لتكون مرجعاً لبناء السياسات التعليمية وموجهاً نحو التطوير المستمرفلسفة التعليم في السلطنة هي المرتكز الأساسي لرسم السياسات التربوية والتعليمية وموجهاً لبناء الخطط الاستراتيجية والمشاريع التطويريةمتابعة : محمد السعيدي :اعتمدت وثيقة فلسفة التعليم في السلطنة على (16) مبدءاً تنبثق منها الأهداف التعليمية العامة والتي تُعد موجهاً لعملية بناء عناصر المنظومة التعليمية كافة وتطويرها في جميع مراحل التعليم وأنواعه .وكان المقام السامي لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ قد تفضل باعتماد فلسفة التعليم في السلطنة وفقاً لما احتوته من مصادر رئيسية ومبادئ وأهداف عامة للتعليم لتكون مرجعاً لبناء السياسات التعليمية وموجهاً نحو التطوير المستمر للتعليم في جميع مراحله وأنواعه.اما المبادئ التي اعتمدتها الفلسفة فهي المبدأ الاول : النمو المتكامل للمتعلم: حيث يهدف التعليم إلى تهيئة الفرص المناسبة من أجل مساعدة المتعلمين وفقاً لاستعداداتهم وإمكاناتهم وفي ضوء فلسفة المجتمع العُماني وثقافته وهويته وتطلعاته، وبما يكفل التوازن بين تحقيق الأفراد لذواتهم من ناحية، وإعدادهم للمشاركة في بناء مجتمعهم من ناحية أخرى أذ يتم تحقيق النمو المتكامل للمتعلم من خلال عدة أهداف من بينها : تنمية الشخصية المتكاملة للمتعلم ، وإكسابه المعارف والمهارات اللازمة للتعامل مع مستجدات العصر وتحدياته، وتنمية قدراته وميوله ومواهبه، وكذلك تعزيز التربية البدنية والصحية، والجانب الأخلاقي والتربية الاجتماعية لدى المتعلم.أما المبدأ الثاني فهو الهوية والمواطنة : حيث تمثل المواطنة تعبيراً عن الانتماء للوطن ولهويته العربية الإسلامية ، بما يترتب عليها من حقوق وواجبات ومسؤولية مجتمعية مشتركة إذ يتم تعزيز المواطنة والهوية العُمانية انطلاقاً من عدة أهداف من بينها : ترسيخ العقيدة الصحيحة وتأصيل منهج الوسطية في الدين بسلوك الطلاب، وإتقان اللغة العربية والاعتزاز بها، والحفاظ على التراث العُماني وتنميته، بالإضافة إلى تعزيز قيم المواطنة والاهتمام بالأسرة باعتبارها مكوناً أساسياً للمجتمع ، فضلاً عن ترسيخ الحقوق والواجبات تجاه الوطن والمجتمع.أما المبدأ الثالث فهو العزة والمنعة الوطنية : إذ أن من المبادئ المهمة في أي نظام تعليمي أن يربى النشء على حب الوطن والولاء لقيادته، وتقدير رموزه، والمحافظة على منجزاته؛ لتحقيق العزة والمنعة الوطنية، من خلال عدة أهداف من بينها: تعزيز الانتماء للوطن والولاء لجلالة السلطان، وتعزيز الوحدة الوطنية بين أفراد المجتمع العُماني، بالإضافة إلى تنمية الوعي بأهمية الدفاع عن الوطن وحماية مكتسباته ، وكذلك إعلاء شأن المصلحة الوطنية فوق الاعتبارات الشخصية.