِ، حَتَّى تَعُودَ بِمَا يَنْفَعُ المُسْـلِمَ فِي دِينِهِ وَدُنْيَاهُ، وَإِنَّ الشَّبَابَ بِحَاجَةٍ إِلَى اليَدِ الحَانِيَةِ الرَّحِيمَةِ الَّتِي تُقَدِّمُ لَهُمُ النُّصْحَ وَالتَّوْجِيهَ وَالإِرشَادَ، وَتُشْعِرُهُمْ بِدَوْرِهِمْ فِي الحَيَاةِ، وَأَثَرِهِمْ فِي المُجتَمَعِ، وَأَهَمِّيَّـتِهِمْ فِي أُمَّـتِهِمْ وَأَوْطَانِهِمْ، وَهُنَا يَأْتِي دَوْرُ أَهْـلِ الخَيْرِ مِنْ أَبنَاءِ المُجتَمَعِ، لِيَقُومُوا بِإِعْدَادِ الأَنْشِطَةِ التَّرْبَوِيَّةِ، وَتَوْجِيهِ الشَّبَابِ فِي الإِجَازَاتِ المَدْرَسِيَّةِ إِلى المَناشِطِ الثَّقَافِيَّةِ المُتَنَوِّعَةِ، أَوْ إِلى اكْتِسَابِ مَهَارَةٍ وَإِتْقَانِ حِرْفَةٍ، أَوْ عَمَلِ مَشْرُوعٍ نَافِعٍ، وَعَلَى مَنْ أُوتِيَ نَصيبًا مِنَ العِلْمِ وَالمَعْرِفَةِ أَنْ يُسْهِمَ في التَّثْقيفِ وَالتَّعْليمِ كَيْ يَنالَ الأَجْرَ العَظيمَ، وَعَلَى أَهْـلِ الأَمْوَالِ أَنْ يَشْكُرُوا اللهَ فَيَتَنَافَسُوا فِي الإِنْفَاقِ فِي هَذَا المَجَالِ، فَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ (الانبياء ـ 94)، وَقَدْ عَدَّ رَسُولُ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) العِلْمَ مِنْ أَعْظَمِ الصَّدَقَاتِ الجَارِيَةِ الَّتِي يَستَمِرُّ أَجْرُهَا لِلْمَرْءِ بَعْدَ الوَفَاةِ.فَاتَّقُوا اللهَ ـ عِبَادَ اللهِ ـ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّـهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَانًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّـهَ إِنَّ اللَّـهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) (المائدة ـ 2) خُذُوا مِنْ يَوْمِكُمْ لِغَدِكُمْ، وَاعْرِفُوا غَنِيمَةَ الأَوقَاتِ، فَوَظِّفُوها فِي كُلِّ مَا يُرْضِي اللهَ وَيُسْعِدُ حَيَاتَكُمْ، وَرَتِّبُوا جَدَاوِلَ أَعْمَالِكُمْ؛ تَغْنَمُوا وَتَفُوزُوا وَتَنْجَحُوا، وَكُونُوا عَوْنًا لأَبنَائِكُمْ عَلَى حِفْظِ أَوقَاتِهِمْ، وَاغْتِنَامِ أَوقَاتِ فَرَاغِهِمْ، وَأَنْتُمْ أَيُّهَا الشَّبَابُ إِيَّاكُمْ وَإِهْدَارَ الأَوقَاتِ وَتَبْدِيدَ الطَّاقَاتِ، فَأَنْتُمْ عِمَادُ الأُمَّـةِ وَأَمَلُهَا المَنْشُودُ.أقُولُ قَوْلي هَذَا وَأسْتغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لي وَلَكُمْ، فَاسْتغْفِرُوهُ يَغْفِرْ لَكُمْ إِنهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ، وَادْعُوهُ يَسْتجِبْ لَكُمْ إِنهُ هُوَ البَرُّ الكَرِيْمُ.