[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/mohamedabdel.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]محمد عبد الصادق[/author]
” لابد من وجود إدارات متخصصة في مكافحة الجرائم الإلكترونية وحماية أمن المعلومات، وتطوير هذا التخصّص العلمي وتدريسه بشكل منفصل في كليات ومعاهد الحاسب الآلي بالجامعات العربية؛ لتخريج كوادر مؤهلة قادرة على تتبع المجرمين الجدد الذين يمارسون النصب والابتزاز والتخريب والبلطجة الإلكترونية, والتعاطي مع تحديات العصر الرقمي الذي نعيشه ودخول الحاسوب في معظم المجالات الحياتية، ”

أحمد الله أن نجاني حتى الآن من فيروس الفدية, وكان القدر رحيما بي لأنني قطعا كنت سأفقد بيانات هاتفي وحاسوبي لعدم استطاعتي تدبير الفدية اللازمة لإعادة البيانات وفك التشفير, لتزامن الهجمات مع نفاد راتبي في منتصف الشهر واقتراب شهر رمضان المبارك, بعد أن استيقظت يوم السبت الماضي على صخب وضجيج وأنباء عن تعرض آلاف المؤسسات حول العالم لهجوم سيبراني شبيه بما يحدث بأفلام الخيال العلمي؛ وعرفت أن إحدى عصابات "الهاكرز" أطلقت فيروسا اسموه " الفدية" يخترق الهواتف الذكية والحواسيب المحمولة, ومن ثم يطالب القراصنة الضحايا بدفع مبلغ مالي يتراوح بين 300إلى 600 دولار لقاء إعادة البيانات وللأسف كانت المستشفيات ضمن الجهات التي اُستهدفت في ذلك الهجوم لمعرفة الجناة أنها مضطرة لدفع الفدية كونها لا تستطيع الاستغناء عن بياناتها ولو لفترة قصيرة لما يترتب على ذلك من تداعيات مصيرية تتعلق بحياة المرضى.
وما أن شاع الخبر في أميركا والدول الأوروبية, حتى سارعت معظم دول العالم لاتخاذ إجراءات وتدابير وتقديم النصائح لعدم الوقوع ضحية لهذا الفيروس، واستنفرت فرق الطوارئ الحاسوبية ومؤسسات تنظيم الاتصالات لمتابعة حالات تأثر الخدمات الإلكترونية بالفيروس, وسارع المسؤولون عن الأنظمة الرقمية برفع درجة الجاهزية والمراقبة المستمرة وأصدروا تعليمات بعدم فتح الرسائل أو الملفات أو الروابط مجهولة المصدر وتجنب تنزيلها، حتى لا تخترق الأجهزة كما حدث خلال ساعات معدودة مع آلاف المؤسسات والمستخدمين حول العالم.
كما أن هذا الفيروس الخبيث يصيب الهواتف الذكية، ويقوم بتشفيرها وقفلها بحيث لا يمكن استخدامها إلا بعد دفع مبلغ الفدية, و خطوات الاختراق تبدأ بوصول رسالة أو رابط من شخص مجهول، ويكون محتوى الرابط عبارة عن ملف يحتوي على برمجيات خبيثة ثم يغري المرسل الضحية بتنزيل الملف عبر خداعه بأنه ملف مهم أو شخصي وعندما يقوم المستخدم بتحميل الملف في حاسوبه أو هاتفه الذكي يقوم الفيروس بتشفير البيانات المهمة في الجهاز أو تشفير الجهاز بأكمله، بحيث لا يستطيع المستخدم الوصول إلى بياناته، حينها يطلب المجرم من الضحية الـ «فدية» مقابل فك التشفير وإعادة الأمور لطبيعتها.
كانت أبرز النصائح من المتخصصين لتفادي هجوم "الفيروس البلطجي"أن يحرص المستخدم على إنشاء نسخة احتياطية من بيانات جهازه باستمرار، لاسترجاعها في حال تعرضه للفيروس, واستخدام برامج مكافحة الفيروسات الأصلية وتحديثها باستمرار, فضلا عن تحديث نظام التشغيل في هاتف المستخدم وجهاز الحاسوب وتجنب الدخول للمواقع المشبوهة والتأكد من تنزيل البرامج والتطبيقات من مصادرها الرسمية المعتمدة، وتجنب البرامج المقرصنة.
نصحت السلطات الحكومية المستخدمين الذين أصيبت أجهزتهم بالفيروس بعدم الانصياع للمبتزين وعدم دفع المبلغ المطلوب حتى لا يستمروا في الابتزاز وطلب المزيد من المال إضافة إلى إيقاف العمليات في الجهاز أو الشبكة مباشرة واستعادة النسخة الاحتياطية, وإغلاق المنافذ المتصلة بالإنترنت "135، 139، 445"، كذلك تثبيت التحديث "MS17-010" من أجل إغلاق الثغرة المستغلّة في هذا الهجوم.
