سعيد بن محمد الصقلاوي
تتوسم هذه القراءة الثقافية النقدية الولوج الى صباح مقصورة الشاعر أحمد بن حمدون الحارثي والتعرف على جنبات مسيرته ومن ثم إلقاء الضوء على ردهات مقصورة هذه الشخصية الفذة التي رسمت لنا ملامح الحراك الثقافي والإنساني السائد في وقته في عمان وفي المهجر. ولذا فإن الحديث يتركز على قراءة خطوط عامة رسمت حول شخصية الشيخ الشاعر أحمد بن حمدون الحارثي مفتي زنجبار.
بالنظر إلى دولاب حياته نرى أنها كانت تدور حول محوري عُمان وزنجبار، وكان كل محور منهما له أهميته وخصوصيته، إذ إن المحور الأول كانت تدور عليه عجلات البداية، واستأثر المحور الثاني بالنهايات التي شخصت ملامح حياته في صورتها الكمالية، ولذا آثرنا أن ندور معه في حديثنا حول المحورين ذاتهما قبل أن نسمح لأنفسنا بالولوج إلى مملكته الشعرية.
في مدينة المضيرب من مدن ولاية القابل بالمنطقة الشرقية ولد أحمد بن حمدون بن عبد الله بن سليمان بن محمد بن عيسى بن رجب الحارثي عام 1323 هـ وقبل عام 1324 هـ.
كان أول ما آنست إليه نفسه، هو ذلك الشعر الصافي الذي كان يحفظه والده - تلميذ نور الدين السالمي - فيرسله زخات لتروى عطشه، وكانت المكتبة التي حوت نفائس المأثورات العربية من الذخائر الأدبية والدينية والتي عني بها في اللغة العربية وآدابها، وتشرب من والده أحاسيسه بروافد التاريخ الذي ولع به واستطاع أن يكتب فيه "كما حرص أن تضيء بصيرة ولده بنور العلوم الدينية والثقافة الإسلامية وأن يكون له مثلا يحتذى في خدمة الأخوين ورعايتهم.
ولقد أثرى مداركه المناخ الثقافي الذي كان يتنقل في محيطه وكذلك بيئته المحلية التي كانت تضيف إليه كل يوم جديدا في مجالات المعرفة سواء في الطب الذي اشتغل به عمه الشيخ عبدالله بن حميد أو الفقه والأدب الذي كان ينشر عبقه الشيخ عيسى بن صالح والشاعر الفقيه الشيخ أبو حميد حمد بن عبدالله السالمي.
تلقى علومه الأولى من تعلم القرآن وفقه اللغة العربية بنحوها وصرفها وبيانها ومعانيها، وكذلك العلوم الدينية من فقه وحديث وأصول وغيرها على يد أساتذة ذلك الوقت أمثال الشيخ عبدالله الجهضمى والشيخ يزيد البوسعيدى من أهل منح، وفي نزوى حيث كانت مركز العلم ومنبع المعرفة تعهده المشايخ ومنهم المعلم، حامد بن محمد " وهو أحد مشاهير العلماء بنزوى، والشيخ عامر بن خميس العزري، والشيخ على بن زاهر.
وأتيحت له فرصة أن تتلمذ على يد الإمام محمد بن عبدالله الخليلي وتسنى له ملازمته ومشاركته في أمور كثيرة، وكل هذه الروافد العلمية والثقافية والحياتية قد تجمعت في مصب واحد انبثـق عنه شاعر بدأت أولى مراحل اندفاعه الشعري في العشرينات من عمره تقريبا. عندما عزم الرحيل إلى زنجبار كانت له أسبابه الخاصة التي دفعته إلى التفكير في الرحيل بعيدا عن وطنه وأهله وعشيرته، وكان عمره إذ ذاك يناهز الخمسين أي في الفترة الواقعة بين عامي (1374-1373 هـ).
