الحمد لله الذي أمر بالأمانة، ونهى عن التضييع والخيانة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وعد الأمناء بالثواب العظيم، وتوعد من خان بالعقاب الأليم، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبد الله ورسوله الصادق الأمين، وخير مبلغ لشرع رب العالمين، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين، والتابعين له بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد، فيا عباد الله: اتقوا الله في السراء والضراء، حال الشدة والرخاء، (وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار)، واعلموا ـ رحمكم الله ـ أن الله مطلع عليكم في ليلكم ونهاركم، في حركاتكم وسكناتكم، فالله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء (ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مين)، إن استشعار الانسان لمراقبة الله عز وجل يجعله مخلصا له سبحانه، لا يبتغي من عمله رياء الناس، وطلب السمعة والجاه (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين)، فالرقابة الذاتية والإخلاص مطلب في كل عمل، بل هي مع الأمانة أركان مهمة في الوظيفة، لأنها متعلقة بعزة الوطن ومجده وتقدمه، والمتهاون فيها متهاون لفرض افترضه الله عليه، يقول الله تعالى (ياأيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون)، هذه الأمانة لا بد لها من أسس تقوم عليها بدءا من عفة الشخص عما ليس له، إلى اهتمامه بحفظ ما استؤمن عليه، وعدم التفريط به والتهاون بشأنه، وصولا الى تأدية ما يجب عليه من حق لغيره حتى يحقق قول الله تعالى (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها). أيها الناس: إن من مقتضيات الوظيفة ان يعرف صاحب العمل واجباته وحقوقه، فلا ينبغي له أن يهمل حقه، ولا أن يقصر في واجبه، ومعرفة الانسان ما عليه في الوظيفة تجعله لا يتكل في عمله على غيره، بل يباشر عمله دون توان أو كسل، واضح الهدف، وفق تخطيط جيد، مؤديا عمله على أكمل وجه، كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم : (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه)، ومن الاتقان في العمل الاقتداء بالمحسنين وعدم تقليد المقصرين المهملين، ولكن مع الأسف الشديد نرى بعض الناس ـ هداهم الله ـ إن كان من يرأسهم مقصرا كانوا مثله، بحجة أنه هو المسؤول، وأنه أدرى بالعمل، فلما رأوه اتخذ الاهمال مسلكا قلدوه، وهذا خطأ كبير، إذ الواجب على الانسان أن يراقب ربه، ويتذكر ان كل إنسان محاسب عن نفسه (كل نفس بما كسبت رهينة)، فإن الله سائل كل إنسان عما قدم من عمل صغير أو كبير (وكل صغير وكبير مستطر)، لن ينفع الانسان يوم القيامة هذا الذي كان مهملا مقصرا، بل ينفعه بعد رحمة الله عز وجل عمله الصالح وجهده. إخوة الإيمان: إن من صور مراعاة حق الوظيفة أن لا يسيء الموظف استعمال وظيفته، بأن يحرص على إنجاز معاملة من يعرف، وإهمال معاملة من لا يعرف. وهذا من الظلم الذي نهى عنه المصطفى عليه الصلاة السلام حين قال : (المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يسلمه). ومن العجب في سوء استعمال الوظيفة، أن تجد بعض الناس يتجاوزون حدود الله في التعامل معها، فمنهم من يرتشي على ما يقدمه من عمل متغافلا ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن الراشي والمرتشي، وأن هذا من أكل الأموال بالباطل قال الله تعالى (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها الى الحكام لتأكلوا فريقا من أمول الناس بالاثم وأنتم تعلمون)، ولا يخفى عليكم ـ عباد الله ـ أن من سوء استعمال الوظيفة إفشاء الأسرار، وهو أمر نفر منه ديننا الحنيف، محذرا من مغبة الوقوع فيه، فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (كفى بالمرء إثما ان يحدث بكل ما سمع)، وجاء في بعض الأثر : (إن الخيانة أن تحدث بسر أخيك)، وإذا كان إفشاء سير الشخص عظيم الخطر ـ يا عباد الله ـ فإن إفشاء سير العمل أعظم خطرا، وأشد ضررا، لتعلقه بأناس كثيرين، وإن المرء ليعجب من أناس استأمنهم رب العمل أو مسؤوله على أمر ثم يذيعونه، متجاهلين النهي الوارد في ذلك، فضلا عن تجاهلهم ما يسببه إفشاء أسرار العمل من خطر، فإنه ليس كل الناس مؤتمنين، بل منهم من يتربص بكم الدوائر، فالعاقل لا يفشي سير عمله، ولا يخرج متعلقاته لغيره، بل يحفظ السر كحفظه نفسه وماله. فاتقوا الله ـ عباد الله ـ، وأيقنوا أن حسن الاهتمام بمقتضيات الوظيفة يعزز الكفاءة ويرفع الانتاجية، ويؤدي الى جودة الانجاز. أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه يغفر لكم إنه الغفور الرحيم، وادعوه يستجب لكم إنه هو البر الكريم. *** *** *** الحمد لله الذي جعل الخلق في الاسلام حصنا منيعا، ورتب عليه مغفرة وأجرا عظيما، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبد الله ورسوله، خير الناس خلقا، وأحسنهم