تونس ـ العمانية:
تونس بلاد لها عمق حضاري ضارب في طيات التاريخ يعود إلى أكثر من ثلاثة آلاف سنة فقد تعاقبت عليها حضارات عديدة من الفينيقيين إلى البيزنطيين إلى الرومانيين إلى العرب المسلمين الى الأتراك الى الأندلسيين الذين أعطوا تونس كيانها الحضاري الذي هي عليه اليوم.
إن هذا التفاعل جعل شعب تونس متشبعا بثقافة عميقة متأصلة امتازت بعادات وتقاليد عديدة شملت الجوانب الاجتماعية والثقافية والعمرانية والدينية، ففي الجانب الديني تتعدد المناسبات الدينية ومن أهمها شهر رمضان المبارك الذي يطلق عليه التونسي باللهجة المحلية " سيدي رمضان " وبحلوله تزدان البلاد بحلة جميلة فتتزيّن دور العبادة بالأنوار وكذلك المراكز والمحلات التجارية والمقاهي والشوارع.
ينكب التونسي في الشهر المبارك على تلبية حاجاته الروحية، فترى الناس زرافات بعد الانتهاء من إفطارهم يتوجهون إلى المساجد للصلاة والاستماع إلى الدروس الدينية، وتنشط حركة ثقافية ترشح بالبعد الصوفي كالموسيقى الروحية، وهي موسيقى المدائح والأذكار النبوية، كما توجد فرق صوفية مشهورة تحفظ الموروث الديني منغما، ويكون لها حضور بارز في ليلة القدر.
وتنظم في شهر رمضان فعاليات وأنشطة لختم القرآن الكريم يشارك فيها العديد من الأشخاص من مختلف الدول العربية، وتشتهر المائدة التونسية خلال الشهر المبارك بحضور أكلات معينة منها " البريك " و " الحساء " بأنواعه و"البسيسة" عند السّحور.
كما يحتفل التونسيون بعيد الفطر في احتفالات ذات طابع روحي حيث الاستغراق في العبادة وزيارة الأقارب ومساعدة الفقراء والمحتاجين وتوزيع أصناف الحلويات التي تعدّها النساء في الأسبوع الأخير من شهر رمضان على الزّوار والأطفال عند زيارة المقابر.
ويفتتح النّاس أوّل أيام إفطارهم بأكلات خاصّة كـ "الشرمولة" وهي مرق حلو مصحوب بطبق السّمك المقلي أو المطهوّ في المناطق السّاحلية و" الحساء" بأنواعه "المحمّصة"
و"الحلالم" الذي يصنع من اللّحم والخضر بشمال تونس ووسطها وجنوبها.
ويحتفل التونسيون في مطلع العام الهجري بإعداد الطبق الكسكسي "بالقديد" الذي يعدّ في عيد الأضحى ويخزّن لهذه المناسبة وفي هذا اليوم تتزاور العائلات وتتبادل الأكلات، ويهرع الناس إلى دور العبادة للاستماع إلى سيرة الرسول محمد - صلى الله عليه وسلم - وذكرى هجرته المباركة.
وتبرز عادات وتقاليد اجتماعية وثقافية عدّة في المجتمع التونسي أهمها حفلات الزواج حيث لا ينتهي الاحتفال بالزواج التونسي في يوم واحد، وإنما غالبا يمتد إلى سبعة أيام ويكون مسبوقا بـ"الخطبة" التي تكون للتعارف بين أهل الخطيبين وتقام بقراءة الفاتحة بعد إحضار الخطيب مصوغا لخطيبته مع بعض الهدايا وكعكة مرطّبات دلالة على الاستبشار بالمستقبل ثم تبدأ فترة تجهيز العروسين لعش الزوجية واقتناء تجهيزات منزلهما المستقبلي فإذا أزف موعد الزواج فإن الاحتفالات تمتد أسبوعا كاملا وتكون الليلة السادسة لحفلة الزواج مخصصة لإعداد العروس إذ تحتجب في المنزل وتبدأ الاحتفالات بـ"حمام العرس" وهو حمّام تقصده الفتاة بصحبة أترابها تليه ليلة الحنّاء والنقش وهي ليلة مميزة تسبق حفل الزفاف بيومين وتسمى "الوطية" ويرتدي فيها الشاب والفتاة ملابس تقليدية جميلة كـ"الجبة" للشاب و"القفطان" للفتاة ويعقد القران في أجواء احتفالية مميزة وتنصب موائد الطعام للمهنئين التي تتكون من الأكلة التونسية المشهورة الكسكسي و"الطاجين" و"السلطة المشوية".أما في اليوم الأخير من الاحتفال بالزواج فيقصد الشاب والفتاة صالونات للحلاقة والتجميل ثم يصطحب العريس عروسه إلى منزل والديها ثم إلى قاعة الأفراح لينتهي الاحتفال البهيج بقصد أحد النزل لقضاء شهر العسل.
وللتونسي عادات وتقاليد تخص اللباس وهو يختزل الهوية الحضارية المتميزة بثرائها وانفتاحها، ولأهمية اللباس التقليدي في تونس يحتفل به في 16 مارس من كل عام فيرتديه الموظفون في مقرات عملهم والتلاميذ في مدارسهم.ورغم اختلاف أنواع اللباس التونسي وتمايز أشكاله بين مناطق البلاد فإنه يتكون في الغالب للمرأة من الجبة بأنواعها "القفطان الموشي بالفضة والذهب السفساري والملية والحولي والحرام وقطع الحلي كالخلخال والريحانة والفرد والخواتم" ومن الجبة "البرنس والقسابتت والكشطة والشاشية والبلغة للرجل".
ورغم انحسار ارتداء اللباس التقليدي والاقتصار على ارتدائه في المناسبات فإنك لا تجد منزلا تونسيا خاليا منه.
ويأتي الفن بأشكاله المختلفة: الموسيقى والمسرح والسينما والرسم ليختزل هذه العادات والتقاليد الدينية والاجتماعية بتعبيرات فنية راقية تتغنى بالموروث وتجعله مرجعا لحياتها الحاضرة والمستقبلية.