تقول حكمة هندية: "أخبرني حقيقة ثابتة لكي أتعلّم، وأخبرني حقيقة صادقة لكي أؤمن، ولكن أخبرني قصة لتعيش في قلبي مدى الحياة". ويعرّف التاريخ بأنه تسجيل ووصف وتحليل الأحداث التي جرت في الماضي، على أسس علمية محايدة، للوصول إلى حقائق وقواعد تساعد على فهم الحاضر والتنبؤ بالمستقبل. والتاريخ: فن يبحث عن وقائع الزمان من حيث التعيين والتوقيت، وموضوعه الإنسان و الزمان. (السخاوي)ويقول مصطفي لطفي المنفلوطي: من يعرف التاريخ العام الذي سبق يضيف إلى عمره عدد سنوات ذلك التاريخ. أما نابليون فقال: على ولدي أن يقرأ تاريخا ويطالع ويتنشق العلم، وإن قرأ فليقرأ ويحلّل التاريخ ...، وفي الأثر قال ابن خلدون: إنّ في التاريخ العظة والعبرة، فنحن ندرس تواريخ الدول والملوك لنتعلّم، وندرس سير الأنبياء لنتأسّى بهم، وندرس تجارب الأمم ونرى ما وقعت فيه من الأخطاء لننجوا بأنفسنا عن مواطن الضّرر. (الحويري، 2001، ص 19-22).ولنربط الأمور ببعضها فإنّه لا بد لي وأن استعرض نظريات النمو الاجتماعي والأخلاقي لدى الطفل، مع التأكيد على ما يخدم البحث فيمّا إذا كان تقديم التاريخ في قالب أدبي وقصصي للأطفال أفضل من تقديمه في قالب معلوماتي مبسّط، أم لا.تقول النظرية النفسية النظرية المعرفية (بياجيه): الطفل يحتاج إلى تنمية الشعور بالمسؤولية والتعاون مع الآخرين ومشاركة الكبار له، كما يحتاج إلى تنمية إحساسه بالانتماء لوالديه بداية لأنّ هذا يساعده في النجاح في عديد من الأمور في مستقبل حياته. (ميللر،2005،89:90)أما النظرية الاجتماعية (اريك أريكسون) فتؤكد على أهمية الدور الذي يمكن أن تقوم به المعايير الخلقية للطفل والتي يستخدمها في حكمة على المواقف الاجتماعية المختلفة في تكوين شخصيته وفي حياته الاجتماعية ونموه المعرفي. (العناني، 2011،:48)بينما ترى نظرية التعلم الاجتماعي (البرت بندورا) ضرورة أن يقوم الأهل بتوفير نماذج إيجابية لأبنائهم من أجل تقليدها. ويري البرت بندورا أن الإنسان كائن اجتماعي يعيش ضمن مجموعات من الأفراد يتفاعل معها ويؤثر ويتأثر فيها، وبذلك فهو يلاحظ سلوكيات وعادات واتجاهات الأفراد الآخرين ويعمل على تعلمها من خلال الملاحظة والتقليد. (الحموري، وآخرون ،2015،258:257). وأخيرا يرى كولبرج في نظرية النمو الخلقي أن الأطفال لهم أخلاقيات خاصة حيث إنهم لا يتكيفون فقط لقواعد ثقافاتهم ولكنهم يتكيفون وفقا لآرائهم الخاصة التي تتكون من خلال تفكيرهم الخلقي. (ابوجادو،2015،125:124)وعلى المستويين الثقافي والديني لمجتمعاتنا العربية نجد استعمال القرآن القصة استخداما واسعا في تثبيت القيم الإيمانية وترسيخها في النفوس. واستُعملَ الأسلوب القصصي في أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، كونه أبلغ الطرق لتوثيق الفكرة، وإصابة الهدف التربوي، نظراً لما فيه من تدرج في سرد الأخبار، وتشويق في العرض، وطرح للأفكار، كما أن القصة تصدر مقترنة بالزمان والمكان، اللذين يغلفان الأحداث بإطار يمنع الذهن من التشتت وراء الأحداث. (أحمد فريد: التربية على منهج أهل السنة والجماعة، ص:266 بتصرف).ويتمثّل أثر القصة في نفس المتلقّي في مجموعة من الاتجاهات، منها المشاركة الوجدانية، حيث يشارك الأبناء أبطال القصة مشاعرهم وانفعالاتهم، فيفرحون لفرحهم، ويحزنون لحزنهم، وكأنّ أحداث القصة تحدث الآن. إضافة إلى التقمّص والمقارنة، إذ أن سامع القصة يضع نفسه موضع أشخاص القصة، ويظل طيلة القصة يعقد مقارنة خفية بينه وبينهم. فإن كانوا في موقف البطولة والرفعة والتميز، تمنّى لو كان في موقفهم ويصنع مثل صنيعهم البطولي، وإن كانوا في موقف يثير الازدراء والكراهية حمد لنفسه أنه ليس كذلك. والقصة تتيح للأبناء إمكانات الفهم المتعددة، وتترك أمامهم المجال واسعاً للاستنتاج والاستخلاص.