تعاملا، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه الطيبين، ومن تبعهم بإحسان الى يوم الدين. أما بعد، فيا عباد الله: إن من الأمور التي يعزب عنها ذهن كثير من الناس ضرورة حسن التعامل مع الآخرين، الذي هو أساس الخلق القويم، ولأهميته وفضله زكى اله نبيه صلى الله عليه وسلم به فقال: (وإنك لعلى خلق عظيم)، وخلق الإنسان يظهر في تعامله مع الآخر، فإن كان فاحش القول، سيئ التعامل كان أبعد الناس عن الله وعن الخلق، وإن كان سمحا لينا، حسن القول والفعل، كان أقربهم إلى الله والى الخلق، عن جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إن من أحبكم إلى وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحسنكم أخلاقا، وإن أبغضكم إلي وأبعدكم مني مجلسا يوم القيامة الثرثارون المتشدقون، قالوا: يا رسول الله قد علمنا الثرثارون، ما المتشدقون: قال: المتكبرون)، ولهذا عندما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإيمان، قال : (الصبر والسماحة)، ومن المواضيع التي يغفل فيها بعض الناس عن أهمية الخلق، مقر العمل، فتجد بعضهم يغصبون لأدنى خطأ ممن جاء يطلب إنجاز معاملته، والأصل أن على الإنسان أن يتحمل هفوة الناس، ابتغاء الأجر من الله، وليكن قدوة في عمله لغيره، فالله دعاه الى حسن القول حيث قال : (وقولوا للناس حسنا)، ومن الأخطاء المتعلقة بهذا الجانب أن يعامل الموظف الناس وفق مزاجه، فإن كان حسن المزاج انبسط لهم وهش وبش، وإن كان متعكرا أو في ضيق عبس وبسر، وصرخ في وجه هذا، وأخطأ بحق ذاك، بدعوى همه، وتعكر صفوه، وما ذنب هذا الذي أتى لانهاء معاملته بهمك وضيقك؟ بل ما أدراه عنه؟ وإن كان على المرء التماس العذر لأخيه، فإن الناس ليسوا جميعا سواء، وليس كلهم للظن محسنين، ومن ثم كان على العاقل أن يفصل بين مزاجه وبين عمله، ولا يجعله مرتبطا به، فإن تحسن مزاجه كان عمله متقنا، وإلا أهمل وقصر. فاتقوا الله ـ عباد الله ـ وكونوا بحسن الأخلاق متمسكين، ولهدي المصطفى في تعامله مقتفين، فإنه القدوة والمثل الأعلى، ولهذا كان مدح القرآن له والثناء. هَذَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى إِمَامِ المُرْسَلِينَ، وَقَائِدِ الغُرِّ المُحَجَّلِينَ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ تَعَالَى بِالصَّلاةِ وَالسَّلامِ عَلَيْهِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ حَيْثُ قَالَ عَزَّ قَائِلاً عَلِيمًا: " إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا " اللَّهُمَّ صَلِّ وسَلِّمْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ وسَلَّمْتَ عَلَى سَيِّدِنا إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيمَ، فِي العَالَمِينَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ، وَعَنْ أَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِينَ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ، وَعَنْ المُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.اللَّهُمَّ اجْعَلْ جَمْعَنَا هَذَا جَمْعًا مَرْحُومًا، وَاجْعَلْ تَفَرُّقَنَا مِنْ بَعْدِهِ تَفَرُّقًا مَعْصُومًا، وَلا تَدَعْ فِينَا وَلا مَعَنَا شَقِيًّا وَلا مَحْرُومًا.اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ وَالمُسْلِمِينَ، وَوَحِّدِ اللَّهُمَّ صُفُوفَهُمْ، وَأَجْمِعْ كَلِمَتَهُمْ عَلَى الحَقِّ، وَاكْسِرْ شَوْكَةَ الظَّالِمِينَ، وَاكْتُبِ السَّلاَمَ وَالأَمْنَ لِعِبادِكَ أَجْمَعِينَ. اللَّهُمَّ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ يَا ذَا الجَلالِ وَالإِكْرَامِ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ بِكَ نَستَجِيرُ، وَبِرَحْمَتِكَ نَسْتَغِيثُ أَلاَّ تَكِلَنَا إِلَى أَنْفُسِنَا طَرْفَةَ عَيْنٍ، وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ، وَأَصْلِحْ لَنَا شَأْنَنَا كُلَّهُ يَا مُصْلِحَ شَأْنِ الصَّالِحِينَ.اللَّهُمَّ رَبَّنَا احْفَظْ أَوْطَانَنَا وَأَعِزَّ سُلْطَانَنَا وَأَيِّدْهُ بِالحَقِّ وَأَيِّدْ بِهِ الحَقَّ يَا رَبَّ العَالَمِينَ، اللَّهُمَّ أَسْبِغْ عَلَيْهِ نِعْمَتَكَ، وَأَيِّدْهُ بِنُورِ حِكْمَتِكَ، وَسَدِّدْهُ بِتَوْفِيقِكَ، وَاحْفَظْهُ بِعَيْنِ رِعَايَتِكَ.اللَّهُمَّ أَنْزِلْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاءِ وَأَخْرِجْ لَنَا مِنْ خَيْرَاتِ الأَرْضِ، وَبَارِكْ لَنَا فِي ثِمَارِنَا وَزُرُوعِنَا وكُلِّ أَرْزَاقِنَا يَا ذَا الجَلالِ وَالإِكْرَامِ. رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلمُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ، المُسْلِمِينَ وَالمُسْلِمَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، إِنَّكَ سَمِيعٌ قَرِيبٌ مُجِيبُ الدُّعَاءِ.عِبَادَ اللهِ: " إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ "