عرض ـ حسام محمود:
علاقة التمثيل بالشعر تعد لافتة للنظر فلا أحد يعرف على وجه التحديد أيهما أسبق على الآخر هل الشعر بوصفه أول ما عرف الإنسان من فنون القول أم التمثيل بوصفه مكونا غريزيا في السياق الاجتماعي للإنسان ؟ ولكن اقتران الفنين ببعضهما البعض قبل أكثر من ألفى عام هو ما ولد هذا الفن المراوغ كقطرة الزئبق والمشتهى كقطرة الشهد. وهو فن المسرح ذلك الفن الذي انفتح على الفنون الأخرى واستطاع أن يستوعبها حتى قبل أن تولد بل استطاع أن يتبوأ مكانة في تاريخ الإنسان تجمع بين رفاهية الجمال وفورة الغضب وهما جناحا الوعي الجمعي للشعوب.

المسرح الشعري
بدأ المسرح بمعناه العلمي ـ كما يذكر الدكتور أحمد سخسوخ، في كتابه "الدراما الشعرية بين النص والعرض المسرحي" الصادر عن "الهيئة المصرية العامة للكتاب" ـ في القرن الخامس قبل الميلاد شعرا كما عرف في بلاد اليونان ولم تقتصر الكتابة بالشعر على التراجيديا فقط وإنما تعددت أيضا ووصلت ذروتها للكوميديا فبجانب أسخيليوس وسوفوكليس ويوربيدس نجد أريستوفانيس وبجانب سنيكا من الكتاب الرومان نجد بلوتس وتيرانس. وحين سادت الظلمة في العصور الوسطي واختفى المسرح عاد ثانية في صورته الأولى شعرا من قبل الأديار على يد الراهبة روزفيتا بعد قراءتها لمخطوطات تيرانس بالشعر اللاتيني .
وفى عصر النهضة قامت حركة الإحياء الكلاسيكي في ايطاليا وانجلترا وفرنسا واسبانيا وألمانيا واعتمدت كل هذه الحركات على الشعر فكان لدينا من ايطاليا بترارك وبوكاتشيو ودانتي وفى انجلترا توماس كيد ومارلو وبن جونسون وشكسبير وفى فرنسا راسين وكورني وموليير ومن اسبانيا لوب دى فيجا وكالديرون وفى ألمانيا ظهر لديها عصر النهضة متأخرا عن البلاد الأوروبية الأخرى بسبب الحروب والانقسامات الدينية فظهر جوتشيد وليسنج وشيللر وجوته .
واستمر هذا طويلا في الحركة الكلاسيكية الجديدة وحركة العاصفة والاندفاع فى ألمانيا ثم الحركة الكلاسيكية الثانية والرومانسية الثانية بها . وبمجيء الحركتين الواقعية والطبيعية تغير مسار لغة المسرح التي أصبحت نثرا على يد زولا وإبسن وهاوبتمان وتشيخوف وسترندبرج وبرنارد شو وقد عاد المسرح شعرا ثانية على يد بيتس وإليوت ولوركا وكوكتو وشحادة وغيرهم .
وفى المنطقة العربية بدأت المحالات الشعرية في المسرح مع أحمد شوقي ثم باكثير وعزيز أباظة والشرقاوي وعبد الصبور ونجيب سرور وفاروق جويدة وأحمد سويلم وغيرهم.

الدراما الأدبية
ويرى بعض الكتاب أن الشعر في المسرح العربي يرتبط بالظواهر الدرامية الأولي قبل شوقي حيث يري دكتور أحمد شمس الدين الحجاجي أن الشعر في المسرح بالمنطقة العربية يرتبط بفنون التمثيل الأولية التي عرفها العرب والتي أسماها الجميع بفنون الفرجة العربية وحددوها بأنواع تتضمن خيال الظل وروايات السيرة الشعبية والتمثيليات والطقوس الاحتفالية وارتجال الشعر على المسرح واختلاط النثر بغناء الموال والأغنية الشعبية. فالشعر في المسرح الشعري ليس مجرد لغة يطوعها الشاعر لمقتضيات مسرحيته فحسب بل أيضا يعتمد على مواقف وشخصيات وينبع الشعر من التصور الدرامي وبذلك فإنه لا يجب أن يكون الشعر في المسرح الشعري متضمنا لخصائص الشعر الغنائي وإنما يجب أن يشكل جوهر الدراما الشعرية.
وكما يؤكد الفيلسوف إليوت في حديثه عن الشعر والدراما فإن الجمهور لا ينبغي أن يشعر بالوسيلة اللغوية التي تكتب بها المسرحية شعرا كانت أم نثرا لأن الوسيلة جزء لا يتجزأ من الحدث الدرامي والمواقف بين الشخصيات وأحاسيسهم . ومن ثم فدراسة المسرح الشعري عند العرب وحتى عند الغرب ليست دراسة ذات شقين كما يبدو أول وهلة فهي ليست للدراما أولا وللشعر ثانيا أو العكس ولكنها دراسة نوع أدبي وثقافي مدمج لا تنفصل فيه الدراما بكل خصائصها عن الشعر بكل خصائصه.
إن تعبير المسرح الشعري هو تعبير حديث ذلك أن الأصل في المسرح منذ بداياته هو أن يكتب شعرا ويدل على ذلك تراث أوروبا المسرحي في القرن الخامس عشر قبل الميلاد حتى منتصف القرن التاسع عشر ثم منذ عشرينات القرن العشرين حتى منتصفه ظهر تعبير المسرح الشعري مع نشأة المسرح النثري. واتجه الكتاب حينئذ للمزج بين النوعين خاصة في الكتابة والنقد حيث تبرز أهم خصائص النثر والشعر في قوة الصورة المركزة وقوة الإيقاع اللفظي.
وكان من الغريب ازدهار المسرح الشعري لدى العرب بعد انحساره في أوروبا لفترات طويلة حيث عاد مجددا في الآونة الأخيرة . وفي أقصي حالات المسرحية الغنائية نجد الأوبرا التي تكتب نظما من البداية إلى النهاية وفي الطرف الآخر نجد المسرحية التي تكتفي ببعض الأغنيات مثل المسرحية التاريخية الشهيرة صوت الموسيقي التي كتبها ريتشارد رودجرز وفيما بينهما تتفاوت درجات مشاركة الشعر بهذا المفهوم في المسرح شعرا ونثرا وأيضا كذلك يبرز الغناء والتمثيل لتجسيد الشعر المسرحي.
وكانت الكلاسيكية الفرنسية تفضل إنهاء المسرحيات التراجيدية بموت أو فجيعة والمسرحيات الكوميدية بخاتمة سعيدة لكن النهايات عند المسرح العربي الشعري مختلفة خاصة لدي أمير الشعراء أحمد شوقي حيث لا تخضع نهاياته لهذا النظام الثابت وإنما تتجه اتجاها عصريا متحررا، فمسرحية مجنون ليلى مثلا انتهت بمأساة تحيط بطليها قيس وليلي وتنتهي مسرحية عنترة نهاية كوميدية سعيدة باقتران بطليها العاشقين بينما انتهت مسرحية مصرع كليوباترا نهاية مزدوجة شبه ميلودرامية فهي مأساوية بانتحار أنطونيو وحبيبته كليوباترا ونهاية سعيدة بزواج حابي من حبيبته هيلانة وهكذا تنتقل مسرحيات الكتاب العرب خاصة شوقي عن مطالب النهايات الغربية الغريبة بفجائع إلى نهايات غير تقليدية وربما ابتكاريه تعبر عن فكر الأديب العربي عند التصوير الشعري في صورة عمل مسرحي .