في الآية عدة أساليب نحوية وكلها أساليب تتعانق في سبيل توضيح المعنى الزوجة جزء من نفس زوجها وهي قطعة منه يسعد بسعادتها وتسعد لسعادتهد.جمال عبد العزيز أحمد:ما أجمل أن يعيش المسلم في ظل آيات الكتاب العزيز!، وما أحلى أن يتذوق بلاغتها!، وقيمها التربوية التي بها سينصلح الحال ويستريح البال، هكذا هي دوماً آيات الله المتفضل المتعالي، صاحب العطايا والهبات والفضل المتتالي.يقول الله عز وجل:(وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (الروم ـ 21).طهارة المجتمعفي الآية عدة أساليب نحوية، منها أسلوبُ التقديم والتأخير، وأسلوب التعليل، وأسلوب العطف، وأسلوب التوكيد، وكلها أساليب تتعانق في سبيل توضيح المعنى، وتتآزر في سبيل كشف دلالة القرآن الكريم في هذه الشعيرة الإسلامية الكريمة، والفضل الإلهي الكبير، المتمثل في شرعة الزواج، التي بسببها تكون طهارة المجتمع، ونظافة الإنسان، واستقامة السلوك، واعتدال الطريق، فكلنا يشهد الفارق الكبير، والكبير جداً بين المجتمعات المسلمة المحافظة، والمجتمعات الغربية والأوروبية المترخصة التي تموج بالفتن، واختلاط الأنساب، وضياع الهُوِيَّة الشخصية، حيث لا يعرف الولدُ أباه، وتخرج البنت من سنِّ السادسة عشرة عن طوع أبيها، وتختار لها وليفاً وصديقاً، وتنتقل منه إلى غيره بلا ضابط، ولا خلق، وبلا قيم، ولا معايير، ولا يمكن للأب أن يثنيها عمَّا هي ماضية فيه، ولا عازمة عليه، ففي أسلوب التقديم والتأخير، الذي هو من عوارض التركيب المتمثل في قوله تعالى:(ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً)، اعتبر القرآن الكريم خَلْقَ الأزواج آية من آياته، فقال:(ومن آياته ..)، و(مِنْ) هنا تبعيضية، أيْ: أن ذلك الزواج آية واحدة من الآيات الكثيرة ، ومن مئات وآلاف الآيات لله، الموجودة في كونه الآيات والمنتشرة في أرضه.الثبات والاستمراروقدَّم القرآن الكريم شبه الجملة:(من آياته) ليبين عظمة تلك الآية، وعِظَمَ أثرِها، وكبيرَ خطرها على البشر والمجتمع، ثم أخَّر المبتدأ، وهو المصدر المؤول:(أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً)، أيْ من آياته خَلْقُ الأزواج من الأنفس، والمصدر المؤول ـ كما هو معروف ـ اسم، والاسم يفيد الثبات والاستمرار، فهذه الآية معانيها ودلالاتها أزلية مستمرة، لا يمكن لأحد منعها أو تحريمها أو تعطيلها أو تغييرها أو تبديلها، والتعبير بـالفعل الماضي: (خلق) يفيد إنفاذ المشيئة، وسريانها منذ القدم، وهو أمر يريح المسلم، ويجعل قلبه مطمئنًّا على تشريع ربِّه: أنه في حكم الدائم المستمر، وهو قد كان منذ الأزل:(منذ آدم وحواء) يقول الله تعالى:(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً).المرأة مكسب للرجلفالزواج نعمة من نعم الله على مر العصور وتعاقب الدهور ورحمة من العزيز الغفور والكريم الشكور، الذي خلق عباده ويعلم ما في دواخلهم يدور. وقوله:(خلق لكم) يعني أن المرأة مكسب للرجل، فاللام في:(لكم) للملكية والاكتساب، والنفع والصلاح، وهي مخلوقة رقيقة لتكون نفعاً وكسباً، ورحمة لزوجها وعوناً، كأنها مِلْكُه وهو أحق بها وهي أولى به، فلو أنك قلتُ:(هذا الكتاب لك) لصار ملكًا لك تسعد به في أيِّ وقت شئتَ، وتفيد منه في أيِّ زمن أردتَ، فالزوجة راحة، وكلها للرجل سعادة، وكأنه بها امتلك كلَّ فرحة، ودخل في كل مراد له، وكل سعادة، وابتعد عن كل حزن، وألم وترحة، فأصلُ خلقِها للرجل، وهو هدف ربانيٌّ أصيل، به يكتمل الرجلُ، ومن خلاله تتحقق له كلُّ غاية، وكلُّ هدف، ويصل إلى كلِّ مأمول، ومطلوب، وقوله:(من أنفسكم) هو كناية عن القرب الشديد، والود الأكيد، فالزوجة جزءٌ من نفس زوجها، وهي قطعة منه، يسعد بسعادتها، وتسعد لسعادته، يحس هو بها، وتشعر هي به، وإذا كان هو خارج بيته حزينا، وجدتْ هي نفسَها كذلك، وإذا كان فرحًا مسرورًا شعرت بفرحة غامرة داخلها، وبسعادة تغمرها ذلك لأنها جزءٌ من كلٍّ، وفرعٌ من أصل، والجزء يكتمل بكلِّه، والأصل يَحِنُّ إلى فرعه، والفرع يأتنس بأصله، فإذا شعر كل زوج بأنَّ زوجته هي بُضعة منه، حَرَصَ على إسعادها، وأصرَّ على إدخال السرور عليها، وإذا كانت سعيدة شاركها، وإذا كانت مريضة ساعدها، وخفف عنها، وما أشعرها أن شيئاً في بيته قد قلَّ أو نقص، وإذا كانت مشغولة أعانها؛ لأنها جزءٌ منه، ومخلوقة من نفسه: (وخلق منها زوجها)، بها يأنس، ولها يحنُّ، وعن طريقها يستكنُّ، ويستريح وما للحياة يَهين، ويضعف، أو يئِنُّ، وفي بيتها يشعر بكمال إنسانيته، وتمام سعادته، وهي تبادله شعورًا بشعور، وسرورًا بسرور، ويدها على يده: تعاونه، وتشد على يديه، ومن أزره، وتقوِّي عزيمته، وتزكِّي إرادته، وهو ما كانت تقوله أمنا أم المؤمنين خديجة، حبيبة رسول الله (صلى الله عليه وسلم):(والله لن يخزيك الله أبداً، إنك لتصل الرحم وتحمل الكَلَّ، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق)، إنها معه في مشوار الحياة: بحلوه ومُرِّه، وصفائه وكدره، ووُسعه وضِيقه، وغِناه وفقره، وعُسره ويسره، ومكرهه ومنشطه، وسفره وإقامته، وهي جزؤه الأصيل، ونصفه الذي يَشَمُّ منه الهواء العليل، ويصدر عنه القول الجميل، يقول الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم):(النساء شقائق الرجال)، والزوجة مع زوجها نَفَسٌ واحد، ونَفْسٌ واحدة، وفؤادُ نابض، وقلب على المحبة والمودة مستمسك، رابض، ويدٌ حانية، وأخلاق سامية، وتعاون وتناغم، ومودة وتفاهم، تسانُدٌ ليس فيه تعانُدٌ، ووئامٌ ليس فيه خصامٌ، فكيف يخاصم المرء جزءاً منه؟!، وبضعة انفصلت منه لتعود إليه؟!، رقيقة، رفيقة، بلسماً يشفي، ويداً ناعمة تَحْني بيديها، وفي قلبها تُؤوِي وتَحمي، وفي بيتها تربِّي الأبطال، وهو من تعب يديها أولادا يَجني، أولاداً كباراً في جمالهم، وفي عقلهم، وفي فهمهم، فالعين لله تبكي، على نعمة ما أسدى ويُسدي، وأعطى، ويُعطي.* جامعة القاهرة ـ كلية دار العلوم بجمهورية مصر العربية[email protected]