لم يكن العرب قبل الإسلام مجتمعاً ثابتاً يسوده الاستقرار، وهم بالتالي لم يكوّنوا حكومة أو دولة بالمعنى الحديث ، لذا قد نتساءل من أين جاءت لفظة الدولة بمفهومها الحديث الذي نعرفه اليوم لها ؟
إنَّ أصل الكلمة يدلّ في اللغة على تحوّل شيء من مكان إلى مكان . وتداول القوم الشيء بينهم : إذا صار من بعضهم إلى بعض . قالوا : والدُّولة والدَّولة لغتان صحيحتان ، وإنما سُمِّيتا كذلك لأنه أمر يتداولونه فيتحوّل من هذا إلى ذاك ومن ذاك إلى هذا . فأصل المعنى على هذا يتّجه إلى التحوّل ، ومن هنا كان أصل الدولة في الحرب أن تُدال إحدى الفئتين على الأخرى . يقال : كانت لنا عليهم الدولة ، والجمع الدِّول بكسر الدال . قالوا : الدُّولة ( بالضم ) في المال ، وبالفتح في الحرب ، وجاء في كلام الجاحظ في هذا المعنى قوله : وقد يجب أن نذكر بعض ما انتهى إلينا من كلام خلفائنا من ولد العباس ، ولو أنّ دولتهم عجمية خراسانية ، ودولة بني مروان عربية أعرابية . ففي هذا النص نجد الجاحظ يستعمل لفظة الدولة بمعنى الحكومة أو النظام السياسي وهو استعمال جديد لا نجده في العربية القديمة ، وهكذا يكون المعنى اللغوي لهذه اللفظة قد اتجه من المظهر المادي في الحرب والأحداث إلى تصوير الحال الاجتماعية وما يميّزها من انقلاب الزمان من حال البؤس والضُّرّ ، إلى حال الغِبطة والسرور ، ومن هنا أضاف بعضهم إلى المعاني السابقة قوله : والدولة في الملك : السنين التي تتغيّر وتتبدّل وهي أيضا انقلاب الدهر من حال إلى حال . ومن الدلالة الأصلية لهذه المادة جاء معنى الغَلَبة والنَّصر ، كما جاء معنى الدَّاهية فالدولة من أسماء الداهية.
أما الدولة بالمعنى الذي استعمله الجاحظ أي بمعنى الحكم والنظام السياسي فهي عند اللغويين لفظة مولّدة لم تعرفها العربية القديمة ، كما نجد أيضاً من الألفاظ المولّدة في هذه المادة : الدولة بمعنى الجزء من الكتاب ، والدولة بمعنى المَرَّة والنَّوْمَة ، ومُدَاولة : بمعنى مؤتمر . ويقال من هذا : اجتمع المؤتمرون للتداول فيما بينهم في هذه القضية أو تلك ، أي للمناقشة والإدلاء بالآراء النافعة. وقد تطوّر معنى الدولة بعد ذلك كله فأصبح يعني عند المحدثين تجمّع سياسي يؤسّس كياناً ذا اختصاص سيادي في نطاق إقليمي محدّد ، ويمارس السُّلطة عبر منظومة من المؤسسات الدائمة.و بالتالي فإن العناصر الأساسية لأي دولة هي الحكومة و الشعب و الإقليم ، بالإضافة إلى السيادة و الاعتراف بهذه الدولة ، بما يكسبها الشخصية القانونية الدولية ، و يمكنها من ممارسة اختصاصات السيادة لاسيما الخارجية منها.
وتتّسم الدولة بخمس خصائص أساسية تميزها عن المؤسسات الأخرى :
1ـ ممارسة السيادة :
فالدولة هي صاحبة القوة العليا غير المقيّدة في المجتمع ، وهي بهذا تعلو فوق أية تنظيمات أو جماعات أخرى داخل الدولة.وقد دفع ذلك توماس هوبز ( 1588-1679م) إلى وصف الدولة بالتنين البحري أو الوحش الضخم .
2ـ الطابع العام لمؤسسات الدولة:
وذلك على خلاف المؤسسات الخاصة للمجتمع المدني.فأجهزة الدولة مسؤولة عن صياغة القرارات العامة الجمعية وتنفيذها في المجتمع .
3ـ التعبير عن الشرعية :
فعادة (وليس بالضرورة دائماً) ما ينظر إلى قرارات الدولة بوصفها ملزمة للمواطنين حيث يفترض أن تعبر هذه القرارات عن المصالح الأكثر أهمية للمجتمع.
4ـ الدولة أداة للهيمنة :
حيث تملك الدولة قوة الإرغام لضمان الالتزام بقوانينها ، ومعاقبة المخالفين . ويُبرز ماكس فيبر(1864-1920م) أنّ الدولة تحتكر وسائل العنف الشرعي في المجتمع .
5ـ الطابع "الإقليمي" للدولة:
فالدولة تجمّع إقليمي أي مرتبط بإقليم جغرافي ذي حدود معينة تمارس عليه الدولة اختصاصاتها . كما أنّ هذا التجمع الإقليمي يعامل كوحدة مستقلة في السياسة الدولية مجموعاً كبيراً من الناس يقطن على وجه الدوام والاستقرار إقليماً معيّناً ويتمتّع بالشخصية المعنوية والنظام والاستقلال . وليس هناك حدّ أدنى لعدد السكان اللازم لتكوين الدولة ، ولا قدر أقل لمساحة إقليمها ، بل تتفاوت الدول في ذلك تفاوتاً كبيراً ، لكن يبقى لكل دولة شخصيتها الاعتبارية في المحافل الدولية .

د.أحمد بن عبدالرحمن بالخير
استاذ الدراسات اللغوية بكلية العلوم التطبيقية بصلالة
[email protected]