حصاة بن صلت تؤرخ لأدوات تزيين المرأة التشابه التام بين نحت حصاة بن صلت ونحت الرسم الصخري المكتشف يبعث التساؤلات حول التجمعات البشرية القديمة في المكان مقابر حقبة حفيت تتموقع في ذات مكان الرسم الصخري المكتشفخصائص الرسم الصخري المكتشف تمثل مرحلة العصر الحجري الحديث (النيوليتي)الفن الصخري في كيد بمحافظة الداخلية واكتشاف "إنسان كيد"إعداد ـ فهد بن مبارك الحجري:في البدء.. يعتبر الفن الصخري من الفنون التي سجّلت حضور الإنسان القديم في المكان، الذي ترك بصمته في الصخر من خلال الرسوم والنقوش الصخرية التي تؤكد جزءا من تاريخه وثقافته في تلك الفترة، ولذلك تمثل الرسوم والنقوش الصخرية سجلاً حافلاً حول الإنسان في المكان، إذ من الواجب استغلاها في الحفر عميقا بحثا عن تاريخ المكان (البشري)، رغم صعوبة التكهن واستخلاص المعلومات لتأكيد التاريخ والميثولوجيا بشكل أكيد، لكن المحاولة والخبرة تولد انبثاق الكثير من المعلومات التي تربط هذه الرسوم والنقوش الصخرية ببعضها البعض.لقد اتضح جليا في الآونة الأخيرة الترابط الوثيق بين كثير من المناطق المتباعدة وكشف تاريخ كثير منها، والدليل على ذلك هو التشابه حد التطابق بين الأبجدية العربية القديمة التي اكتشفت في ظفار بعُمان، وأبجدية كولورادو بالولايات المتحدة الأميركية، وتشابه عادات التخاطب مع أرواح الأموات بين المكانين ضم الإطار الميثولوجي، مما يطرح كثيرا من الأسئلة المحيرة حول وجود الإنسان في المكان وارتباطه بعوالم أخرى في أماكن أخرى متفرقة من العالم.قبل البدء في موضوعنا لا بد من توضيح مسألة الاختلاف بين الرسوم الصخرية وبين النقوش الصخرية، أكاديميا، إذ في مقابلة مرئية في اليوتيوب قُمتُ باستضافة الدكتور سليمان الذييب أستاذ الأبجديات العربية القديمة في جامعة الملك سعود بالمملكة العربية السعودية، إذ فرق بين الرسوم الصخرية والنقوش الصخرية، معتبرا أن النقوش الصخرية هي كل ما له علاقة بالكتابة والحروف والأبجديات، أما الرسوم الصخرية فهي كل ما يمثل عدا ذلك من رسوم لحيوانات وبشر ورموز.. وهذا يؤكد الخلط في استخدام المصطلحين، وبما أن اعتماد المؤسسات الأكاديمية على هذا التفريق فإن استخدامنا لها هنا سيكون على نفس المنوال، وموضوعنا هنا هو رسما صخريا وليس نقشا.في يوم 20 ديسمبر سنة 2016م قمت بمعية الزميل راشد بن علي العبري من ولاية الحمراء بمحافظة الداخلية بعمل فيديو يخص الفن الصخري في الداخلية.خلال تقصينا البحث في المنطقة، تحركنا في أماكن مختلفة، إذ اكتشفنا رسما صخريا لإنسان شبيه بإنسان حصاة بن صلت (صورة 1، والموقعة بدبوسين متقاربين)،إذ يبعد موقع النقش عن مركز ولاية الحمراء 7كم جنوبا، لقد هالني ما رأيت ذلك النقش الغائر في الزمان، بحجمه وملامحه التي تختلف عن إنسان المكان الحالي، حاولت سبر أغواره في المرة الأولى فلم استطع، قفلت راجعا بعد الانتهاء من التصوير للرسوم الصخرية، وطول تلك الليلة وأنا أفكر في ذلك الذي اكتشفناه، ما هو، وكيف عاش في المكان؟ ولماذا ملامحه تميل إلى ملامحه تختلف عن الإنسان الحالي، بكتفيه العريضين ومئزره الذي يبدأ من الخصر وينتهي عند الركبة..؟ ملامحه تختلف كليا عن ملامح الإنسان الحالي.بعد فترة عرفت أن دكتور باول يول عالم الآثار الألماني متوجد في عُمان فتواصلت معه، ذهبنا معا إلى المكان، عندما رأى الرسم الصخري قال (ooooh very important)، لاحظت على ملامحه الدهشة والفرح في نفس الوقت، دكتور باول يول لديه دراسة سابقة حول حصاة بن صلت، مما ساعده على المقارنة بين الرسمين الصخريين واستفاد كثيرا من هذا الاكتشاف،.