يؤكد أن الغربة في الوطن هي أمر وأقسى أنواع الغربة

أجرى اللقاء ـ وحيد تاجا :
أكد الشاعر الفلسطيني نزيه حسون أن قصيدة النثر كادت أن تكون هوية شعرنا الحديث فهي تعطي الشاعر فضاءً أوسع وتحليق أرحب خارج قيود الوزن والقافية..وأضاف في حوار شيق مع " أشرعة’ أن هوية القصيدة، وبالتالي مضمونها لا تتعلقُ بكونها موزونة أو غير موزونة وإنما يتعلق الأمرُ بمستواها الفني والفكري والموسيقى الداخليَّة. وحول الوضوح والمباشرة في قصائده قال :" لا أظن ان هذا يعتبر مأخذا على القصيدة، الإيضاح والإفصاح ليس عيبا على القصيدة ما دام يأتي في سياق شعري وفني راقي يثير القارئ .وحول إحساس الشاعر بالغربة في وطنه يقول: ان يجد الإنسان نفسه غريبا عن وطن ولد فيه وترعرع على ترابه ومرابعه وان يهان ويقمع وتصادر حقوقه قد لا تستطيع الكلمات عن وصف الامر بكافة أبعاده .
ويذكر ان الشاعر نزيه حسون مواليد مدينة شفا عمرو الجليليه عام 1957. اعتقل من قبل قوات الاحتلال الصهيونية مرارا بسبب محاربته قانون التجنيد الإجباري المفروض عنوة وبالقوة على أبناء الطائفة العربية الدرزية, وذلك من خلال لجنة المبادرة الدرزية.. وأخيرا من خلال ميثاق الأحرار المعروفين.
صدر له (11) مجموعة شعريَّة وأولها: ديوان (ميلاد في حم المأساة) وآخرها (ناي الروح). إضافة إلى كتاب عن الشاعر توفيق زياد بعنوان: "أروع ما قيل في توفيق زيّاد". وكما أصدر عدة كتب نثريَّة وهو الآن بصدد إصدار رواية جديدة ومطولة شعرية.
يدير الشاعر اليوم "مكتبة الجماهير" في شفا عمرو, ويكتب في الصحف المحلية والعربية, وفي الكثير من المواقع والصحف الالكترونية، وقد تُرجمت الكثير من قصائده إلى العبرية والانجليزية والروسية وحصل الكثير من شهادات التقدير ونال عام 2007 جائزة التفرغ للإبداع.

* بداية ، من هم الكتاب والشعراء الذين تأثرت بهم وكانوا مصدر إلهامك.. ؟
بدأتُ أكتبُ الشعرَ وعمري لم يتجاوز الثانية عشرة عاما، كنتُ وقتها أكتب الزجليَّات الشعبيّة والشعر العامي، وفي المرحلة الثانوية بدأت كتابة الأشعار باللغة الفصحى ناشرا إياها في الصحفِ والمجلاتِ المحليَّة كالإتحاد والغد والجديد. ومما لا شك فيه ان أي شاعر او كاتب إن هو إلا مخاض قراءاته ومطالعاته الثقافية، وككل الشعراء كان هنالك الكثير من الأدباء الذين تركوا أثرا عميقا في تكويني الأدبي والثقافي وأسهموا في إثرائي فكرا ولغة وإبداعا ، فانا لم أنجو منذ نعومة أظفاري من التأثر العميق بالأديب اللبناني جبران خليل جبران الذي ما زلت اعشقه حتى اليوم فقد عثرت على أجنحته المتكسرة وأنا لم أتجاوز العاشرة من عمري ومن ثم وفي مرحلة متقدمة قرأت الآداب العربية والعالمية ومثلما قال الأديب الروسي الكبير ديسكويفسكي كلنا خرجنا من معطف غوغول فقد خرجنا بدورنا من معطف محمود درويش وسميح القاسم وتوفيق زياد واميل حبيبي وغيرهم إضافة إلى ذلك لا يمكن إلا ان اذكر بعض الأسماء الهامة التي كان لها الأثر العميق قي نفسي كالمتنبي ونيتشه وجوته وجلال الين الرومي وغيرهم إضافة بالطبع إلى الكتب السماوية الثلاث.