أما المبدأ الرابع فهو القيم والسلوكيات الحميدة : يقوم المجتمع العُماني على منظومة من القيم والسلوكيات التي تكوّن كيانه وترسم ملامح هويته العربية الإسلامية، وتتكامل مؤسسات التعليم في بناء هذه القيم والسلوكيات، ويتم من هذا المبدأ تحقيق عدة أهداف، من بينها: ترسيخ القيم الإسلامية، وتعزيز الالتزام بالعادات والتقاليد الحسنة للمجتمع العُماني، وكذلك غرس السلوكيات الحميدة في نفوس المتعلمين، وتحقيق احترام الآداب والذوق العام.أما المبدأ الخامس فهو التربية على حقوق الإنسان وواجباته: تُعدُّ التربية على حقوق الإنسان من الجوانب التي ركّز عليها الدين الإسلامي، وهي تعريف الأفراد بحقوقهم وواجباتهم على المستوى الوطني والعالمي في سبيل إقامة مجتمع يحظى فيه جميع الأفراد بالتقدير والاحترام، ويتم ذلك بتحقيق عدة أهداف من بينها: تعزيز ثقافة حقوق الإنسان وواجباته، وترسيخ الحق في التعليم، وكذلك ترسيخ مبادئ المساواة والعدالة وفقاً للنظام والقانون، وتعزيز حق الفرد في المشاركة السياسية والمجتمعية.أما المبدأ السادس فهو المسؤولية والمحاسبة : إن تعريف المتعلمين بالتزاماتهم الدينية، ومسؤولياتهم الوطنية، والاجتماعية، والقانونية في بيئة الدراسة والعمل والمجتمع وفي علاقتهم المتنوعة مع أنفسهم، ومع الآخرين يعدُّ مبداً مهماً، ويتحقق بعدة أهداف من بينها: تعزيز الشعور بالمسؤولية نحو الذات والآخرين، وترسيخ مبدأ سيادة القانون والالتزام به، بالإضافة إلى تنمية الوعي بأهمية الضوابط الاجتماعية والنظام العام واحترامهما، وتعميق دلالات وأبعاد مفهوم دولة القانون والمؤسسات.اما المبدأ السابع فهو التربية على مبدأ الشورى: وتهدف أخلاقية التعليم إلى تنشئة المتعلم تنشئة اجتماعية سليمة من أجل تكوين مواطن صالح قادر على التعبير والمشاركة الفاعلة، في ظل مجتمع يكفلُ له العدالة الاجتماعية والمساواة ويتم تحقيق مبدأ الشورى من خلال عدة أهداف من بينها: تنمية القدرة على المشاركة بالرأي والنقد البنّاء، وتشجيع التنوع في أشكال التعبير المتوازن وفق الضوابط الأخلاقية والقانونية بالإضافة إلى تعزيز الأساليب الحضارية للتعبير الهادف عن الآراء، و تعزيز الممارسات المتعلقة بالشورى.اما المبدأ الثامن فهو التربية من أجل التنمية المستدامة: حيث أصبح تحقيق التنمية المستدامة من أولويات دول العالم المختلفة، ومن ضمنها السلطنة وعليه فإن فلسفة التعليم في السلطنة تقوم على تربية الأجيال تربية متكاملة من أجل تحقيق هذه الغاية، وذلك من خلال تهيئة المتعلمين وإكسابهم المعارف والقيم والمهارات التي تمكنهم من الاستفادة من المعطيات الحضارية المتنوعة، والتطور التكنولوجي المتسارع، وذلك للإسهام بدور فاعل في تلبية احتياجات الحاضر والعمل على توفير متطلبات المستقبل. وعلى ذلك فإن فلسفة التعليم في السلطنة تعمل على تحقيق مبدأ التعليم من أجل التنمية المستدامة من خلال عدد من الأهداف من بينها: تزويد المتعلمين بالمعارف والمهارات والقيم المتعلقة بقضايا التنمية المستدامة، والإسهام في حماية البيئة وصون مكوناتها الطبيعية، بالإضافة إلى تعزيز أنماط الحياة الصحية المستدامة لدى المتعلمين، وتعزيز ثقافة السلوك الاستهلاكي الرشيد.