وبالرغم من حداثة زنجبار التي لم يألفها سابقا، والتي كانت تصطخب فيها المؤثرات المعاصرة مادية كانت أم اجتماعية أم روحية، إلا أنه استطاع أن يتفاعل معها، ويسير في ردهاتها الجديدة دون تأثير سلبي منها عليه، وذلك بتحصين نفسه روحيا بعلوم الفقه التي كانت تفتح له مغاليق الحياة، وتمنعه من تياراتها كنهج النزل الشعري الذي أحب الكتاب فيه، واتخذ الكتب الدينية التي أكثر فيها المراجعة والدرس بديلاً عنه.
وأصبحت زنجبار بالنسبة له مناخاً ثقافياً وعلمياً وحياتياً جديداً، أتاح له كثيراً من فرص الاتصال وتوثيق العلاقات ومدها على مساحة المجتمع الجديد الذي شد الرحال إليه، فتهيأ له الاقتراب من السلطان خليفة بن حارب والمشاركة بآرائه في الأمور الدينية التي كان المجتمع في مسيس الحاجة إليها.
ولقد كان الجو الثقافي في زنجبار يختلف في طابعه وسماته عن الجو الثقافي الذي عهده الشاعر في عُمان، حيث تمكن من الاطلاع على الثقافات المختلفة والآراء العديدة عبر النشرات والمطبوعات والصحف والمجلات المحلية، وكان للمواطن العُماني حظ وافر في النشاط الثقافي السائد بالإسهامات المختلفة، خاصة في مجال الصحافة الذي برز فيه السيد سيف بن حمود بن فيصل، والشيخ هاشل بن راشد المسكرى، والشيخ عبدالله بن سليمان الحارثي، وكانت تربطه بهؤلاء وغيرهم علاقات حميمة أرفدت ذاكرته الثقافية.
كما أن الوفود العلمية القادمة إلى زنجبار من اليمن وحضرموت ومصر والدول المجاورة واتصاله بهم واجتماعه إليهم، فتحت له مجالات المعرفة الجديدة المتطورة وحفزته لأن يوثق علاقاته بالعلماء مثل الشيخ بن سميط العلوي الحضرمي، كما أهلته لأن يكون أحد المراجع الفقهية والدينية الهامة في أفريقيا، فوفد إليه طالبو العلم وعاشق المعرفة، وتتلمذ على يديه العديد ممن أصبحوا بعد ذلك علماء مميزين، ومنهم الشيخ أحمد بن حمد الخليلى.
لقد أكب الشيخ أحمد على الدراسة العلمية الدينية ومراجعة الكتب الفقهية، فتصوف فكرا ونفساً ووجداناً، وأفاض شعراً دينياً يعبر عن اتجاهاته، ويشير إلى حياته الجديدة التي ارتضاها لنفسه وبيته الذي كانت فيه زوجته المعروفة ببنت حسين بن محمد، والتي لازمت زوجها ودعمت نهجه الجديد بتدريس القرآن في مدرسة خصصتها لذلك. لم يستطع أحمد بن حمدون الحارثي كبح ارتفاع درجة السكر الذي كان يعانى منه طويلا، إذ لم يكن بقربه طبيب يساعده على ذلك، ففاضت روحه إلى بارئها عام 1966 م - 1387 هـ، ولم ينجب أطفالاً يحملون اسمه ويملأون بذريته في عمق الزمن، ولكنه خلف علماً وأدباً ومكتبة كبيرة سطا عليها اللصوص بعد أن اقترفوا فعلتهم البشعة ومزقوا زوجته بالسكاكين ونهبوا البيت ومحتويات المكتبة.
تضمن أدبه نوعين من الفنون الأدبية هما: النثر والشعر، وظل النثر مقتصراً على الرسائل الأدبية والإخوانية، والأحاديث والخطب، وما سمح به الزمن من كتابات كان عمودها الدين،