* ـ بصفتك شاعرا .. فضلا عن كونك قارئ نوعي .. كيف ترى تطور كتاباتك مابين " ميلاد في رحم المأساة " 1980 ." ..وحتى " ناي الروح" 2016 " .. وهل تراها تطورا أصلا أم تراكما ؟
طبعا هناك فرق واضح بين الديوان الأول والأخير وهذا الأمر من صميم الطبيعي ورغم اعتزازي الخاص بديواني الأول "ميلاد في رحم المأساة" إلا ان ما يكتبه الشاعر في بداياته ليس كما يكتبه بعد تجربة وتطور كبيرين... فلتطور الشاعر الفكري والثقافي الاثر الكبير على سير كتاباته، والتراكمات تصب بالتالي في خدمة التطور الإبداعي الحقيقي.
* ـ استوقفتني كثيرا أسماء دواوينك وقصائدك .." ميلاد في رحم المأساة" ـــ " سيمفونية الحزن المسافر "ــ "مزامير من سورة العشق" ــ تأخذ القصيدة ملامحكِ" ــ " ناي الروح " . فكلها أسماء رومانسية يلفها الحزن والحب .. وسؤالي كيف تختار اسم القصيدة..وما دلالات كل من هذه الأسماء عندك ؟
العنوان بالنسبة لي له أهمية خاصة وعليه ان يستفز القارئ ويشي بمضمون الديوان وبقدر ما يكون عنوان الديوان لافت بقدر ما يغري القارئ من النظرة الأولى ولهذا فانا اختار عنواني بعناية فائقة بشكل يبقى القارئ متوخيا توافقه مع المضمون.
* ـ تكتب الشعر العمودي الكلاسيكي.. كما تكتب الشعر الحر.. أين تجد نفسك .. وما الذي يحدد شكل القصيدة لديك..؟
رغم اني أكتب الشعر العمودي وشعرَ التفعيلة والشعر الحديث أيضا المتحرر من الوزن والقافية، ولكني أجد نفسي أقرب الى الشعر العمودي والتفعيلة. الا ان هوية القصيدة، وبالتالي مضمونها لا تتعلقُ بكونها موزونة أو غير موزونة وإنما يتعلق الأمرُ بمستواها الفني والفكري والموسيقى الداخليَّة التي تجعلها تتسربُ إلى قلب القارئ ووجدانه بسرعة العطر. ولهذا فانا لا احدد شكل القصيدة قبل الشروع في كتابتها، اللهم الا في بعض الأحيان فحين نكتب على سبيل المثال قصيدة وطنية لمناسبة معينة كالأرض او كالثورة فقد تكتب القصيدة عامودية لتكون اقرب الى وجدان الجماهير.
* ـ واين أنت من قصيدة النثر.. لاسيما مع نظرية إلغاء الفواصل بين الأجناس الأدبية .. ؟
قصيدة النثر كادت أن تكون هوية شعرنا الحديث والكثير من الرموز الشعرية كـ أدونيس على سبيل المثال لجئوا لقصيدة النثر وهي بالتالي تعطي الشاعر فضاءً أوسع وتحليق أرحب خارج قيود الوزن والقافية... وهي تقترب بالمبدع بالتالي إلى النظرية التي ذكرتها ـــ نظرية إلغاء الفواصل بين الأجناس الأدبية.
* ـ بعد هذا .. وذاك .هل يحق لنا ان نسأل لماذا لم يحسم موضوع الحداثة في الشعر او في الأدب بشكل عام بين مثقفينا حتى الان ؟
وهو لن يحسم أبدا وأنا أرى انه من الطبيعي ان لا يحسم فكل النظريات الأدبية قابلة للسقوط مع الزمن، والأعمال الإبداعية هي التي تخلد بالتالي والقول الفصل في الموضوع هو للإبداع والإبداع بطبيعة الحال هو نوع من الابتكار والحداثة والمبدع الحقيقي هو الذي يُجيِّر الحداثة لخدمة إبداعه وليس العكس وهنالك من يعتقد ان الحداثة هي تحطيم كل القيود والعادات والموروث تحطيما كليا انا شخصيا ارفض ذلك وارى في كثير من القصائد حتى العمودية انها تحمل حداثة وجمالية في مضمونها.
* ـ يأخذ البعض على شعرك الإيضاح والإفصاح.. ما قولك ؟
لا أظن ان هذا يعتبر مأخذا على القصيدة، الإيضاح والإفصاح ليس عيبا على القصيدة ما دام يأتي في سياق شعري وفني راقي يثير القارئ، ولا يحق لأي ناقد كان ان يحكم على القصيدة بمدى رمزيتها او وضوحها الحكم الأخير هو على مدى شاعريتها وفنيتها وقدرتها على التأثير في وجدان القارئ لنأخذ مثلا قصيدة احن الى خبز أمي لمحمود درويش فهي غاية في الوضوح لكنها أيضا غاية في الشاعرية والفنية الامر الذي جعلها تغنى وتخلد في ذاكرة الجميع على الشاعر ان يقول الأشياء بشاعرية وفنية ولا يتكل على الرمز فقط.