تبين أن "الفدية" أرسل حتى الآن ( مليون رسالة خبيثة ) لبعض الدول في الساعة الواحدة, وأكد خبراء أمن المعلومات في العالم أن مثل هذه الفيروسات سبق وظهرت قبل أكثر من عشرة أعوام واختلف ظهورها من عام إلى عام حتى عادت يوم السبت الماضي للظهور من جديد , عبر هذا الفيروس الذي يفسد عمل الأجهزة ويطلب فدية مالية مثله مثل بقية الفيروسات التدميرية و برامج تعطيل الخدمات و برامج القنابل الموقوتة ،و البرامج التجسّسية.
والاسم العلمي لفيروس الفدية هو "وانا كراي" وبدأ هجومه السبت الماضي على أكثر من 100 دولة مستغلا عطلة نهاية الأسبوع للوصول إلى أكبر عدد ممكن من الأجهزة حول العالم دون أن يجد مقاومة, وهذا الفيروس الخبيث وجد ثغرة في أنظمة "ويندوز" قبل عدة أشهر، وتنبهت شركة مايكروسوفت لهذه الثغرة وأنتجت برنامجًا تحديثيًا خصيصا لمكافحته والقضاء عليه، ولكن من لم يحدّث البرنامج حينها فإن جهازه كان عرضة للاختراق والتشفير، ولن يستطيع صاحب الجهاز استخدام بياناته إلا عن طريق فتح التشفير، وهذا لا يتم إلا عن طريق مصمم البرنامج الخبيث نفسه الذي يعطي المستخدم فرصة لدفع فدية تبدأ من 300 دولار بعد ثلاثة أيام، ويتضاعف المبلغ بعد سبعة أيام ما لم يتم الدفع مبكرًا، حيث دفعت شركات ومؤسسات وبنوك مليار دولار عام 2016م لفتح مثل هذه البرامج الخبيثة.
ويمكن لأي (هاكر) أن يستفيد من ثغرة البرامج الحاسوبية، ويستثمرها في اختراق أجهزة الهاتف والحاسوب، و لتفادي الوقوع في ذلك ينبغي تحديث برامج مكافحة الفيروسات بحاسوبك باستمرار وإن كانت برامج الفدية الخبيثة تختلف عن البرامج الفيروسية المعتادة التي تهاجم أجهزة الحاسوب مثل: "شمعون، بلاستر، فلامر" ، إذ تعمل هذه البرامج على تدمير الجهاز فقط دون طلب مقابل مالي، بينما برامج الفدية تطلب مقابلا ماليا وهي في العادة مبالغ افتراضية يطلق عليها (بيتكوين) لكي لا يتم التعرف على القراصنة أوالوصول لمقراتهم.
لابد من وجود إدارات متخصصة في مكافحة الجرائم الإلكترونية وحماية أمن المعلومات، وتطوير هذا التخصّص العلمي وتدريسه بشكل منفصل في كليات ومعاهد الحاسب الآلي بالجامعات العربية؛ لتخريج كوادر مؤهلة قادرة على تتبع المجرمين الجدد الذين يمارسون النصب والابتزاز والتخريب والبلطجة الإلكترونية, والتعاطي مع تحديات العصر الرقمي الذي نعيشه ودخول الحاسوب في معظم المجالات الحياتية، واستخدام التقنيات الحديثة في العديد من الإجراءات والمعاملات في القطاعات الحكومية والخاصة.
لم يتم الكشف حتى الآن عن حجم الأضرار ولا الخسائر التي لحقت بالمؤسسات العامة أو الخاصة أو الأفراد في الدول العربية جراء هذا الهجوم الإلكتروني وتحديد مقدار التأثر من عدمه، ولم تخرج بيانات رسمية من أي دولة عربية تحتوي على معلومات أو أرقام دقيقة, مما فسح المجال للشائعات والمعلومات المتضاربة للتداول على مواقع التواصل الاجتماعي, عن تعرض مستشفيات وجامعات وبنوك لهجمات لها علاقة بهذا الفيروس , دون أن يخرج مسؤول لينفي أو يؤكد هذه المعلومات , لتستمر حالة البلبلة والغموض , عكس ما حدث في أوروبا والدول المتقدمة , فقد خرج بيان من الشرطة الأوروبية (يوروبول) أكد تأثر العديد من المؤسسات والمنظمات من بينها مستشفيات في بريطانيا ومجموعة «رينو» الفرنسية للسيارات كما أعلنت وكالة الأمن القومي الأميركية أن هناك وثائق سرية تعرضت للقرصنة ونفس الأمر حدث في كوريا واليابان وماليزيا ومعظم دول العالم التي تحترم مبدأ الشفافية والحق في تداول المعلومات.