اما المبدأ التاسع فهو التعليم مسؤولية وشراكة مجتمعية: التعليم مسؤولية مجتمعية، تشترك فيها الأسرة، والمدرسة، والمسجد، ووسائل الإعلام، والقطاع الخاص، ومؤسسات المجتمع المعنية الأخرى، وتحقيق هذه الشراكة كفيل بنجاح أهداف التعليم، ويتأتى ذلك بالتركيز على عدة أهداف من بينها: تأكيد دور الأسرة في تربية النشء وتعليمه، تنمية المسؤولية المجتمعية تجاه التعليم، وكذلك تكريس ثقافة العمل التطوعي، وتأصيل دور القطاع الخاص في تنمية قطاع التعليم.اما المبدأ العاشر فهو تعليم عالي الجودة للجميع: تؤكد السلطنة على أهمية تزويد المتعلم بخبرات تعلم نوعية، وتوفير معايير الجودة اللازمة لعناصر العملية التعليمية كافة، وترسيخ ثقافة العمل بها وتعزيز دور المؤسسات المعنية تحقيقاً للأهداف والغايات التربوية المنشودة، ويتمثل ذلك في التأكيد على عدة أهداف من بينها: تقدير العلم ومؤسساته، وإكساب المتعلمين المعارف الضرورية والمهارات الأساسية، وكذلك العمل على تحقيق تعليم عالي الجودة، والارتقاء بكفاءة المعلم وجودة إعداده وتأهيله.اما المبدأ الحادي عشر فهو العلم والعمل: إن المواءمة بين رسالة التعليم وغاياته الكبرى مع متطلبات تنمية المجتمع واحتياجات سوق العمل يُعدُّ من اهم ركائز التعليم في السلطنة، من أجل إيجاد أجيال تمتلك القيم والأخلاق والعلوم والثقافة والمهارات التي تؤهلها للرقي بالدولة وتنمية المجتمع وتطوره، وتحقيق هذا المبدأ الذي يربط بين رسالة العلم وغاياته بمتطلبات التنمية الشاملة واحتياجات سوق العمل، يتحقق من خلال عدة اهداف من بينها: التطبيق العملي للمعرفة النظرية، وتنمية المهارات الأساسية للعمل، فضلاً عن تنمية مهارات العمل من أجل المنافسة المحلية والعالمية.اما المبدأ الثاني عشر فهو مجتمع المعرفة والتكنولوجيا: حيث تمثل المعرفة المدعومة بالتقانة أهم مكونات المجتمعات الحديثة، إذ تُعدُّ متطلباً أساسياً في جميع جوانب التطوير، وخاصة فيما يتصل بالتعليم والثقافة والاقتصاد، والمجالات الأخرى، التي أصبحت معتمدة على توفير كم كبير من المعرفة والمعلومات ويتحقق هذا المبدأ من خلال عدة أهداف من بينها: تعزيز القدرة على التعامل مع معطيات العصر والتكنولوجيا الحديثة، والوعي بأهمية الأمن المعلوماتي وقضايا التقانة والشبكات، بالإضافة إلى تشجيع إنتاج المعرفة المحلية وتقديرها وتطويرها، وإكساب الكفايات والمهارات اللازمة لمجتمع المعرفة.اما المبدأ الثالث عشر فهو البحث العلمي والابتكار: حيث تعد مهارات البحث العلمي من المبادئ المهمة في فلسفات التعليم الحديثة، وتهدف إلى تدريب المتعلمين على الملاحظة والتحليل والتجريب والاستكشاف في المواقف التعليمية المتنوعة، وتنبثق من هذا المبدأ عدة أهداف من بينها: تنمية مهارات التفكير العليا، وتنمية مهارات البحث العلمي والاستنتاج والاستقصاء، بالإضافة إلى تقدير الموهوبين والباحثين والمبتكرين من الشباب ودعمهم.