تؤدى مهارة التحدّث دوراً مهماً للمجتمع الحديث بل للمجتمع القادم أيضاَ، ولا شك أن التحدّث من أهم ألوان النشاط اللغوي للصغير والكبير، فالناس يستخدمون التحدّث أكثر من الكتاب، أي أنهم يتحدّثون أكثر مما يكتبون؛ ولذا يمكن اعتبار التحدّث هو شكل من أشكال الإيصال اللغوي بالنسبة للإنسان وعلى إثر ذلك يعتبر أهم جزء في ممارسة اللغة واستخدامها.إننا كثيراً ما نجد أن الكثير يجعلون تعلم اللغة العربية يهدف أولا إلى التمكن من التحدث والكلام بهذه اللغة، كما أننا حينما نقول (فلان يعرف اللغة الإنجليزية، مثلا) يتبادر إلى الأذهان أنه يتحدث بها، لذا ينبغي للمعلّم أن يبذل جهده لإثارة رغبة الطلاب في التحدّث والمناقشة وميلهم بأنواع الاتصال الشفهي المختلفة، كما ينبغي معرفة الأساليب والطرق وكذلك الوسائل التعليمية التي ينبغي الاستعانة بها في مساعدة الطلاب على تنمية قدراتهم في هذه المهارة وعلى تجويد مهاراتهم.أ) مفهوم التحدّثالتحدّث هو القدرة على توظيف المهارات اللفظية واللغوية والصوتية ومهارات الفصاحة للتواصل مع الآخرين سواءً على مستوى الاستيعاب أو التعبير، ويعرفُ أيضاً بأنّه مهارةُ نقلِ الأفكارِ والمعاني من المتحدثِ إلى الآخرينَ في طلاقةٍ وانسيابٍ مع صحةٍ في التعبيرِ وسلامةٍ في الأداءِ.ويَظْهَرُ من هذا التعريف أن قوامَ عمليةِ التحدثِ يعتمدُ على أمرين:أحدهما : التوصيلُ . والآخر : الصحةُ اللغويةُ والنطقيةُ.ب) طبيعة التحـدث وأهميته:يأتي التحدث استجابةً طبيعية لمواقف الحياة المختلفة ، وهو وسيلة للاتصال بالآخرين، ومظهر بارز للشخصية ، وحصيلة مهارات متعددة، وهو من أكثر الأنشطة اللغوية انتشارًا في الحياة العملية والعلمية والاجتماعية؛ إذ يرى معظم الباحثين اللغويين أنه يُمَثِّلُ حوالي (95%) من النشاط اللغوي، مضافًا إلى ذلك أو قبل ذلك أنه يساعد على تحقيق أمرين في غاية الأهمية:1 - الوعيُ بالذات ، فالتحدثُ يشعرُ الإنسان بأن له كيانًا ، وأنه قادرٌ على التأثير في الآخرين والتواصل معهم .2 - الارتياحُ النفسي والطمأنينة والانفراج الداخلي؛ وذلك أن التدفق في الحديث فيه تنفيسٌ عن الذات وهمومها.ج) عناصـر التحــدث:ليست عمليةُ التحدثِ سهلةً، بل لا بدَّ لها من عناصرَ تتحققُ وَفْقَ خطواتٍ معروفةٍ هي :1 - وجودُ دافعٍ للكلام مع تقدير أهميةِ هذا الدافعِ، فإذا أُسِيءَ تقديرُه صار التحدث بلا قيمة.2 - التفكيرُ، وينبغي أن يكون تلقائيًا وسريعًا وغير ملحوظ، وتكون مهمتهُ الأساسيةُ تقدير الموقف وربط المعاني، واختبار مدى ملاءمتها للموقف.3 - صياغة الجملُ والعبارات التي من شأنها نقل الأفكار، وهي مرتبطةٌ بالتفكير؛ إذ لا يمكن الفصل بين مرحلة الصياغة اللغوية والتفكير.4 - الأداءُ الصوتي، فلا بد أن يكون الجهاز الصوتي سليمًا، وأن تؤدي المخارج عملها.