كتب ـ خالد بن خليفة السيابي:عندما فكر المصور حمد المنوري في التقاط صورة تحمل في تفاصيلها عراقة الماضي، لم يتردد في شد رحاله إلى ولاية الرستاق، خاصة وأن ذاكرته لا تزال تحمل تفاصيل معلم تاريخي ـ يحمل من البصمات الفنية ما لا ينسى مهما طال الوقت وبعدت المسافات ـ إنه حصن الحزم، أحد المعالم الدفاعية العمانية التقليدية الذي يعود تاريخه الطويل الممتد لأكثر من 300 سنة. يتميز الحصن بوجود العديد من أشكال المعالم الدفاعية العمانية التقليدية مثل الأبراج المحصنة وأبراج وفتحات المدافع في الطوابق العليا وأنفاق الهروب السرية والبوابة الخشبية الضخمة وهناك مساقط أعلى المدخل الرئيسي لصب الزيت أو عسل التمر المغلي على المهاجمين المندفعين.وفي هذا الإطار قال المصور حمد المنوري: التاريخ يفرض علينا نحن المصورين أن نقدم للمتلقي ما تزخر به بلادنا من معالم تاريخية وأثرية والسلطنة بها ما يكفي من إرث خالد إلى يومنا هذا وهناك العديد من المعالم التي قمت بزيارتها ولكن حصن الحزم استوقفني كثيرا خلق بداخلي هيبة الحضور وهو من أجمل وأفخم الحصون العمانية وقدم لي دروسا سوف أنقلها لكم بعدستي وأتمنى من خلال مجموعة الصور أن أوفي حق هذا الكيان الشامخ والراسخ التي شيدت جذوره في عصر اليعاربة، ورغم الفخامة المعمارية لهذا الحصن، الذي يؤكد على استحكامه العسكري، إلا أنه مليء باللمسات الجمالية بدءاً من موقعه وسط القرية المحاطة بأشجار النخيل الباسقة، وفلجها الدافق بالماء، وكأنه نهر صغير، حيث يمر داخل الحصن، ثم إلى ضواحي القرية، عبر ساقية تعد هي الأخرى إبداعا في هندسة الأفلاج. وأضاف"المنوري": يمتاز الحصن من الناحية المعمارية بعدم وجود أي أخشاب في سقوفه، التي هي عقود مستديرة ثابتة على أسطوانات "أعمدة " كما لا يقل عرض الجدار الواحد "الحائط" عن ثلاثة أمتار وللحصن عدة أبواب ضخمة لا تلتقي بممر واحد، وبه عدة مدافع أثرية برتغالية وأسبانية تتفاوت في الأشكال والأحجام وتاريخ الصنع ، ومن بين المدافع المعروضة وجود مدفع عماني لم يعرف تاريخ صنعه، تزن قذيفته تسعة أرطال وتشير البحوث إلى أن النحاس الذي استخدم في تصنيعه يحتوي على نسبة عالية من النيكل، بالإضافة إلى أن النحاس المستخدم استخرج من مناجم النحاس في صحار . وأضاف المنوري: يعد الباب من أفخم أبواب الحصون في عمان، وبحسب الكتابة التي حفرت في الجزء الأيسر منه ، يمكن أن نقرأ أنه صنع في مدينة سرب الهندية ، وذلك في ربيع الآخر سنة 1124هـ، ما يعني أن الباب قد مرَّت على صناعته حتى الآن 311 سنة هجرية. وفي الجزء الثاني نقرأ هذا العبارة: "للسيد المعظم إمام المسلمين سلطان بن سيف بن سلطان نصره الله".وختم حمد المنوري بقوله: "ليست فخامة الباب وحدها التي تلفت نظر الزائر، بل النقوش التي عليه، ليبدو أشبه بلوحة فنية، تتداخل فيها النقوش والكتابات، مع زخرفتها برؤوس نحاسية، ليبدو أن كل قطعة من هذا الباب فيه لمسة حانية من القرون الثلاثة التي مرت عليه، ورغم ذلك لا يزال الباب قائما بجماله وجلاله، يبوح بأسرار الزمن العماني البعيد والجميل وفي الطابق الأرضي من حصن الحزم، يستمتع الزائر بسماع خرير المياه المتدفقة في الفلج، عبر ساقية عميقة، يمر بمسابح للاستحمام والاغتسال، تتنوع النقوش التي تلوح في المشربيات أشكالا جمالية، تكسر من القسوة التي تتسم بها كثير من الحصون الحربية، ليبدو حصن الحزم من الداخل أشبه بقصر فاخر، يسحر الناظرين.