*ـ قصيدتك " أبحث عن وطني في وطني" تدفعني لسؤالك متى يشعر الشاعر بغربة في وطنه .. وكيف تكون علاقته مع هذا الوطن عندها..؟
أحد الضالعين في النقد اقترح علي تسمية القصيدة وهي عنوان لأحد دواويني "ابحث عن وَطَنٍ في وطني" فرفضت ذلك معللا انني ابحث عن وطني وليس عن اي وطن... واعتقد ان الغربة في الوطن هي امر وأقسى أنواع الغربة، ان يجد الإنسان غريبا عن وطن ولد فيه وترعرع على ترابه ومرابعه وان يهان ويقمع وتصادر حقوقه قد لا تستطيع الكلمات عن وصف الامر بكافة أبعاده ما حدث في فلسطين بأبسط العبارات اننا نشئنا على ترابنا ووطننا ووجدنا أنفسنا في دولة تقتل وتقمع وتصادر كل ما يمت لنا بصلة لنا، وهذا المشهد العبثي السريالي من اقسى الحالات التي يمكن للإنسان العادي ان يمر بها فما بالك بشاعر يبحث عن صفاء ودفء روحي ليسمو به فيجد نفسه في حقل من المواجع والألغام والتغرب ولعل كل هذه الأشياء تجعله اكثر عشقا وشغفا وهياما في هذا الوطن
* ـ وكأن لمدينتي القدس وحيفا مكانة خاصة لدى الشاعر نزيه حسون ..فما هي هذه العلاقة ..؟
نعم فالقدس اولا هي عاصمة الدولة الفلسطينية العتيدة وإضافة الى دلالاتها الدينية والسياسية والتاريخية فهي مدينة لها خصوصيتها وتميزها وهي تدخل بسرعة العطر لقلب كل من يزورها وأنا شخصيا عشقت القدس وكتبت فيها اكثر من قصيدة
هذه هي القدس. اما حيفا عروس فلسطين المتربعة على عرش الكرمل ومعانقة البحر فهي المدينة الحبيبة التي تسكن في شغافي مثلما سكنت فيها لعدة سنوات كانت من اجمل سنوات العمر وفيها أيضا كتبت عدة قصائد .

* ـ غالبا ما تلجأ الى انسنة الأماكن والتعامل معها بوصفها حبيبة كما في قصيدة "حيفا تسافر في دمي" حيث تظهر حيفا كإمرة بهية رائعة الجمال تأتي الى الشاعر كعروس بيضاء.. لماذا؟

قال نزار قباتي ذات يوم " التعرف على مدينة كالتعرف على امرأة" هذا صحيح وكثيرا ما تنمو علاقة حب عميقة بين شاعر ما ومدينة ما فينظر اليها الشاعر ويتعامل معها كعشيقة... ومن هنا كثيرا ما يلجأ الشعراء الى أنسنة الأماكن شغفا وهياما بهذه الأماكن.
* ـ ولكن من جانب اخر تحمل قصائدك صورا شعرية جميلة جدا وغالبا ما تلعب الطبيعة ومفرداتها دورا كبيرا في رسم تلك الصور، لاسيما المطر، ..في ظل غياب ، أظنه ، متعمد للمكان بعد انسنته ..؟
الطبيعة في شرعي هي أعظم كتاب في الوجود ومن لا يجيد قراءة هذا الكتاب لن يجيد كتابة الشعر قط ، والطبيعة هي معين لا ينضب من الإلهام والوحي للشاعر الذي يستطيع ان يعيش ويجسد جمال الطبيعة الخلاق وليس بالضرورة ان نغيب المكان فهو أيضا جزء من الطبيعة وإذا غُيب فليس عمدًا
* ـ يخطرني سؤال ونحن نتحدث عن الطبيعة.. فاذا كانت الطبيعة احد عناصر الهام النص الإبداعي عندك ، فأي الألوان أكثر قدرة على جعلك تستوحي الكلمة.. هل هو اللون الاحمر الذي تقول عنه ، " وكأنَّ هذا اللون الذي أصبح جزءًا من حياتنا اليوميّة صار مدادًا لأقلامنا" ..؟
مثلما ان الأم الحقيقية لا تستطيع ان تميز ابنا لها عن الآخر هكذا هو الشاعر الحقيقي لا يستطيع ان يميز لونا عن اخر ،كل لون له خصوصيته ودلالاته وأبعاده والشاعر المبدع هو الذي يوظف الألوان بشكل جيد ويصب في خدمة القصيدة... انا لا أميز لونا عن اخر حتى الأسود اذا جاء في سياق جميل يبدو جميلا... اما بخصوص الأحمر الذي ذكرته طبعا للأحمر أبعاده كالدم والثورة .... لكنه بالتالي لون له خصوصياته كباقي الألوان.
