تعد المناطق الصناعية المنتشرة في ولايات السلطنة، في صيغتها المفترضة، بيئات اقتصادية آمنة منظمة منتجة، ملتزمة معايير ونماذج عمل وطنية، مستفيدة من التوجهات والنماذج العالمية المجيدة في إدارة هذه البيئات، مستوعبة لأنشطة اقتصادية وتجارية وخطوط إنتاج مباشرة وغير مباشرة لها صبغة وهوية البيئة المحيطة بها، لذلك لم تعد مجرد محلات لعرض مجموعة من الأنشطة الاقتصادية والتجارية؛ بل ارتبطت بعوائد استثمارية وأنشطة تنافسية إنتاجيته، يعود أثرها على التنمية الصناعية في المحافظات، وتعزيز برامج التنويع الاقتصادي وسياسات الدولة الاقتصادية بما يعزز من رفد موازنة الدولة بموارد مالية، متكافئة مع حجم العمليات الإنتاجية بهذه المناطق والجهود المبذولة لبلوغها مستويات مناسبة من التنظيم والتأهيل وإعادة التوزيع الجغرافي والإنتاجي لها، لذلك لم تعد المسألة مجرد حيازة نطاق جغرافي بعيد عن المجمعات السكنية، بل إلى أي مدى تمتلك هذه الخريطة الجغرافية، مقومات البيئات الصناعية الذكية في قدرتها على استقطاب الأنشطة الاقتصادية والإنتاجية والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة والاستثمارات الداخلية والخارجية، والأثر الإيجابي الذي تحدثه في مسيرة التطوير الاقتصادي والاكتفاء الذاتي، وانعكاسات ذلك كله على سعادة المواطن وقناعاته وفتح المجال له للاستثمار والتمكين الاقتصادي، باعتبارها مناطق صناعية جاذبة تتوافر بها مختلف مقومات البيئات الاقتصادية الذكية، وتتفاعل بشكل تلقائي مع طبيعة التحول في المنظومة السكانية والإسكانية والاحتياج والتوقعات، لذلك كانت بحاجة إلى إدارة مؤسسية ذكية متكاملة، تتسع عناصر الإنتاج فيها، بحجم تنوع وتعدد مؤسسات الدولة المعنية بهذه البيئات، وحضور قوي للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة في رسم خريطتها الإنتاجية، فهي مطالبة اليوم بتحقيق مستويات عليا من التوازن في الأنشطة الاقتصادية والتجارية نوعا وكما، ومطلوب منها أن تتعامل مع حجم الاحتياج المجتمعي من الصناعات الخفيفة والمتوسطة والأنشطة النوعية المتخصصة، بحيث تعمل على تحقيق الاكتفاء الذاتي للمحيط الجغرافي الذي تعمل فيه كحد أدنى، وهي بحاجة إلى أن تضمن وجود مؤسسات ومراكز للتطوير الإداري والفني والصناعي والتخصصي والبحثي، والتجارب وأنظمة الاتصال والدعم المعلوماتي والأمني والإسعاف والحالات الطارئة، ومراكز الدراسات الاستراتيجية المسحية ودراسات الجدوى، والمراكز العلمية الصناعية والبحثية والمختبرات الداعمة، وعرض لنماذج الصناعات والمنتجات، ومراكز مراقبة العمالة الوافدة ومتابعة المجمعات السكنية، وبنية أساسية في تصريف المياه، وتعدد المداخل والمخارج، ورصف شبكات الطرق الداخلية والمناطق الأخرى المغذية لها، وعمليات ربط إلكتروني بالعمليات الرقمية لرصد التحولات والفرص والتحديات الداخلية والخارجية، بما يضمن سهولة التعامل مع أي خلل أو حريق أو تسريبات للغاز أو انقطاع للكهرباء، بالشكل الذي يمنحها فرصا أكبر لإدارة متوازنة متطورة فاعلة، تعمل على بناء مساحات الثقة لدى المواطن