وفي استعراضي لبعض الحقائق أؤكد على مجموعة منها، حيث ناشد أطباء نفس الأطفال مؤخراً الأمهات بضرورة العودة لحدوتة قبل النوم التي ترويها الأم أو الجدة بصوتها الحنون، بدلاً من الاعتماد الكلي على ما تعرضه أجهزة التلفزيون وأشرطة الفيديو؛ لأنّ وجود الأم إلى جوار ابنها قبل نومه يزيد من ارتباطه بها، ويبثّ في نفسه قدراً كبيراً من الطمأنينة، ويجنّبه أيّ نوع من المخاوف أو القلق، ويمنع عنه الأحلام المفزعة أو الكوابيس في أثناء النوم. كما أن وجود الأم إلى جوار ابنها قبل نومه يزيد من ارتباطه بها، ويبثّ في نفسه قدراً كبيراً من الطمأنينة، ويجنّبه أيّ نوع من المخاوف أو القلق، ويمنع عنه الأحلام المفزعة أو الكوابيس في أثناء النوم .كما طالب التربويون بذلك لأنّ سرد القصة أو الحدوتة على مسامع الطفل قبيل نومه له أهمية خاصة؛ كون أحداثها تختمر في عقله و تثبت في مركز الذاكرة في المخ في أثناء النوم فتظل راسخة في ذاكرته، ويصعب عليه نسيانها، الأمر الذي يجعل منها وسيلة رائعة ومثمرة من وسائل التربية، كما أن سرد أخبار العلماء العاملين والنبهاء الصالحين ـ مع التركيز على فترات الطفولة في حياتهم ـ من خير الوسائل التي تغرس الفضائل في النفوس، وتدفعها إلى تحمل الشدائد والمكاره في سبيل الغايات النبيلة والمقاصد الجليلة، وتبعث فيها السمو إلى أعلى الدرجات وأشرف المقامات.وقد أدركت وزارة التربية والتعليم أهمية الأسلوب القصصي؛ فأدخلته في عديد من كتب المرحلة الأساسية، وخاصة كتب اللغة العربية والتربية الإسلامية؛ لأنّه أسلوب ووسيلة من الوسائل ذات الأثر الملموس، ويتماشى مع فلسفة التعليم الأساسي الذي يأخذ على عاتقه أن الطالب محور العملية التعليمية، وركيزة للتعليم وللتعلّم .ويعدّ العرض القصصي أحد الأساليب ذات الأهمية الكبيرة في مخاطبة وجدان الطالب وعقله معاً. كما أن الرواية القصصية تُحدث تنوّعاً معرفياً لدى الطلبة من خلال الأفكار والحوادث وما يتخللها من عمليات عقلية لدى الطلبة في الربط والتحليل والتفسير والتقويم ، وغيرها من العمليات العقلية التي قد يحدثها الأسلوب القصصي. ( أبو عودة، 2004: 6).كما أنّ الأسلوب القصصي أسلوب مهم للتوضيح وإثارة دافعية المتعلمين، وعامل مهم في نشر الاتجاهات، وتعديل السلوك، والدعوة إلى التحلّي بمكارم الأخلاق، وبخاصة لدى أطفال المرحلة الأساسية، ذلك أنّ الأطفال يحبون الاستماع إلى القصص دون ملل، لأنها تتفق مع ما لديهم من خيال واسع، كما أنّها تساعد على تثبيت العقيدة في نفوسهم، ومعايشة القيم والأخلاق، وتكامل المعرفة. (محمود، 2004 :144).ومما تقدّم نجد أن القصة مهمة للطفل كونها تبدأ من الواقع الذي يعيشه وتقترب به تدريجيا من عالم الكبار، وتعطي الأطفال شعورا واضحا بالعلاقة بين خبراتهم الشخصية وخبرات الإنسانية كلها، ولها دور كبير في تنمية الطفل نموا متكاملا في جوانب شخصيته الجسمية واللغوية والعقلية والانفعالية والاجتماعية، وتزوّد الطفل بمختلف المفاهيم العلمية والاجتماعية والحركية وغيرها بطريقة سهلة ومشوقة، وتساعد الطفل على تعميق وعيه بتاريخه وتراثه الديني والقومي والخلقي، والقصة بما تحتوي من مضمون خلقي واجتماعي توجه الأطفال توجيها غير مباشر، وتساعده على تقريب المفاهيم المجردة لعقله. (سليم،2005،44:43)وبناء على ما سلف، وبالنظر إلى نتيجة الاستطلاع الذي أجريناه على عينة من الأطفال تتراوح أعمارهم بين 9-13 عاما، أكدّ 96% منهم رغبته في تعلّم التاريخ بوساطة القصص الأدبية التاريخية سواء التي تعتمد على السرد الأدبي المبسّط، أو السرد المقترن برسوم توضيحية. وفاء الشامسية