[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/uploads/2016/05/salahdep.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]د. صلاح الديب[/author]” لقد أرسى السلطان قابوس المعظم دعائم تربية التسامح للشعب في السلطنة، حيث تجلت في العديد من خطبه وكلماته التي دعا من خلالها الإنسان العماني إلى الالتزام بروح التسامح والألفة والمحبة فقال "إن التزمت في الفهم الديني لا يؤدي إلا إلى تخلف المسلمين وشيوع العنف وعدم التسامح في مجتمعاتهم وهو في حقيقة الأمر بعيد عن فكر الإسلام الذي يرفض الغلو وينهى عن التشدد لأنه دين يسر ويحب اليسر في كل الأمور " .”يعد الشعب العماني من الشعوب العربية المميزة والتي يمكن بسهولة أن تتعرف عليها دون عناء وذلك من ممارساتهم وتعاملاتهم التي تجعلك تتعرف عليهم وذلك لتميزهم ببعض الأسرار التي تعتبر من السمات المتأصلة فيه والتي تجعل الجميع يكنون لهم كل الاحترام والود لما يراه الجميع واضحا جليا من اختلاف بين الشعب العماني وشعوب أخري كثيرة فهنيئا للشعب العماني احترام الجميع لهم وهنيئا للشعوب العربية وجود شعب مثل الشعب العماني بينهم .لقد عُرفَ العمانيُّ على امتدادِ التاريخِ بالقيمٍ التي آمنَ بها وجعلها راسخة بداخله فأصبحت هذه القيم عقيدةً وسلوكًا ولقد اتَّضِحُ ذلك من الشواهدِ التاريخيَّةِ التي لا يحتاجُ المرءُ منَّا أنِ يتذكر كل هذه الشواهد التي أدت إلى عظمةِ الإنجازِ في إشراقاتها العلميَّةِ وفتوحاتها الفكريَّةِ ورحلاتها التجاريَّةِ ونجداتها العسكريَّةِ وإنجازاتها الاقتصاديةِ.أنَّ التاريخَ أبينَ ناطقٍ وأفصحَ معلِّمٍ يجودُ لمن ينوي التعرف عليه والبحث عنه ليراه بكل سهولة ويسر .ولأن الفرد لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يتحول في يوم وليله ولكن لكل نتيجة نراها اليوم أصول مترسخة على مر الأجيال ومورثة عادات وسمات يحرص العمانيون على أن يتركونه إرثا لأولادهم أهم من الأموال والممتلكات وأصبحت وبحق أثمن من الياقوت والماس لأنها لا تقدر بثمن فنعم الإرث الذي يتركه الأجداد والآباء للأبناء .فإذا كان الإنسانُ يشكِّل امتدادًا طبيعيًّا للإرث فإنه سيظلُّ حاملاً لجيناتٍ تتراكمُ معارفها وخبراتها وتجاربها عبر توالي الأزمنةِ وتطوُّر الأماكن لهذا فإن الشخصية العمانية وفي عمقِ أصالتها وجلاءِ صفحتها وفيَّةٌ للإرثِ محافظةٌ على المكتسباتِ متشبِّثةٌ بالمتحقق الإيجابي من التاريخِ وإن خلُصَ من محنةٍ أو أزمةٍ أو خِلاف فهو في نهايةِ الأمرِ درسٌ من دروسِ التاريخِ لابدَّ وأن يمحَّص ويُستفاد منه وأنك سترى ذلك واضحا، حيث نرى فيها تمسكه بحضارته وتاريخه مع كل حديث وترى دائما المزج بين المباني القديمة والاهتمام بها والحفاظ عليها وبين الاتجاه إلى كل ما هو حديث أيضا .فالقيمُ هي كل ما نعني به صفات إيجابية يرتقي بها الإنسانُ في عمومه أما خصوصيَّةِ هذه القيم فهي النكهةُ التي تتميَّزُ بها الشخصية العمانية تميُّزًا لا يعني أنَّها تتصف بقيمٍ لا يتصفُ بها غيرها وإنَّما لها من الخصوصيَّةِ ما يشبهُ خصوصيَّة الشخص الذي يمارس الأمر بطبيعته وبدون أي معاناه كالذي يتنفس لا يرى أي صعوبة في تنفسه بل ويمارسه دون أي معاناه وبطبيعته وبتلقائيه مطلقة ! هذا هو التشبيهُ الأقربُ في ذهني وعلى هذا فإن ناتجَ هذه الخصوصية إنسان متفرِّد في صفاتهِ وخصائله يعرفهُا من تعامل معه ورأى هذا الاختلاف بعد أن عاصر وعايش الشخصية العمانية .ولقد أصبحت هذه القيم الوطنية هي التي تمنحُ الخصوصية والتميُّز لشعبٍ دون غيره فسأحاول إلقاء الضوء على بعض القيم الجوهرية التي ميَّزت العمانيين وشكَّلت شخصياتهم عبر مراحل التاريخ مع أنه يصعب علينا أن نحصيها ولكن سأعمل جاهدا على محاولة حصر ما أمكن من هذه الصفات والقيم النبيلة والعادات والتي تميز بها الشعب العماني .