أو صاحب المشروع في نوعية الأنشطة التي يعمل عليها، ومطلوب منها إعادة صياغة نمط العمل وآلياته وترقية نماذج التميّز فيه، في ظل ما تفرضه من ضوابط ومعايير أداء تطبع عليها خصوصيتها وهويتها بشكل تلتزم فيه بالمعايير المحددة من الهيئة العامة للمناطق الصناعية أو مرجعيات العمل الأخرى، مع منح إدارات المناطق الصناعية ومجالسها، صلاحيات إدارية وتنظيمية وتسويقية مضبوطة، بالشكل الذي يتيح لها مرونة اختصار الإجراءات وفق النظام والقانون، ويمنحها قوة المنافسة في تشغيل هذه البيئات وتوفير الاستثمارات والأموال لها، ومطلوب منها إيجاد بيئات ترفيهية وملاعب وحدائق ومتنزهات، وبيئة عمل جاذبة تضمن تفاعل المجتمع المحيط بها، ووجود منافذ للتسويق وعرض الأنشطة الإنتاجية، وبيئات تنافسية، تستخدم أحدث الأدوات والابتكارات في عمليات التشغيل والتطوير والتحسين للمنتج.ومع التأكيد على ما تبذله الجهات المختصة بالدولة من جهود في التعامل مع هذه الحزم التنظيمية والتطويرية والتحسينية الداعمة؛ إلا أنها بحاجة إلى جدية أكبر في تطبيقها على أرض الواقع، وفق إطار مقنن، تتناغم فيه الطموحات، وتتشارك خلاله المؤسسات أولويات العمل، لتبرز على الواقع تحولات نوعية في إدارة البيئات الصناعية، عبر إعادة صياغة نمط العمل فيها، وتعميق الدور الاستثماري والتسويقي لمنتجاتها، وأن تعاد فيها عمليات التوزيع أو الرسوم الممنوحة وطبيعة الأنشطة وعمليات التوزيع له، وتعزيز الاستثمار المحلي والخارجي، بما يضمن تنوعا في طبيعة الأنشطة التي تقدمها، تنعكس على موقعها في الخريطة الاقتصادية الوطنية، وتعمل على تحقيق الاكتفاء الذاتي في العديد من الأنشطة التي يحتاجها المجتمع. والاستفادة من الخبرات الإقليمية والدولية في طريقة إدارة المناطق الصناعية وتقسيماتها وآلية توزيعها ومعايير عملها وقياس مستويات الأداء فيها والعائد منها، بما يضمن مسارات عمل واعدة من هذه المناطق، تعزز من سعي الحكومة على زيادة قطاعات الإنتاج والصناعات الخفيفة والمتوسطة في خططها التطويرية. فإن الآمال معقودة على أن تشهد هذه المناطق تحولات جذرية في عملية التوسع والانتشار أو في احتضانها مجمعات صناعية عملاقة، ومؤسسات صغيرة ومتوسطة نموذجية، تلتزم أفضل الآليات وأدق الممارسات في عمليات الإنتاج وحسن الاستثمار الأمثل للموارد والإمكانيات المتوافرة بها، وتقليل فاقد العمليات المتكررة، الناتج من حالات الفوضى والإهمال وضعف البنية الأساسية وضعف عمليات التنظيم والرقابة والمتابعة، وعدم وضوح أولويات التطوير الحاصل في العديد منها، وإيجاد إطار وطني يحدد مواصفات هذه المناطق كبيئات اقتصادية ذكية، ومفاهيم العمل بها، ومرجعيتها، وتقسيماتها الإدارية ومستوياتها التنظيمية، وضبط الممارسات الأخرى، عبر استخدامها مصادر الطاقة البديلة والطاقة النووية النظيفة، بجعلها بيئات خالية من النفايات، ملتزمة شروط إعادة الإنتاج، والتخزين والحفظ والتبريد، والاستفادة من التقنية والأنظمة الإلكترونية، بالتجديد في الأنشطة والتنويع في المنتج. د. رجب بن علي العويسي [email protected]