دراستنا للرسم الصخري ستتمحور حول الجانب الثقافي لعلنا نجد ما هو جديد حول تحليل الفن الصخري ومحاولة استخراج معلومات تاريخية وثقافية تفيدنا في دراسة المكان قديما.الرسم الصخري المُكتَشَف: الصخرة التي يوجد فيها الرسم الصخري يبلغ ارتفاعها 3 أمتار، بينما يبلغ ارتفاع الرسم مترين، وعرضه 93 مترا، ويرتدي مئزرا من الخصر إلى الركبة. ثم هناك الرسم الصخري الثاني والذي يقع على ارتفاع 90.1 مترا عن الرسم الصخري الأول الذي يوجد عند قاعدة تل صخري.إن هذين الرسميين الصخريين شبيهين برسم حصاة بن صلت، وهذا التشابه دليل على وجود هذا الإنسان في المكان منذ فترة طويلة، لكن الأمر الغامض هو ما يعتري ملامح وبنية هذا الإنسان ما يجعله مختلفا عن الإنسان الحالي في تلك البقعة، إذن هل يمكن القول إن ذلك الإنسان هاجر من المكان؟ أم ما الذي حدث بالضبط؟على بعد 100 متر – تقريبا - من موقع الرسم الصخري توجد قبور من حقبة حفيت (صورة4)، أي الفترة بين 3200 إلى 2500 قبل الميلاد، لكن هل يمكن الربط بين هذه المقابر وبين الرسوم الصخرية في المكان، فإذا ما ربطنا بينها يكون عمر النقش من عمر هذه القبور الأثرية، في المقابل نجد أن الرسم الصخري لحصاة بن صلت تم تأريخه وارجاعه إلى النصف الثاني للألف الثالث قبل الميلاد (1)، لكن لم يتم التوضيح أسباب هذا التأريخ لرسم حصاة بن صلت، أما بالنسبة للرسم الصخري المُكتَشَف وإذا ما غامرنا وربطنا بينه وبين حقبة القبور الأثرية في ذات الموقع، فإننا نصطدم بأن خصائص هذا الرسم من مميزات رسوم العصر الحجري الحديث، أو ما يسمى بالعصر النيوليثي (Neolithic)، 9000 – 4500 قبل الميلاد، إذ تتميز الرسوم الصخرية في هذا العصر بالواقعية من حيث أحجامها التي تكون قريبا ومماثلة أو محاكية للواقع وهذا ما ميز هذا الرسم الصخري، وفي الوقت ذاته أيضا لا يمكن الفصل بين الرسم الصخري في حصاة بن صلت وبين الرسم الصخري المُكتَشَف بسبب التشابه إلى حد التطابق بين ثلاثة رسوم صخرية أولاً، وكبر حجم الرسم الصخري في الثلاثة أيضا وتقريبا نفس الحجم، لكن القبور القريبة والتي ترجع إلى مرحلة حفيت تعطي تأريخا مغايرا، إذن السؤال المطروح هنا، هل هذا الرسم الصخري سبق تلك القبور؟ بعد هذا وحتى نصل إلى تقريب نسبي لعمر هذه الرسوم الصخرية هي دراسة الفارق الكيميائي بين الصخر في منطقة النحت، أي الطبقة المتشكلة فوق النحت إذ يمكن الوصول إلى عمر (تقريبي) للرسوم الصخرية.ربما يكون النحات لهذه الرسوم الصخرية هو نفس الشخص، لكن المؤكد جميعها تمثل مرحلة واحدة، بسبب وجود نفس الإنسان في الموقعين (موقع حصاة بن صلت والرسم المُكتَشَف)، وهذا يؤكد وجود تجمعات من نفس العائلة التي عاشت في المكان.إن خصائص الإنسان في تلك الحقبة مختلف تماما عن الإنسان الحالي، بحكم أن ذلك الإنسان حمل ملامح – حاليا – لا تنتسب للمكان، فهل معنى هذا أن ذلك الإنسان هاجر؟ أم ما الذي حدث بالضبط؟ هذه التساؤلات تحيل إلى أهمية التنقيب بشكل مكثف في المكان، لمعرفة ثقافة تلك الفترة، وماهيتها التي لا توجد لها أدلة غير تلك الرسوم الصخرية ومقابر حقبة حفيت.