د) وسائل تنمية مهارة التحــدث:1- إفساحُ المجال لمكتسب اللغة ليعبّر عن ذاته بحرية تامة وتعويده على الجرأة .2- تزويدُ المكتسب للغة بالمعارف الضرورية ، وتوفير وسائل الاطلاع له.3- تنميةُ أسلوب الحوار؛ وذلك بإثارة القضايا، وتعويد المكتسب على عدم الاستسلام لكل ما يقال له، بل لا بد من المناقشة والتحليل.4- البُعْدُ عن التلقين والإلقاء بجعل المكتسب محورًا للعملية التعليمية، وإشراكه في المناقشة باستمرار.5- العملُ على التخطيط لعملية التحدث والبُعْد عن الارتجال الذي يكون أقرب إلى ردود الفعل المتسرعة.6- تعويدُ المكتسب على الشعور بالثقة والارتياح أثناء الحديث، واحترام رأي الآخرين.هـ) فنـون التحــدث (أنواعه):1- المحادثـة:يحتلُ هذا الفنُ مكانةً رفيعة في الحياة العلمية والاجتماعية، ويحتاج إلى تهيؤ وإعداد نفسي وثقافي وخلقي تربوي، وإلا تَحَوَّلَ إلى ضرب من ضروب الثرثرة التي لا طائل تحتها.2- السرد وفن القصص:ويحتاج هذا الفن إلى ملكة خاصة ودربة ومران، وفيه تختلف كفاءة الأشخاص، ويتعين على المعلّم أن يحسن اختيار القصة التي يقوم بسردها على تلاميذه، ثم يطلب إليهم أن يعيدوا قصها؛ ليتدربوا على هذا اللون من ألوان التحدث.3- الحــوار:وهو محور المواقف التعليمية؛ لذا كان لا بد من انتقاء العبارات المناسبة للمواقف المختلفة مع مراعاة أطراف الحوار، وموضوع الحوار، وهدف الحوار.4- المناقشةالمناقشة مصدر ناقش، ويقصد بها الحديث المشترك الذي يكون فيه مؤيد ومعارض، وسائل ومجيب، والأساس في المناقشة أنها نشاط لإثارة التفكير الناقد، والمفهوم من المناقشة أنها اختيار ثلاثة أو أربعة يعهد إليهم ببحث الموضوع الذي يطرح للمناقشة.5- الخطب والكلماتيعرض للإنسان كثير من المواقف التي تتطلب منه إلقاء كلمة، فهناك مواقف التهنئة، وحفلات التكريم وغير ذلك. ويعدّ فن الخطابة مظهراً قوياً من مظاهر البلاغة وقوة التأثير، والخطابة ضرورة من ضرورات الاجتماع في الحياة العامة.6- الصورالكلام عن الصور مجال هام من مجالات التحدّث الذي يميل إليه الصغار والكبار. والغرض منه انتقال الذهن من الصور إلى العبارات والألفاظ التي تدل عليها، فالصور منها ما هو متحرك مثل أفلام (التلفاز، الفيديو، والراديو)، ومشاهدة الطبيعية وأحداث الحياة، ومنها ما هو ساكن مثل اللوحات المرسومة لمناظر طبيعية، أو لأفراد، أو لحيوانات، أو لنباتات. ومثل بعض مشاهدة الطبيعية الساكنة، كالجبال والصحراء والبحر وغيرها.إنّ تنمية الكلام أو الحوار تستلزم إعداد برنامج مناسب ومخطط لتحقيق أهداف محددة مستمدة من أسس الحوار الفعال ومن أهداف تعليم اللغة العربية في مرحلة دراسية معينة, بحيث يشتمل البرنامج على صياغة الأهداف واختيار وتنظيم المحتوى وتحديد طرق التدريس والأنشطة والوسائل التعليمية وأساليب التقويم المناسبة، وقد تصنف طرق التدريس حسب الجهد المبذول في كل طريقة, فتقسم الطرق في ثلاث مجموعات: أولها يشمل الطرق التي يتحمل المعلم وحده العبء فيها دون مشاركة من التلاميذ، وثانيها يشمل الطرق التي يتقاسم العبء فيها المعلم والتلاميذ. وثالثها يشمل الطرق التي يتحمل التلميذ وحده العبء فيها ويناقشه المعلم فيما توصل إليه من نتائج. أما الطريقة التنقيبية الكشفية فهي التي تعتمد على النشاط الذاتي للمتعلم, وما يبدله من جهد في كشف المعلومات الجديدة, دون أن يعطى مثيرات كثيرة .