* ـ بالتالي ..الى اي مدى ترى انك تحاكي الواقع في قصائدك؟
انا لا استطيع ان احكم على قصائدي ولكن كما قيل لي وكما كتب عنها فهي تحاكي وتعكس الى حد بعيد الواقع الفلسطيني الذي نعيشه.
*ـ قصيدة (ربّي أعدني لموطني)، قصيدة تكتمل بجمالها وإصرارها في خمسة أبيات وهي دون ما تعارف عليه أهل الشّعر من أنّ عدد أبيات القصيدة يجب أنّ لا يقلّ عن سبعة حتّى تسمى قصيدة.. ماقولك..؟
هكذا اتفق العرب ولكن هذا الاتفاق ليس بملزم فهنالك الكثير من القصائد حتى العامودية لا تتجاوز العدة أبيات واقل من خمسة وبخصوص قصيدة ربي اعدني لموطني يأتي البيت الأخير في هذا السياق
وإذا قضيت على ثراك مكافحًا كلُّ النساء الى الثرى ستزفني
وامام ربي سوف اطلب راجيًا ربي أعدني ــ ان أردت ــ لموطني
رأيت ان هذا البيت يجب ان يكون مسك الختام .
*ـ علمت انك انتهيت مؤخرا من قراءة كتاب " المثنوي" لجلال الدين الرومي، وسؤالي كيف ترى الان الشعر الصوفي وما سبب إعادة الاعتبار لهذا الشعر في السنوات الأخيرة ..واستخدام المفردات الصوفية في الشعر العربي المعاصر ..؟
اولا، أنا شخصيا اعشق الأدب الصوفي بشكل خاص وقد قرأت لمعظم رموزه كالحلاج وابن العربي وجلال الدين الرومي وغيرهم وكان لرائعة جلال الدين الرومي " المثنوي" الاثر العميق في نفسي وانا اعتبرها من عيون الآداب العالمية والشعر الصوفي طالما استقطب اهتمام القراء عبر التاريخ . ولعل العودة إليه في عصرنا هذا ، والذي بات ماديا حتى النزع الأخير، ما هو الا لبحث الإنسان عن تلك النزعات الروحية التي أمسى بأمس الحاجة اليها والتي تنعكس في الآداب الصوفية
* ـ كيف ترى المشهد الشعري الفلسطيني في الداخل .. وأين هو من حيث المضمون والفنية من الشعر في الضفة والقطاع ا و في الشتات .. وهل تتفق مع النقاد الذين يرون ان شعر الداخل الفلسطيني أكثر تأثيرا من شعر الشتات..؟
المشهد الشعري الفلسطيني في الداخل دائم الخضرة كالوطن ولدينا الكثير من المبدعين الذين ما زالوا يحملون راية الشعر ويمضون بها الى مواقع ارفع ، اما موقعه من حيث المضمون والفنية بالنسبة للشعر في الضفة والقطاع والشتات فالأمر بحاجة إلى دراسة أكاديمية دقيقة ترصد وتتحرى الموضوع بشكل عميق ونحن نرى حسب اطلاعنا المتواضع ان الشعر الفلسطيني في كافة أماكنه يتماهى ويتلاقى في الكثير من موضوعاته ومحاوره والى حد ما بفنيته.