لو لاحظنا على رسم حصاة بن صلت (صورة6) سنجد أربع شخصيات، تمثل رجلين وامرأة وطفلا، وكأنهم يقومون بطقس احتفالي، الرجل الأول الذي يحمل سلاحا حادا من الجانبين هو نفسه في الرسم الصخري المُكتَشَف في الموقع الآخر، وبالتالي يمكن أن نجد مثل هذه الأسلحة في المكان إذا اشتغل موضوع التنقيب في المكان، لأنه من غير المعقول أن يعيش هذا الإنسان وينحت رسومه بهذا الشكل الذي يدل على استقراره في المكان لفترة طويلة، فهذا يؤكد وجود ادوات استخدمها ذلك الإنسان، أو أنها تعرضت للنهب سابقاً. ثم نلاحظ الرجل الآخر في الرسم الصخري رافعاً يديه، وبينهما توجد امرأة تلبس فوق رأسها غطاءً، هذا الغطاء يجمع بين ثلاث ثيمات، الأولى تشبه الغطاء الذي استخدمته النساء في الحضارة الفرعونية في مصر، والثانية تشبه لباس النساء الفينيقيات، أم الثالثة فهي توجد في عُمان وقد اختفت حالياً، إذ النساء قديما كنا يقمنا بعمل خلطة من أوراق الياس والتمر والعطر ويلبسن عليه نوع من خيوط القطن المعكوفة مع الحلي وخاصة الفضة والتي تأخذ شكل النجوم، ويتدلى على جبهة المرأة قرصا منقوشا من الذهب أو الفضة ليزين جبهة المرأة، لكن بيت القصيد، لماذا يتم تشكيل الحُلي في غطاء الرأس على شكل نجوم، هل لذلك علاقة بالمعتقدات القديمة والميثولوجيا، إذ لا يمكن للإنسان القديم أن يقوم بالرسم والنقش والنحت إلا لأسباب تتعلق بالوجدان، إذ الوجدان مرتبط دائما بالمعتقد البشري، كما أن نجمة الزهرة كانت لها مكانة دينية في شبه الجزيرة العربية قديما على اعتبار أنها أحد معبودات العرب قديما، وكانت لها قداستها، وطقوسها، وارتبطت بالأنثى، ثم نجد أن هذا الغطاء المزركش بأوراق الياس والعطر والحُلي يتموضع على رأس المرأة، وأن تكون تلك الحُلي على شكل نجوم بالتالي لا نستبعد أن تكون قد انحدرت من مرحلة حصاة بن صلت، وتوارثتها الأجيال حتى اصبحت عادة لا يمكن فهم نسقها الأول وانحدارها، إذ الإنسان القديم لا يقوم بأي عمل فني عبثا إلا وله ارتباط بحياته الدينية والوجدانية...، وتختلف تسمية هذا الغطاء المزركش، إذ بعض المناطق في عُمان يطلق عليها (السْفّة) وبعضهم يسميها (العَكْفَه)، لذلك قد تكون هذه طريقة تتزين بها النساء من تلك الفترة ثم انتقلت إلى الأجيال اللاحقة، لكنها ربما لا زالت تقوم بها بعض النساء كبيرات السنّ حاليا وخاصة في شرقية عُمان، فهل يعني هذا أن هذه الطريقة التي تتزين بها النساء انحدرت منذ تلك الفترة أم أنها قبل ذلك؟ وهل يمكن أن نربطها بالفينيقيين بحكم أنهم الأقرب بسبب دلائل تواجدهم من خلال الأبجدية الفينيقية التي انتشرت بعض حروفها في جبال الحجر العماني؟ إذن يمكن أن يقودنا هذا الرسم الصخري ويكشف لنا وجها من وجوه أدوات التزيين عند المرأة قديما ويؤرخ له.إذن..أين اختفى ذلك الإنسان في تلك الحقبة؟ وهل توجد له سلالة في ذات المكان؟ أم أن الهجرة كانت مصيره.. تساؤلات لا نستطيع الإجابة عنها في الوقت الحالي لعل الوقت يتسنى لغيرنا ولعل العلم يتطور أكثر ويكشف لنا حقائق مهمة. في نهاية المطاف يمكن التأكيد على أن DNA يستطيع أن يكشف الكثير من الحقائق الغائبة، مع وجود بقايا الأثريات التي تدل على وجود الإنسان في المكان.الهامش(1) انظر: سيرج كلوزيو وموريسيو توزي: في ظلال الأسلاف، مرتكزات الحضارة العربية القديمة في عُمان، وزارة التراث والثقافة، مسقط، سلطنة عمان، 2011م، ص 256-257 .(2) بالنسبة للصورة 5، انظر المرجع السابق، ص 256.(3) بالنسبة للصورة 6، انظر المرجع السابق، ص 257.