اما المبدأ الرابع عشر فهو ريادة الأعمال والمبادرات: حيث تُعدُّ ريادة الاعمال أحد محركات النمو الاقتصادي التي تدعم الجهود الرامية لتحقيق التنمية المستدامة، كما تعمل على تشجيع الشباب على المبادرة، والإسهام في إيجاد فرص العمل، ويتأتى ذلك من خلال عدة أهداف من بينها: غرس قيم ومبادئ ريادة الأعمال، وتقدير مبادرات وإبداعات الشباب ودعمها، وكذلك تعزيز قيمة المبادرة لدى المتعلمين.اما المبدأ الخامس عشر فهو التربية من أجل السلام والتفاهم: حيث إنًّ التعليم من أجل السلام يتحقق بتعزيز قيم التسامح، والتفاهم، وقبول الآخرين، والحوار والتقارب معهم، وفقاً لمبدأ التقدير والاحترام المتبادل، ويتم ذلك بتحقيق عدة أهداف من بينها: تنمية احترام الاختلاف الفكري المتوازن والتعددية الثقافية، وترسيخ أنماط السلوك الإيجابية؛ لتعزيز قيم السلام والتعايش المشترك، بالإضافة إلى تعزيز الوعي بقضايا التفاهم والتعاون الدولي والاحترام المتبادل ونشره.اما المبدأ السادس عشر فهو التعلم مدى الحياة: حيث ان التعليم عملية مستمرة، تشمل جميع المراحل العمرية للإنسان، ولا تنتهي عند مرحلة معينة، مما يوجب على كل فرد في المجتمع أن يجدد من معارفه ومهاراته بصفة دائمة من خلال التعلم المستمر، ويتسنى الوصول لهذا المبدأ بتحقيق عدة أهداف من بينها: تعزيز فرص التعلم مدى الحياة، وتعزيز مهارات التعلم المنظم ذاتياً والتعلم مدى الحياة، وكذلك تعزيز دور المراكز الثقافية والمكتبات العامة في المجتمع، وتنمية فاعليتها في حياة المتعلمين.الجدير بالذكر إن فلسفة التعليم في السلطنة هي المرتكز الأساسي لرسم السياسات التربوية والتعليمية، وموجهاً لبناء الخطط الاستراتيجية، والمشاريع التطويرية للتعليم في السلطنة، بما يكفل الارتقاء بعناصر المنظومة التعليمية كافة، وتوجيه مؤسساته نحو تحقيق رسالة التعليم السامية وغايته الكبرى، وإنجاز الأهداف الوطنية لتقدم المجتمع ورقيه على مختلف الصعد، مما يتطلب من جميع المؤسسات المعنية بالتعليم اعتماد هذه الوثيقة كمرجع أساسي، والعمل وفق ما حوته من مبادئ ومنطلقات عامة وأهداف ومضامين متنوعة، وذلك بوصفها إطار عمل وطني لتوجيه مسيرة التنمية والتطوير في قطاع التعليم بمراحله وأنواعه كافة.كما أن أول وثيقة لفلسفة التعليم التى تبنتها وزارة التربية والتعليم صدرت في عام 1978م خلال الخطة الخمسية الأولى كما قامت الوزارة بمراجعة تلك الوثيقة في عامي 2003م، و2009م خلال خطتي التنمية الخمسية السادسة والسابعة ونظراً للمستجدات والتطورات التي شهدتها الساحة المحلية والدولية كان لا بد من إجراء تحديث وتطوير على فلسفة التعليم بالسلطنة بما ينسجم مع معطيات الحضارة العُمانية والقيم الأصيلة، ويأخذ في الاعتبار مستجدات الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والسياسية؛ لذا فقد وجه مجلس التعليم بإعداد وثيقة جديدة تتناغم مع الوضع الراهن، وتستشرف آفاق المستقبل، وتضم بين جنباتها مجمل أهداف وتوجهات التعليم في السلطنة بجميع أنواعه ومراحله.