أمّا من الأساليب المستخدمة في العملية التعليمية ويكون محورها "التحدّث" :أ. المحادثة الموجهةوهي أسلوب للتدريب الشفوي المضبوط يستخدم في تعليم اللغة، ويتمّ فيها اقتراح التعبير أو الكلام الذي يقوله كل طالب مشارك في المحادثة, لتنتقل المحادثة بسلاسة بين الأطراف من خلال سلسلة مخططة من التعبيرات المألوفة, فالمحادثة الموجهة هي نوع من الحوار المخطط والمقصود يستهدف التدريب على مهارات التعبير الشفهي في المواقف الحوارية المختلفة, ويكون تحت إشراف المعلم بحيث يحدد لكل طرف من أطراف المحادثة الدور الذي يؤديه في المحادثة، وماذا عليه أن يقول.ب. الألعابهناك كثير من الألعاب اللغوية التي تعتمد على الحوار, منها ما يمارس في الحياة اليومية بغرض التسلية والمرح, ومنها ما يتخذ وسيلة لتعليم فنون اللغة وخاصة التعبير الشفهي. ويتطلب هذا النوع من الألعاب مشاركة مجموعة من الأفراد بحسب قواعد كل لعبة ويكون لكل مشارك دور محدد يؤديه.ج. المناقشةوتتضمن الحوارات هدفا محددا ومعروفا للمشاركين فيها, حيث يتبادل المشاركون الرأي حول موضوع أو مشكلة معينة, ويتعاونون في إيجاد حل أو إجابة أو قرار بشأنها، وتتطلب المناقشة تسجيلا للأفكار التي تطرح, وربطا بينها للوصول إلى حل مرضٍ.د. إستراتيجية المجموعات الصغيرةإستراتيجية المجموعات الصغيرة هي مجموعة من الطرق التي اقترحها خبراء المناهج وطرق التدريس في محاولة لتطوير الدور التقليدي للمعلم كوعاء للمعرفة, والمصدر الوحيد للسلطة داخل الفصل, ليصبح ميسراّ للتعلم ومشاركا لتلاميذه في الأنشطة الصفية من خلال تفويضهم بعض السلطة داخل الفصل.ويتطلب استخدام إستراتيجية المناقشة في مجموعات صغيرة تهيئة مناخ ملائم في الفصل يسوده الاحترام المتبادل والدعم وتنمية مهارات التقصي questioning وتشجيع روح التعاون.وتناسب طرق المجموعات الصغيرة المواقف التي تتطلب زيادة التفاعل اللفظي بين الطلاب والمعلّم, والطلاب مع بعضهم داخل الفصل وتنمية روح المسؤولية والاستقلالية في التعلم, كما تساعد هده الطريقة في تحسين مهارة التحدث والنطق والتفكير, وتضفى مناخا من التلقائية وممارسة الضبط غير المباشر على أنشطة الطلاب داخل الفصل، كذلك تتيح هذه الطريقة الفرصة للطلاب كي يبحثوا ويقوموا ويتوصلوا لرأي شخصي فهي تعلمهم مهارة التفكير الناقد .