ومدادها الثقافة الإسلامية، فتعددت الشخصيات التي كان يحاورها عاطفيا في رسائله وفكريا في مكاتبته، وفقهيا في أسئلته وأجوبته، من بين هذه الشخصيات:سيف بن محمد الطوقي وعبدالله وحمود بني حمد الحرث وأبناء محمد بن سالم المطاوقة والشيخ القاضي سالم بن حمد الحارثي. يصفه سماحة المفتي الشيخ أحمد الخليلي الذي كان تلميذ الشيخ أحمد بن حمدون الحارثي: في قوله: "كان الشيخ أحمد بن حمدون بن حميد الحارثي كاتبا أديبا، عنده ملكة في الكتابة، وما كان يُعْنى بالخطابة، وإنما كان متمكنا في الكتابة، وكان عندما يلقي خطبة تكون مكتوبة، ولكن خطبه فيها قوة في التعبير، ورصانة في الأسلوب، وجزالة في الألفاظ ".(د. محمد بن سالم الحارثي: آثار الشيخ أحمد بن حمدون الحارثي)
وكان الاستاذ ونعني به الشيخ احمد بن حمدون الحارثي مفتيا لزنجبار أي يشغل نفس المنصب الذي يشعله الآن في عمان تلميذه سماحة المفتي أحمد الخليلي.
واحتل الشعر مساحة في فكره وشكل منطلقا عضوياً صاحب مراحل حياته الثقافية
والاجتماعية، منذ أن حلقت نفسه في فضائه الفسيح في العشرينات من عمره الذي عانق فيه زهرة الشباب أزاهير الحب وتنقل فيه طائرا من أيكة إلى أخرى، مترنماً بحب الحياة، وحب الطبيعة، متغزلا بكل جميل، استلقى بين جفونه وغفا في حناياه، وسافر في دمه. والطبيعة التي سرح بصره في فجاجها وشعابها ووديانها وجبالها وانبساطها الذي يمتد بامتداد الأفق ،دونما عائق، تنعم بهدوئه الظباء والجمال والخيول وسائر الأنعام، وعيونها التي تبوح بالحياة، وكثبانها التي تمتص في جنباتها الحركة والسكون، سر الحياة المتدفق في الأغصان الحية أو الساكنة على السواء. هذه الطبيعة الحبلى بكثير من الأشياء شجعته إلى أن يتصل بها وأن يتعرف على لغة مجتمعاتها البدوية على نحو خاص والحضرية على نحو عام، فانطلق شعوره متفاعلا مع عناصرها المختلفة كالبرق والرعد والطيور والنسيم والبدر والضياء وغيرها معبرا عن هذا التفاعل في أول الأمر بالشعر النبطي الذي ملك عليه اندفاعه نحو الشعر، وحبه للأدب فتحاور في أول الأمر مع أبناء عمه محمد بن عيسى بن صالح، وعبد الله بن احمد بن صالح وغيرهم.
ونسجت هذه المحاورات والمساجلات شعرا مطرزا بالغزل ضمنه في ديوان لم يمهله الزمن فرصة التنفس واستنشاق الحياة، وكان هذا اللون من الشواهد الركيزة الأساسية لانطلاقته الشعرية الفصيحة التي لم تحظ منها إلا بالقليل بسبب فعل الزمن وتقلبات الحياة.
بالرغم من وجوده في مناخ اجتماعي وثقافي في زنجبار، وبالرغم مما حظي به من مكانة اجتماعية، ومنزلة علمية وحضور ثقافي بين عشاق العلم والأدب، وبالرغم من مظاهر الحياة وأسباب المعيشة المتطورة. إلا أن ذلك لم ينسه حبه لبلاده، وعلى نحو أخص المضيرب، وكانت الذكرى هي موقد الحنين الذي يشتعل في أمواجه ويهيج شوقه، ويثير لواعجه، فهبوب النسيم يذكره بنسيم المضيرب، وشروق الشمس يذكره بمطلع الشمس في المضيرب، وركض الجياد يذكره بجياد المضيرب، فكل شئ يراه تسقطه ذاكرته لا إراديا على ما كان في المضيرب فيسيل حزنا، ويتوق لهفة، ويأسى تحرقا، فهو يرى في ذلك شبابه متجسدا في عينيه، وشاخصا في وجدانه، ولكنه راض بما قدر له موطنا، معودا نفسه على تقوى الله ومعترفا بأن ذلك زمن تقطعت أوصاله، ودب فيها التلاشي:

تنبه سميرى لهذا الخبر
نسيم المضيرب هبت سحر
تذكرني بمحل الجياد
وتبهجني بشقيق القمر
لمن مطلع الشمس من وجهه
ومن فيه قد يريك الدرر
لهوت به في زمان الصبا
وأنزلته في سويدا البصر
مضى ما مضى وانقضى ما انقضى
وعنه عدلت لتقوى الابر


إن أي شئ فيه عبق بلاده يشجيه ويلامس جوارحه، فيذكره بأيامه وخلانه، ومرابع صباه، يذكره بأساتذته وشيوخه وزملائه، يذكره بالمضيرب ونزوى وغيرها من مناطق عُمان فيذكر معها الخيول الأصيلة التي طالما امتطى صهواتها رشاقة وأصالة، خيولا تعايشه. كساها الحرير، وبرقعها الفضة، فهي حبيبة إلى قلبه، قريبة من فؤاده، فهي كالشمس والأخريات كالنجوم من حولها ولطالما قاسمها أيامه:

يذكرني العهد القديم الذي مضى
بأهل ودادي المرتضين لخلتي
رعى الله أياما بقرب خبائهم
تقضت علينا في زمان الشبيبة
لها الحب مغروس بقلبي مخيم
ونحفظ من أن تسام بخسة
نقاسمها شطر المعاش ونكسها
جلال دمقس مع براقع فضة
عسى تسمح الأيام لي بمحجل الثلاث
أغر الوجه ميمون طلعه
وإن عسى من دهم روكان احتوى
على مهرة شقراء مثل الجرادة
تكون من الدهم التي شاع صيتها
ومضت بحب من عصور تولت
سأوفى بوعدي عند أدراك مطلبي
بحول إلهي لا بحولي وقوتي
ولو جمعت خيل البرايا بحلبة
لكان نجوما وهي شمس الظهيرة

هذا الحنين الذي في النفس يلوح، وفي القلب يبوح هو حنين ظاهر تبعثه الذكرى للمعاهد والديار، للمضيرب وحاراتها وساحاتها وسيوحها:

أنادي مُعلِنا بفصيحِ قَولي
على عهدٍ عظيمِ القدرِ سامي
أيا (جفرَ الحضارِيْ) ألستَ تدري
ولم تعلمْ بأني إليكَ ظامي
ويا (جبلَ العريقِ) فدتكَ نفسي
وإنَّك في فؤادِي المستهامِ[
ويا (جبلَ العريقِ) ذكرتُ عهدا
مضى بالخيرِ والنعمِ الجِسامِ
بجانبِ سيحِكَ الشرقيِّ أصبو
وأذكرُ (سمرةً) خبرَتْ عظامي
بوارف ظلِّها الداني جلوسي
أراجعُ عندها كُتبَ العظام
فهلْ من نظرةٍ يوماً إليها
ولو مقدارَ يومٍ كلَّ عامِ

وآخر حنين غائر تفجره بواعث النفس الكامنة في اللاوعي والمستقرة إحساسا دفوقا في منازل الباطن يبوح شعرا شجيا لريا وأخوتها الكرام. ينساب عذبا رقيقا بدفء العاطفة جياشا حنونا صادقا:

سلامٌ في سلامٍ في سلامِ
على ريّا وإخوتِها الكرامِ
سلامٌ مثلُ زهرِ الروضِ طِيباً
يفوح ُكأنَّه مِسكُ الختامِ
ويا ريا حللتِ سوادَ قلبي
وإني من بعادِك في سقام
فلم ترقَ المدامِعُ منِّي شوقا
وحتى لم أذُقْ طعمَ المنام
تقربُ شخصَك الرؤيا بليلٍ
إذا طابَ المنامُ على المنامِ
وأصبحُ والهاً صباً مشوقاً
أكاد ألاقي من شوقي حِمامي
عسى الرحمنُ يجمعُني بريا
وإخوتِها الميامينَ الكرامِ

ولكن ريا العاطفة تجري كأفلاج بلدتها شوقا حارا، وريا المحبة تتسع عيونها حضنا لأخيها، ويزهر قلبها بساتين فرح به، وريا الانسانة تمتلئ احتفاء به وتحتشد عزة بأخيها الذي تتمثله حاضرا بين أجفانها ومخضرا في وجدانها وريانا في خلاياها وشريانها. تتوق اليه المضيرب وريا وإخوتها الكرام :

