يعد أحد أبرز علماء عُمان في القرن التاسع الهجري

مسقط ـ العمانية :
يُعد العلامة صالح بن وضاح المنحي من أبرز علماء عُمان في القرن التاسع الهجري، وبقيت أعماله الفقهية متناثرة في خزائن المخطوطات العمانية إلى أن تصدى لمهمة جمعها وترتيبها قيس بن أحمد بن سالم الوضاحي وقد قام بطباعتها مركز ذاكرة عمان في العام 2016م تحت عنوان "جوابات الشيخ صالح بن وضاح المنحي (ت 875هـ)" وجاء الكتاب في 680 صفحة من الحجم الكبير.
ينتمي العلامة صالح بن وضاح إلى أسرة علمية اشتهرت بالعلم والفقه، حيث تبدأ السلسلة من العلامة الوضاح بن أحمد المنحي من علماء القرن السادس الهجري والمنحي نسبة إلى مدينة منح، والشيخ الوضاح كان معاصرًا للعلامة أبي بكر أحمد بن محمد بن صالح القري النزوي المتوفى سنة 546هـ. وكذلك العلامة القاضي وضاح بن محمد بن أبي الحسن بن محمد بن أبي الحسن بن محمد بن الوضاح من علماء نهاية القرن الثامن وبداية القرن التاسع الهجري.
وتتلمذ الشيخ وضاح على يد الشيخ القاضي محمد بن عمر بن أحمد السيجاني. وللشيخ وضاح ثلاثة أبناء هم صالح صاحب هذه الجوابات ومحمد وربيعة. فمحمد هو الابن الأكبر للشيخ وضاح ويكنى به، ولم يجد الباحث أي جوابات تذكر للشيخ محمد فيما اطلع عليه من الكتب العمانية، وأما الشيخ ربيعة فله الكثير من المسائل والجوابات في كتب الفقه العمانية. والشيخ عبدالله بن صالح بن وضاح بن محمد، والشيخ محمد بن أبي الحسن بن صالح بن وضاح، وهو من علماء نهاية القرن التاسع وبداية القرن العاشر الهجري، وكان زاهدًا عابدا، وقد نقش اسمه على محراب مسجد الشراة بمنح سنة 922هـ. وكان على تواصل مع الإمام محمد بن إسماعيل.
ومن هذه الأسرة أيضًا الشيخ الفقيه الوضاح بن محمد بن أبي الحسن بن صالح بن وضاح بن محمد، وهو من علماء القرن العاشر الهجري وقد عاصر الخلاف الذي وقع في عمان بعد مبايعة الإمام بركات بن محمد بن إسماعيل ومعارضة العلامة أحمد بن مداد الناعبي، وخاتمة سلسلة العلماء من أسرة الوضاح المنحي الشيخ محمد بن وضاح بن محمد بن أبي الحسن بن صالح بن وضاح الذي عاش في نهاية القرن العاشر وربما أدرك القرن الحادي عشر. وانقطعت من بعده سلسلة العلماء من هذه الأسرة.
ولعل الشيخ صالح بن وضاح يكون الأبرز من بين هذه الأسرة العلمية العريقة، فقد تتلمذ علي يدي والده الشيخ وضاح بن محمد والشيخ القاضي سليمان بن أبي سعيد، ثم انتقل إلى بهلا قاصدًا الشيخ العلامة أحمد بن مفرج البهلوي فاغترف منه علمًا كثيرًا ولازمه فترة طويلة من الزمن.
ومن أبرز تلامذة الشيخ صالح بن وضاح الشيخ محمد بن علي بن عبدالباقي، والشيخ محمد بن عبدالسلام، والشيخ عبدالسلام بن الإمام أبي الحسن بن خميس بن عامر، والشيخ صالح بن عمر بن أحمد بن مفرج البهلوي، والشيخ ثاني بن خلف بن ثاني بن محمد بن جحدر اليحمدي، والشيخ شائق بن عمر الأزكوي، والشيخ الفقيه سليمان بن ضاوي بن سعيد النخلي.
وتنوعت مؤلفات الشيخ صالح بن وضاح منها كتاب "التبصرة" مخطوط في جزأين، وكتاب "البصيرة" جوابات الشيخ صالح بن وضاح، وكتاب "سيرة في البيوع المحرمة"، وكتاب "سيرة في معرفة أهل العلم بعمان"، هذا عدا عن الجوابات المتفرقة في كتب الأثر العمانية التي قل أن تجد كتابا إلا وبه العديد من جواباته. وكانت وفاته رحمه الله في يوم الثلاثاء من جمادى الآخر سنة 875 للهجرة.
ومن شدة حب الشيخ صالح بن وضاح للعلم فإنه لم يتوان في استغلال كل فرصة أتيحت له، فأثناء ذهابه لأداء فريضة الحج استغل تلك الفرصة العظيمة فأخذ علم القراءات من بعض علماء الحرم أثناء تواجده هناك، حيث قرأ على أحد العلماء القرآن الكريم بروايات القرآن الكريم بروايات القراءات السبع وحصل على إجازة لمتن الشاطبية، والإجازة مؤرخة بيوم الثلاثاء 29 من شهر شوال سنة 850هـ أي قبل وفاته بخمس وعشرين سنة.
ويشير الباحث قيس الوضاحي إلى أن هناك من قام من قبل بجمع آثار الشيخ صالح بن وضاح تحت عنوان "جوابات الشيخ صالح بن وضاح المنحي" وربما يكون أحد تلامذة الشيخ، وتوجد نسختان من هذه الجوابات واحدة في خزانة المخطوطات بوزارة التراث والثقافة وبها نواقص وخالية من اسم الناسخ وتاريخ النسخ واسم الجامع، أما النسخة الثانية فتوجد في مكتبة الشيخ سالم بن حمد الحارثي فهي مكتملة قام بنسخها عبدالله بن راشد بن خميس بن عامر الراجحي نسخها للشيخ عبدالله بن سعيد بن سنان المنذري سنة 1022هـ، كما أن الناسخ قد أغفل ذكر من جمع هذه الجوابات. وبرغم العنوان إلا أن هذه الجوابات اشتملت على جوابات علماء آخرين من علماء القرن التاسع وبداية القرن العاشر الهجري، بجانب جوابات الشيخ صالح بن وضاح.
فقد قام الباحث قيس الوضاحي باستخلاص جوابات الشيخ صالح وترك جوابات العلماء الآخرين، كما استخرج جوابات الشيخ صالح من مخطوط كتاب "منهاج العدل" وكتاب "خزانة الأخيار" وكتاب "الإيجاز" وكتاب "كنز الأجواد" وغيرها من المخطوطات.
وتعكس جوابات الشيخ ابن وضاح تفاصيل ومناخ الفترة التي عاش فيها العلامة صالح بن وضاح، وإصدار الجوابات سيتيح للباحثين قراءتها بصورة علمية أعمق بعد ان كانت حبيسة المخطوط. كما تعكس هذه الجوابات شبكة العلاقات التي كونها العلامة ابن وضاح مع غيره من علماء عمان.
ومن القضايا التي اشتملت عليها هذه الجوابات رسالة الشيخ صالح إلى قضاة المسلمين والعلماء والصالحين والصلحاء والمتفقهين بشأن تلاعب عوام الناس بحرمة شهر رمضان. وقد عاصر العلامة صالح بن وضاح السلطان سليمان بن المظفر (توفي 871هـ" 1467م) وولده المظفر بن سليمان الذي توفي في 874هـ"1470م، وقد طلب السلطان سليمان العلماء صالح بن وضاح وأحمد بن مفرج، وورد بن أحمد ليتشاور معهم بشأن إقامة صلاة الجمعة فاجتمعوا في نزوى، وأبى العلماء وانكروا واجتمعت كلمتهم على انها لا تجوز.
وقد عاصر الشيخ صالح بن وضاح الإمام أبا الحسن بن خميس بن عامر الذي بويع بالإمامة سنة 839هـ بعد موت الإمام مالك بن الحواري وبقي في الإمامة إلى أن توفي سنة 846هـ. وللشيخ جواب إلى الإمام أبي الحسن بشأن اعتزاله عن الإمامة.
ومن القضايا الشهيرة التي وقعت في زمان العلامة صالح بن وضاح قضية غرق الحجاج حذاء قريات بعد مغادرتهم بندر مسقط، وقد وقعت بين الشيخ صالح وتلميذه محمد بن عبدالباقي نقاشات ومباحثة بشأن حكم الغرقى.
فابن عبدالباقي يقول: :فهذه السفينة طلعت من بندر مسقط قصدها مكة المشرفة وفيها من أهل عمان وغيرهم، فيها من أهل ولد عبدالله بن حسن الشريف، وهو عمر بن عبدالله، ورجل من بني المكحول، ومن أهل بهلا سعيد بن صالح بن عمر بن أحمد بن مفرج، ومسعود بن محمد بن سرحان بن دهمان، والأزهر بن عبدالله بن الأزهر، ومن أهل منح وإزكي، والذين غرقوا في هذه السفينة يزيد على سبعين رجلا والله أعلم، قرب القريات فاختلف في ذلك القضاة منهم صالح بن وضاح، وعبدالله بن مداد، وورد بن أحمد فمال صالح أنهم موتى، ومال ورد وعبدالله إلى أنهم أحياء مفقودون، ونفسي تميل إلى حياتهم مع أنهم مفقودون أن السفينة نصلت، فصار كل أحد يتعلق بخشبة وكل مشغول بنفسه، وما شهد أحد على موت أحد بعينه حتى يكون ميتًا، وشهادة الستة النفر على غرق السفينة لا يقتضي الشهادة على الموت ولو رأوا جماعة موتى حتى يشهدوا أنه فلان بن فلان من صفته كذا وكذا...." هذا بجانب غيرها من القضايا التي تزخر بها الجوابات.