* ـ يرى احد النقاد ان الإنجاز الأهم للشعر الفلسطيني الحداثي، تمثل في خروجه من السياسي / الأيدلوجي إلى فضاء الإنساني .. ماقولك..وهل ينسحب هذا التحليل على شعراء الداخل ؟
لا شك إطلاقا من صحة هذا القول وكلما عرج الشعر نحو القضايا الإنسانية الخالدة تتسع مساحة قرائه ويتوهج اكثر، فمحمود درويش الذي قال ذات يوم "سجل انا عربي هو نفسه الذي قال بعد ذلك"كل قلوب الناس جنسيتي فلتسقطوا عني جواز السفر" ورغم انه لا تناقض بين المقطعيين إلا أن المقطع الأخير له بعده الإنساني الرائع... وهذا الأمر ينسحب طبعا على شعراء الداخل
* ـ هل ترى أن الشعر مازال يشكل رافعة معنوية وتحريضية للشعوب عبر معظم الثورات العظيمة.. وبالتالي كيف تفسر ازدهار الرواية في العالم العربي على حساب الشعر..؟
نعم الشعر ما زال وسيبقى رافعة معنوية وتحريضية هامة لأنه الأقرب إلى وجدان الناس، وليس عفوا ان تردد الجماهير في الثورات الأخيرة بيت الشابي الخالد إذا الشعب يوما أراد الحياة.... وسيبقى للشعر دور هام في تثوير الجماهير. اما بخصوص الرواية.. حقيقة ان العصر هو عصر الرواية كما يقولون ولكنني أظن ان الامر ليس على حساب الشعر، والسؤال إلى متى تستمر الرواية في الازدهار.. وبالتالي يبقى الشعر هو الأقرب والأسرع إلى قلوب ووجدان الجماهير.
* ـ طرحت ثورات الربيع العربي سؤالا عن طبيعة العلاقة التي تربط المثقف بالسلطة وذلك في ضوء مواقف بعض المثقفين العرب مما يجري .. ؟
المثقف الحقيقي في رأيي المتواضع هو الذي ينصهر انصهارا كليا مع قضايا الجماهير ويسخر أدبه لخدمة أهدافها والنهوض بها من ظلمات القهر والقمع والاستبداد الى معارج الحرية والإبداع ، المثقف الحقيقي عليه ان يُوَجِّه السلطة نحو خدمة الجماهير وليس التآمر عليها ونهب مقدرتها وخيراتها وقد ألمنا كثيرا ان نرى بعض المثقفين الذين وضعوا أنفسهم في خدمة السلطة وذلك لغايات شخصية وضيعة وهم بذلك ضحوا بشرفهم الوطني لان من يسخر إبداعه لخدمة قوى الظلام إنما يحكم على نفسه بالانتحار وبتالي فالكاتب الصادق هو الذي ينحاز إلى الفقراء ..إلى المعذبين في الأرض.. إلى الحرية والعدالة ..لا إلى دولارات السلطان.

* ـ هل كان لديك علاقة خاصة مع الشاعر توفيق زياد .. الامر الذي دفعك لإصدار كتاب عنه بالذات ..وما الذي يميزه عن كل من محمود درويش وسميح القاسم..؟
ربطتني بتوفيق زياد أواصر صداقة عميقة جدا وكان له الفضل الكبير في تكويني الشعري والفكري فقد عايشته لأعوام عديدة كنا نلتقي في الاجتماعات الشعبية التي كان خطيبها المصقع وقد تحول بعد يوم الأرض بسبب مواقفه الوطنية وتحديه للسلطة الى الرمز الأول للجماهير العربية في الداخل . وما يميزه عن محمود درويش وسميح القاسم انه كان يملك إضافة لقدراته الشعرية قدرات قيادية خلاقة واستطاع ان يخوض معارك انتخابية وينتصر فيها انتصارا حاسما . كان توفيق زياد شخصية لا يملك الإنسان الا ان يحبها ويقدرها كان متوضعا حتى النزع الأخير وكان حاضر البديهة ذكي النكتة رائع المحضر افتقدناه وهو في أوج عطائه وما إصداري كتاب عنه إلا قطرة وفاء متواضعة نحو صديق وقائد عظيم.
* ـ هل هناك أي صعوبات في موضوع نشر الأعمال الإبداعية باللغة العربية في الداخل الفلسطيني..؟
طبعا تصادفنا صعوبات جمة في موضوع النشر وذلك لعدم وجود دور نشر تسهم بشكل جدي في مساعدة الكاتب ولعدم وجود مؤسسات وطنية داعمة وراعية لأعمالنا الأدبية ويبقى الامر منوط بقدرات الكاتب المادية وهي متواضعة جدا في الظروف التي نعيشها في الداخل
* ـ سؤال اخير .. على الصعيد الإبداعي، هل تعتبرين وجودك في أراضي الـ48 ميزة.. أم أنه حرمك من ميزة ما؟
الاثنتين معا، فبقائنا في الوطن يعطينا تلك الراحة الضميرية العظيمة ويهبنا ذلك الإحساس بالفخر بصمودنا وبقائنا في ارض الأجداد رغم كل النكبات والرياح العواتي التي ألمت بنا. ومن ناحية ثانية فقد حرمنا من التواصل مع شعوبنا العربية لعقود طويلة وما زلنا حتى اليوم محرومين من زيارة الكثير من العواصم العربية.