وبداية عند التمعن في قيم وصفات الشعب العماني نراه يتَّصف بصفةِ التسامح عامَّةً إذ نرى الإنسان العماني لا يحملُ الضغينةَ في قلبه لأنه وعى على أن الضغينة ثقلٌ على القلبِ فإن ثَقُلَ أبطيءَ الخطوَ في نهضته ومع إشراقة النهضة المباركة في عام 1970 بقيادة جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ عملت حكومة السلطنة بدون هوادة على إرساء قواعد العدل والمساواة بين المواطنين كافة فرسخت مبادئ التسامحُ والإخاء والتكافل المتأصلة في ثقافة المجتمع العماني ودعمت ذلك بسلسلة من القوانين والإجراءات لإقرار الحقوق الأساسية للجميع بدون تمييز .ولقد أرسى السلطان قابوس المعظم دعائم تربية التسامح للشعب في السلطنة، حيث تجلت في العديد من خطبه وكلماته التي دعا من خلالها الإنسان العماني إلى الالتزام بروح التسامح والألفة والمحبة فقال "إن التزمت في الفهم الديني لا يؤدي إلا إلى تخلف المسلمين وشيوع العنف وعدم التسامح في مجتمعاتهم وهو في حقيقة الأمر بعيد عن فكر الإسلام الذي يرفض الغلو وينهى عن التشدد لأنه دين يسر ويحب اليسر في كل الأمور " .لهذا بدا الشعب العماني متسامحًا في كبرياء غفورًا دون منَّةٍ ورياء يغفرُ للجاهلِ زلَّته وللحليمِ عثرته وللأحمقِ علَّته وللسفيهِ طيشه وبهذا نال عزَّته ورفعته .يقول الرحالة جون أوفنجتن في زيارته لسلطنة عُمان عام1693 وهو يصف العمانيين" إن هؤلاء العرب على قدر كبير من دماثة الخلق يُظهِرون لطفًا وكرمًا كبيرين للغرباء فلا يحتقرونهم ولا يُلحِقون بهم أذى جسديًّا.وهم على تشبثهم الثابت بمبادئهم والتزامهم الراسخ بدينهم لا يفرضون تلك المبادئ وذلك الدين على الآخرين.كما أنهم لا يغالون بالتمسك بها مغالة تجردهم من إنسانيتهم أو من حسن معشرهم فالمرء يقطع في بلادهم مئات الأميال دون أن يتعرض للغة نابية أو لأي سلوك فج .لقد كان من آثار التسامح العماني أن سُمح لأتباع الديانات الأُخرى بممارسةِ شعائرهم في البلاد بكلِّ أريحيَّة في الكنائس والمعابد وغُيِّر مسمَّى الوزارة المعنية بالشؤون الإسلامية إلى وزارة الأوقاف والشؤون الدينية .كما أن التسامحَ خصوصية سياسية تعدُّ نهجًا عمانيًّا أصيلاً لا حيادَ عنه في أبجديات السياسة العمانية، حيث تدلُّ المواقف والشواهد التاريخية على ذلك إذ إن عمان قد تسامحت مع أعداء الماضي بل ورحَّبت بهم في أرضها وأكرمتهم وهو ما يدلُّ على علوِّ قيمة التسامح لدى الشعب العماني.أمَّا داخليًّا فإن التسامحَ قد سادَ في مواقفَ كثيرة في التعاطي مع بعض الأفكار والتوجهات باستخدام الحكمة والحنكة بديلاً عن العنف والشدّة .فالإنسان العماني يتمتع بكبرياءٍ حميدٍ وإباءٍ جليل ويشهدُ على ذلك التاريخ حيث إن الإنسانَ العماني لم يرضَ الضيمَ ولم يقبل بالمهادنةِ مع المحتل الذي أراد استباحة أرضه ونهب خيرات شعبها فهو إنسانٌ صاحبُ نخوةٍ وبسالةٍ وشجاعة وذلك لأن العيشَ تحتَ رحمةِ محتلٍّ طامعٍ فيه إذلالٌ له وقمعٌ لحريَّته وامتهانٌ لكرامته لهذا سعى أن يحرِّر هذه الأرض الشريفة من براثنِ الشرِّ وأذناب الأطماع فكان له ما أراد.هذا الإباء ولَّد فيهم خاصيَّة الاعتماد على النفس وعدم الركون إلى ما يقدِّمه الآخرون من مساعداتٍ أو هبات.وهذا ما أشار إليه قائدُ عمان حين تولَّى مقاليد الحكم في البلاد وما أعظم تلك الكلمات الصادقة التي نطق بها جلالته ـ حفظه الله ورعاه ـ في خطاب العيد الوطني العاشر في العام 1980م, حين قال «كنا فقراء في كل شيء لكن كنا أقوياء في أصالتنا وعقيدتنا وفي عزمنا وإصرارنا على النجاح رغم كل العراقيل والعقبات التي كانت تعترضنا» .إن الثقافة التي تحملُ في جوهرها القدرةَ على النُّهوض والإرادة القويَّة للتعاطي مع المحن هي ثقافةُ الفخرِ بعينه تلك التي لا تعقبها عوامل الانهزامية ولا الضعف ولا الوهن وهي الثقافةُ التي جعلت المواطن يفخرُ بانتمائهِ لها لأنها غرست فيه علوَّ الرأس وكرم العطاء وأبعدته عن الشعور بالاستكانةِ عند الحوادث والمحن وأمدَّته بالإيمان الحقيقي والرؤية العملية لتجاوز كافة الصعاب والتحديات .لقد أدار العمانيون أزمتهم بكل ثقة واقتدار وقدمت عمان في إدارتها لأزمة جونو نموذجًا في المسئولية وفي القدرة على التعامل مع الأزمات سيحتذى مستقبلاً من قِبل آخرين .