[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/fawzy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]فوزي رمضان
صحفي مصري[/author]
لقد سخرت الدول الغربية وبقيادة أميركا صناعة الكذب التي انطلقت من قواعدها الإعلامية لخدمة مشاريعهم التوسعية والعسكرية والاقتصادية، وسلطت أبواق فضائياتها وبالتعاون مع أبواق إعلامية عربية معروفة لخلق ظروف سياسية واجتماعية مواتية لاستمرار نفوذها في منطقة الشرق الأوسط .. فهل كان صدام حسن يمتلك فعلا أسلحة نووية؟ أبدا ولكن تمكنت آلة الإعلام الأسود من شيطنة صدام حسين وتشويهه وتصدير صورة نمطية عنه بكونه ديكتاتورا قاتلا شعبه.

في قصة "راعي الغنم" والتي كانت مقررة علينا في المرحلة الثانوية باللغة الإنجليزية... يروى أن راعيا للغنم كان يرعى غنمه خارج القرية, ولما كان حديث العهد بعمله، خطر له خاطر أعجبه، وعمد على الفور إلى تنفيذه.
وكان ذلك بأن جعل ينادي أهل القرية بأعلى صوته ويقول: الذئب..الذئب.. أغيثوني..أنجدوني..الذئب سيأكلني ويلتهم غنمكم.
أسرع أهل القرية إلى نجدته، ولكنهم لم يجدوا أثرا للذئب، فعادوا من حيث أتوا، وقد ساءهم كذب ذلك الراعي الذي خيب ظنهم.
ويبدو أن الراعي أعجبته هذه اللعبة، ولم تمضِ أيام قليلة حتى أعاد الكرة ليخيب ظن أهل القرية مرة أخرى، بعد أن هبوا لنجدته, ولم يجدوا ذئبا.
وفي يوم ظهر الذئب حقيقة، وهاجم الراعي والغنم, وانطلق الراعي يستنجد ويستغيث، وسمعه أهل القرية، إلا أن أحدا منهم لم يحرك ساكنا، وأكل الذئب من غنم الراعي حتى شبع. لنخلص من هذه الحكمة التي تقول: لا أحد يصدق الكذاب.
وتنتقل صناعة الكذب من راعي الغنم إلى وسائل الإعلام، فلما كان الغرض من الإعلام هو إبلاغ الناس بما يحدث بكل مصداقية ودقة، والناس قاعدتهم دائما التصديق إلى أن يثبت العكس، ولما كانت مهمة الإعلام أيضا نقل الحقائق دون تزييف أو تزوير أو نفاق، نجد العكس أخبارا كاذبة برامج مدلسة وخادعة، تحول الإعلام الهادف الأمين إلى إعلام موجه وكاذب يخدم مصالح معينة، إعلام تطغى عليه آراء وأفكار شخصية من أجل توجيه آراء وأفكار الناس وآرائهم ومشاعرهم، إعلام في غالبيته التوجيه وليس الإعلام المحايد.
إن التضليل الإعلامي الذي تمارسه بعض وسائل الإعلام الحالية يعد بمثابة حرب نفسية تشن على المتلقي لإحداث أكبر حد من التأثير السلبي، إنه الإعلام الأسود الذي يستهدف عقول البشر بداية من جوبلز وزير دعاية الألماني أدولف هتلر والذي كان يستهدف تحطيم الروح المعنوية للخصم بالكلمة كي يمهد الأرض للآلة العسكرية.
لقد سخرت الدول الغربية وبقيادة أميركا صناعة الكذب التي انطلقت من قواعدها الإعلامية لخدمة مشاريعهم التوسعية والعسكرية والاقتصادية، وسلطت أبواق فضائياتها وبالتعاون مع أبواق إعلامية عربية معروفة لخلق ظروف سياسية واجتماعية مواتية لاستمرار نفوذها في منطقة الشرق الأوسط .. فهل كان صدام حسن يمتلك فعلا أسلحة نووية؟ أبدا ولكن تمكنت آلة الإعلام الأسود من شيطنة صدام حسين وتشويهه وتصدير صورة نمطية عنه بكونه ديكتاتورا قاتلا شعبه، ومن خلال تلك الصور النمطية، مهدت الأرض لاحتلال العراق وشفط نفطه وتدمير أولى دول المواجهة لإسرائيل.
وتستمر آلة الإعلام الأسود في خلق الظروف المواتية لتغيير معالم خريطة الإقليم العربي ليبدأ بخلق الشعارات؛ كشعار "ارحل" في تونس وشعار "الشعب يريد إسقاط النظام" في مصر وليبيا وسوريا وبث مقاطع فيديو مختلقة، كما جاء فيديو بعنوان "طفل سوري ينقذ شقيقته" ضمن هذه تلك الحملات الإعلامية المفبركة تناولتها قناة "فوكس نيوز" الأميركية وجريدة "التليغراف" اللندنية و"الديلي ميل" ووقعوا في فخ هذا الفيلم القصير "إن طفلا سوريا يقوم بإنقاذ طفلة سورية مذعورة من وسط إطلاق نار كثيف من قبل الجيش العربي السوري، بعد أن يدعي أنه قد أصيب برصاصة قناص. طبعا المقصود هنا هو إعطاء الانطباع بأن الجيش العربي السوري يستهدف الأطفال .واستخدام الأطفال بالتحديد لإثارة الرأي العام العالمي". ولقد حمل هذا الفيديو على يوتيوب وبحسب تسجيل الدخول حصد هذا الفيديو أكثر من مليون مشاهدة.
إلى أن وصلت تلك المنصات الإعلامية السوداء في المساهمة في تجنيد الشباب والمراهقين، وملأت عقولهم بنظريات التكفير والجهاد، وحوَّلت عملياتهم الإرهابية إلى عمليات استشهادية تقام لها الأفراح، وروجت عبر الفيس بوك والواتساب للمراهقين بأن الحوريات والغلمان بانتظارهم في الجنة. والأكثر من هذا فقد روجت لصور النساء المتعطشات للجنس اللاتي جيء بهن من مختلف بلدان العالم تحت أسماء مختلفة منها "جهاد النكاح".
وتستمر آلة الإعلام الأسود في استهداف أنظمة سياسية بعينها، بغرض تشويهها وتقزيمها والنيل منها، وإسقاط هيبتها في أعين شعوبها، وصولا إلى إيجاد أنظمة سياسية أخرى موالية أو عميلة أو منبطحة للداعم والممول الرئيسي لراعي الغنم الإعلامي.. ولكن مع مرور الزمن وكثرة التجارب تنكشف الأكاذيب وتفضح الأضاليل، وقد ينجح الإعلام الأسود في الكذب والخداع لبعض الوقت، ولكن ليس كل الوقت، والدليل أن تلك المنصات الإعلامية الكاذبة والخادعة تنبح، وتواصل حصارها للمتلقي المستهدف لكن بلا أدنى استجابة أو حتى احترام فلا أحد يصدق الكذاب.