الْحَمْدُ للهِ الَّذِي أَكْرَمَنَا بِالقُرآنِ هَادِيًا وَدَلِيلاً، وَإِلَى جَنَّاتِهِ قَائِدًا وَسَبِيلاً، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّـنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، أَدْرَكَ قِيمَةَ القُرآنِ وَمَكَانَتَهُ، وَدَوْرَهُ التَّرْبَوِيَّ وَأَهَمِّـيَّـتَهُ، فَحَثَّ عَلَى تَعَلُّمِهِ وَتَطْبِيقِهِ، وَتَرْبِيَةِ النَّشْءِ عَلَيْهِ وَتَعْلِيمِهِ، (صلى الله عليه وسلم) وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَن تَبِعَهُم بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ:إِنَّ مِنَ الوَسَائِلِ المُفِيدَةِ وَالطُّرُقِ السَّدِيدَةِ لاسْتِغْلالِ الإِجَازَةِ الصَّيْفِيَّةِ، أَنْ نُعِدَّ لِلْوَلَدِ مَراكِزَ صَيْفِيَّةً مَعَ أَقْرَانِهِ وَأَصْحَابِهِ وَخُلانِهِ، فيهَا مُسَابَقاتٌ قُرْآنِيَّةٌ تُضْـفِي عَلَى نَفْسِهِ جَوًّا جَمِيلاً؛ لأَنَّهَا تُخْرِجُهُ مِنْ جَوِّ الحَيَاةِ العَادِيِّ إِلَى جَوِّ التَّنَافُسِ الحَمِيدِ، فَلْيَحْرِصْ كُلُّ مُرَبٍّ أَنْ يَكُونَ ابنُهُ مُشَارِكًا فِي نَشَاطَاتِ المُجتَمَعِ المُتَعَلِّقَةِ بِالقُرآنِ؛ لأَنَّهَا مَعِينٌ خِصْبٌ لِرَبْطِهِ بِالقُرآنِ تِلاوَةً وَتَدَبُّرًا، تَجْوِيدًا وَتَفْسِيرًا، (خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَٰلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ) (المطففين ـ 26)، إِنَّ تَرْبِيَةَ الطِّفْلِ عَلَى القُرآنِ تَجْعَلُهُ مُتَفَوِّقًا دِرَاسِيًّا، وَمُتَقَدِّمًا فِكْرِيًّا وَمَعْرِفِيًّا؛ فَيَرقَى بِنَفْسِهِ وَأُسْرَتِهِ وَمُجتَمَعِهِ، وَهَذا مَا نَرْجُوهُ مِنَ الأَبْـنَاءِ، أَنْ يَكُونُوا خَيْرَ ذُخْرٍ لِوَطَنِهِمُ المِعْطَاءِ الَّذِي تَرَبَّوا فِي أَمْـنِهِ وَأَمَانِهِ، وَشَرُفُوا بِحُسْنِ عَطَائِهِ، فَلا أَقَلَّ مِنْ أَنْ يَرُدُّوا لَهُ بَعْضَ جَمِيلِهِ؛ لِيَكُونُوا شَارَةً عَلَى فَضْـلِهِ. وَكَمْ تَكُونُ سَعَادَةُ الآبَاءِ غَامِرَةً، حِينَ يَرَوْنَ أَبْـنَاءَهُمْ يَبَرُّونَهُمْ وَيُحْسِنُونَ مُعَامَلَتَهُمْ؛ لأَنَّهُمْ عَلَّمُوهُمُ القُرآنَ، فَطَبَّـقُوا مَا قَرَأُوهُ مِنْ فَضْـلِ الإِحْسَانِ إِلَى الوَالِدَيْنِ وَعَظِيمِ أَجْرِ بِرِّهِمَا.فَاتَّقُوا اللهَ ـ عِبَادَ اللهِ ـ وَرَبُّوا أَبْـنَاءَكُمْ عَلَى آيِ الكِتَابِ؛ تَجِدُوهُمْ خَيْرَ ذُخْرٍ لَكُمْ يَوْمَ الحِسَابِ، وَلْيَتَذَكَّرَ كُلُّ وَلِيِّ أَمْرٍ أَنَّ أَبْـنَاءَهُ مِنْ رَعِيَّـتِهِ، وَأَنَّ اللهَ سَائِلُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ عَمَّا استَرْعَاهُ، قَالَ تَعَالَى فِي مُحْـكَمِ كِتَابِهِ:(وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ) (الصافات ـ 24)، وَفِي الحَدِيثِ عَنِ النَّبِيِّ (صلى الله عليه وسلم) أَنَّهُ قَالَ:(كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّـتِهِ).هَذَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُواعَلَى إِمَامِ المُرْسَلِينَ، وَقَائِدِ الغُرِّ المُحَجَّلِينَ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ تَعَالَى بِالصَّلاةِ وَالسَّلامِ عَلَيْهِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ حَيْثُ قَالَ عَزَّ قَائِلاً عَلِيمًا:( إِنَّ اللَّـهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) (الاحزاب ـ 56).اللَّهُمَّ صَلِّ وسَلِّمْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ وسَلَّمْتَ عَلَى سَيِّدِنا إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيمَ، فِي العَالَمِينَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ، وَعَنْ أَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِينَ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ، وَعَنْ المُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.اللَّهُمَّ اجْعَلْ جَمْعَنَا هَذَا جَمْعًا مَرْحُومًا، وَاجْعَلْ تَفَرُّقَنَا مِنْ بَعْدِهِ تَفَرُّقًا مَعْصُومًا، وَلا تَدَعْ فِينَا وَلا مَعَنَا شَقِيًّا وَلا مَحْرُومًا.اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ وَالمُسْلِمِينَ، وَوَحِّدِ اللَّهُمَّ صُفُوفَهُمْ، وَأَجْمِعْ كَلِمَتَهُمْ عَلَى الحَقِّ، وَاكْسِرْ شَوْكَةَ الظَّالِمِينَ، وَاكْتُبِ السَّلاَمَ وَالأَمْنَ لِعِبادِكَ أَجْمَعِينَ.اللَّهُمَّ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ يَا ذَا الجَلالِ وَالإِكْرَامِ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ بِكَ نَستَجِيرُ، وَبِرَحْمَتِكَ نَسْتَغِيثُ أَلاَّ تَكِلَنَا إِلَى أَنْفُسِنَا طَرْفَةَ عَيْنٍ، وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ، وَأَصْلِحْ لَنَا شَأْنَنَا كُلَّهُ يَا مُصْلِحَ شَأْنِ الصَّالِحِينَ.اللَّهُمَّ رَبَّنَا احْفَظْ أَوْطَانَنَا وَأَعِزَّ سُلْطَانَنَا وَأَيِّدْهُ بِالحَقِّ وَأَيِّدْ بِهِ الحَقَّ يَا رَبَّ العَالَمِينَ، اللَّهُمَّ أَسْبِغْ عَلَيْهِ نِعْمَتَكَ، وَأَيِّدْهُ بِنُورِ حِكْمَتِكَ، وَسَدِّدْهُ بِتَوْفِيقِكَ، وَاحْفَظْهُ بِعَيْنِ رِعَايَتِكَ.اللَّهُمَّ أَنْزِلْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاءِ وَأَخْرِجْ لَنَا مِنْ خَيْرَاتِ الأَرْضِ، وَبَارِكْ لَنَا فِي ثِمَارِنَا وَزُرُوعِنَا وكُلِّ أَرْزَاقِنَا يَا ذَا الجَلالِ وَالإِكْرَامِ. رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلمُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ، المُسْلِمِينَ وَالمُسْلِمَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، إِنَّكَ سَمِيعٌ قَرِيبٌ مُجِيبُ الدُّعَاءِ.عِبَادَ اللهِ:(إِنَّ اللَّـهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (النحل ـ 90).