على المتصدق إبداء الصدقة إن كان هناك مصلحة في ذلك وإخفائها إن كان الأمر يتطلب

على كل من أراد أن يتصدق بصدقة في سبيل الله تعالى, عليه أن يلتزم بعدة آداب حتى يقبل الله منه صدقته أول هذه الآداب أن يبادر بإخراج الصدقة الواجبة قبل حلول وقتها, وأيضاً صدقة التطوع يسارع بإخراجها ولا يتكاسل أو يُمسكها عن أصحابها إلى أن ينقضي الوقت فيذهب ليعطيها لأصحابها فلا يقبلها أحداً منه والدليل على ذلك قول رسول الله (صلى الله عليه وسلم):(تصدقوا فيوشك الرجل يمشي بصدقته فيقول الذي أُعطَيها: لو جئتنا بها بالأمس قبلتها, فأما الآن فلا حاجة لي بها فلا يجد من يقبلها) وقد أمرنا الله عز وجل بأن نسارع إلى فعل الخيرات فقال تعالى:(وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أُعدت للمتقين) (آل عمران ـ 133) وثاني هذه الآداب الواجبة على المتصدق إبداء الصدقة إن كان هناك مصلحة في ذلك, وإخفائها إن كان الأمر يتطلب ذلك ومحاولة إظهار شعائر الإسلام السمحة المتعلقة بهذا الأمر قال تعالى:(إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم) (البقرة ـ 271). فينبغي على المتصدق أن ينظر بعين الشرع والمصلحة فيقدم ما فيه مصلحة نافعة للمسلمين، والأدب الثالث: أن يُنفق المؤمن من خير ماله وأفضله , وأطيبه وأحبه إليه ومصداق ذلك قول الله تعالى:(لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تُحبون وما تنفقوا من شيء فإن الله به عليم) (آل عمران ـ 92)، فعلى من يوفقه الله تعالى إلى التصدق عليه أن يُخرج أطيب ما عنده ولا يبخل لأن الله تعالى يعطي كل إنسان على قدر نيته وعمله والله تعالى لا يُضيع أجر من أحسن عملاً، والأدب الرابع: أن يستصغر المتصدق العطية التي يُعطيها لأنه إن استعظمها أُعجب بها فيحبط أجرها ويضيع عليه ثواب عمله وفي هذا المقام قال بعض الصالحين: لا يتم المعروف إلا بثلاث: تصغيره وتعجيله وستره، والأدب الخامس: على المتصدق أن يتخير من تزكو به الصدقة ويعظم أجرها ومن ذلك أن يُقدم الأقارب على غيرهم كما قال النبي (صلى الله عليه وسلم):(الصدقة على المسكين صدقة, وعلى ذي الرحم ثنتان صدقة وصلة) وكذلك يُقدم الأتقياء وطلبة العلم على غيرهم فيعينهم على الطاعة, وطلب العلم النافع, فبهذا يكون مشاركاً لهم في أعمالهم الصالحة قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم):(من جهز غازياً فقد غزا) أي: من ساعد المجاهد في سبيل الله تعالى بأن أعد له العُدة وأعانه على نفقات الطريق فله عند الله تعالى مثل أجر المجاهد في سبيل الله تعالى, ويبحث المتصدق أيضاً عن أهل العفاف من الفقراء الذين قال الله تعالى عنهم:(يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف, تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافاً) فهده أيضاً من الأمور المهمة التي يجب على المتصدق أن يبحث عنها ويضع عندهم الصدقة الحلال.
أخي المسلم الكريم: إذا كانت هذه آداب المتصدق فهناك أيضاً آداب لمن يأخذ هذه الصدقة ومنها: ألا يسمح لنفسه بقبول الصدقة إلا لضرورة أو حاجة مُلحة, وألا يسأل الناس وعنده ما يُغنيه ويكفيه, فقد قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم):(من سأل وله ما يغنيه جاءت مسألته يوم القيامة خدوشاً أو خموشاً أو كدوحاً في وجهه قيل: يا رسول الله, وما يُغنيه؟ قال: خمسون درهماً أو قيمتها من الذهب) ومعنى ما يغنيه: أي يغنيه عن السؤال ويكفيه بقدر الحال ومعنى (خُموش) أي: جروح, أو خُدوش أو كُدوح، هي معانيها متقاربة وهي الخدوش أو الجروح ، وكذلك على من يأخذ الصدقة إن ظن أنه تحل له الصدقة فعليه أن يقبلها ويستعين بها على قضاء حوائجه الضرورية, والعمل فيها بطاعة الله تعالى, فإن استعان بها على المعصية, كان كافراً لنعمة الله عز وجل فاستحق البعد عن الله عز وجل، وعلى من يأخذ الصدقة أن يشكر المعطي ويدعو له ويثني عليه ويكون شكره الدعاء له بحيث لا يخرج عن كونه واسطة للخير وذلك لا ينافي رؤية النعمة من الله تعالى, قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم):(من لم يشكر الناس لم يشكر الله)، وقال (صلى الله عليه وسلم) أيضاً:(من أسدى إليكم معروفاً فكافئوه فإن لم تستطيعوا فادعوا له حتى تعلموا أنكم قد كافأتموه) ومن تمام الشكر أن يستر عيوب العطاء إن كان فيه عيب ولا يحقره ولا يذمه, ولا يعيّره بالمنع إذا منع, وبعد أخي الكريم هذه بعض آداب المتصدق, وبعض آداب الآخذ للصدقة وهي دعوة للكل, أن نتآلف ونتواصل ابتغاء وجه رب العالمين, حتى نكون اخوة متحابين في الله يجمعنا الحب في الله.

إبراهيم السيد العربي
إمام وخطيب جامع الشريشة ـ سوق مطرح/ ولاية مطرح