أأحمدُ جاءتِ الدررُ الآلي
ِغدت طوقي وما دون اللثام
أأحمدُ ذكرياتُك لي أعلّت
فؤاد أخوة جرح السقام
تذكرني بشوقِكَ لي وإنّي
إليك أشد شوقا في غرام
أأحمدُ هِجتَ لي شَجَنَا عظيماً
ومثلك كاشف الكرب العظام
ألم تدرِ بأنَّ فؤادَ ريا
كطير غره شرك لرامي
يمثلك التصورُ في فؤادي
فتغشاني غواش من هيام
أتذكرُ يا أخي عهداً حميداً
قضيناه كحلم في منام
وأياماً كأطواقِ العذارى
قصارا أو كأغطية المنام
وليلاتٍ على أُنسٍ وطيبٍ
ووصل من حبيب مستهام
وأنت لنا مكانُ الطَّودِ عِزّاً
وأمنا فيه كالبلد الحرام
فدًى لك ما ذكرتَ بقاعُ أنسٍ
ولو نطقت لبثت باحتشام
فمن (جبلِ العريقِ) إلى (دبيك
إلى أعلا المضيرب من كشام
تحن إليك تَهياما وشوقا
وتقريك السلام مع السلام
وبعدك أبدتِ (الغلاجي) حُزنا
خلت من ذكرك السامي المقام
عليك سلم ربي كل حين
وما غنت مطوقة الحمام
سلام مثل أنفاس العذارى
وأحسن من معتقة المدام
يدوم دوام فضلك ويبقى
بقاك وفيه مسك بالختام

ولأن الوفاء بالوعد صفة إيجابية حث عليها الإسلام ونادى بها الخلق العربي. ولأن التسامح من شيمة الرجال ومبدأ إسلامي ولأنه نشأ في بيئة عربية ومناخ ثقافي ركيزته التعاليم الإسلامية ومنطقه الأخلاق العربية الكريمة التي تحض على الإيثار، وعلى قبول العذر من البعيد قبل القريب، وتحض على مبدأ المكاشفة والمصارحة القلبية كي تتطهر النفوس من الأضغان، وحتى لا تستعر فيها الأهواء السلبية الباعثة للفرقة والشقاق. لذا فإنه لا يتوانى في قبول اعتذار ابن عمه أبى الفضل الشيخ محمد عيسى الحارثي الذي أرسله اعتذاراً أدبيا يشير فيه إلى مكانة الشيخ أحمد بن حمدون العلمية، وقدره الرفيع مقدماً الاعتذار:

نسمة الود أديري أكؤسا
من صفاء بين صحب نجبا
واعتذاري للفتى أحمد من
رام خيرا فترقى منصبا
من له بالعلم هم ولقد
فاز من نال بمعلم رتبا

وزاد هذا الموقف الأخوي المنبثق من المودة المستقرة في صميم الفؤاد والمنبعثة من مبدأ التسامح خاصة مع ذوى الرحم الذين يحضنا الدين على حسن معاملتهم والإخلاص لهم وهو أعلم بهذه الصفة الإيجابية ومردودها الإيجابي فسارع إلى اختطافهـا مقسما بإخلاصه، وصفاء مودته ومؤكداً على مبدأ الأخوة الصادقة :

نسمة الود سقتنا صرفها
من عصير لم يشابه عنبا
وأتت تنشر عذرا للرضى
خشية السخط لدى من عتبا
لا ورب العرش ما سخط بدا
أنت من نهوى حبيبا مجتبى
كيفما كنا فإنا أخوة.
حسبك المخبر عن أيدي سبا
كيف لا تقبل عذرا وهو من
شيم الحر إلينا انقلبا
طلب الصفح، وما شيء جرى
غير محض الود فيما كتبا
ضاقت الأرض علينا والفضاا
إن جفونا أو نقل لا مرحبا
لك يا خلى اصطفائي دائبا
وودادي والرضا قد وجبا

وكانت له مطارحات ومساجلات عديدة مع ابن عمه الشيخ محمد بن عيسى وكذلك مع الشيخ القاضي حمد بن عبدالله السالمي والشيخ الشاعر احمد بن عبدالله الحارثي وغيرهم.
ونلحظ مما توافر لدينا من نماذج شعرية أن تأثير الشعر النبطي تنضح خطوطه في قصائده، وتتجلى بعض ملامحه في تشكيلها وخاصة في نهايات القصائد، بالإضافة إلى الضرورات الشعرية التي تتمثل في استخدام الكلمات "نكسها "الأصل"نكسوها".
وفي الختام يبقى الشيخ الشاعر أحمد بن حمدون الحارثي بلبل الشعر المهاجر، وفقيه الحق المجاهر، ونصير اللغة الزاخر، وبيت العلم العامر. رحمه الله، وتقبل مسعاه، وأكرم مثواه.