ومن الوسائل التعليمية لتنمية مهارة التحدّث هي الألعاب اللغوية، فالألعاب اللغوية من أفضل الوسائل التي تساعد كثيرا من الدارسين على مواصلة تلك الجهود ومساندتها، والتخفيف من رتابة الدروس وجفافها، تساعد الألعاب المعلم على إنشاء نصوص تكون اللغة فيها نافعة وذات معنى، وتولّد لدى الدارسين الرغبة في المشاركة والإسهام، ولكي يتم لهم ذلك لا بد أن يفهم ما يقوله أو يكتبه الآخرون، ولا بد أيضاً أن يتكلموا ويكتبوا لكي يعبروا عن وجهات نظرهم، وهكذا فإن معنى اللغة التي يسمعونها ويقرؤونها ويتكلمون بها ويكتبون بها ستكون أوفر حيوية وأعمق خبرة وأيسر تذكراً.و) الألعاب اللغوية لتعليم مهارة "التحدّث"يتعلّم الناس اللغة بالاستخدام، وغالبا ما يكون التركيز على المشافهة في بدء برامج تعليم اللغة، ويستمر النشاط الشفهي أو الحديث بعد ذلك حتى نهاية الدراسة، ولن يتأتى للدارس إتقان هذا الجانب الهام من دراسة اللغة إلا بالتدريب المتواصل والتكرار المستمر لأنماط اللغة، ولا يتم له السيطرة عليها إلا بعد فترة معقولة تبعا لخطة المقرر الدراسي، وإذا كان الكلام خاليا من الروح فلن يحقق بالطبع أيّة فائدة، ولكي يكون كلامنا ذا معنى فلا بد أن يكون له مضمون مفهوم ومحتوى هادف.ومتى كان النشاط الرئيسي للدرس شفهيا، يجدر عندئذ التحدّث عن الأشياء المحسوسة التي يمكن لمسها وتحريكها، وعن الأحداث والوقائع التي يمكن سماعها أو رؤيتها، سواء في الحقيقة أم في الصور، وينبغي كذلك العناية بتخطيط ما سنقدّمه للدارسين، واختيار ما سنعلمه وندرب عليه من تلك الأنماط اللغوية الضرورية، وسلوك أفضل السبل التي سندرس بواسطتها المادة اللغوية .وللاستفادة من الألعاب اللغوية في هذا المجال من تدريس اللغة، بديل عن التكرار الممل، وتخويف من رتابة الدروس، وتوفير لفرص عديدة للاستماع والكلام في مواقف حية وممتعة، تجعل الدارسين أكثر تفاعلا مع ما يدرسونه، وأشد تجاوبا لهذا النوع من النشاط، هناك بعض الألعاب اللغوية المتنوعة لتعليم مهارة التحدّث، فالباحث في بحثه يختار عدد من الألعاب اللغوية للتجربة في ميدان البحث، لكل لعبة لها تطبيق خاص لا تساوي مع غيرها، فهذه هي الألعاب اللغوية المستخدمة لتعليم مهارة الكلام في ميدان البحث:صيد التركةقسّم المعلّم الطلبة إلى أقسام، ولكل فرقة أعطاها المدرس أوراقا فيها المفردات الخاصة في مكان خاص مثلا المفردات في المسجد، فوظيفة كل فرقة أن تبحث المفردات التي لم يتم ذكرها في الورق أكثر ما يمكن ثم تكتبها، وبعد انتهاء الوقت، على كل فرقة أن تقدّم ما هو كل جديد من المفردات.(Interaction Chain)سلسلة التفاعلأمر المعلّم طلبته بأن يشكلوا دائرة في داخل الفصل أو خارجه، ثم أمر المعلّم الطالب الأول بأن يبدأ بذكر المفردة الواحدة ثم يستمر الطالب الذي بجانبه المفردة المبتدئة بالحرف الأخير من المفردة المذكورة للطالب الأول، مثلا، الطالب الأول يذكر: “مسجد”، فالطالب الثاني يذكر المفردة المبتدئة بحرف الدال مثل: دار وهكذا إلى الطالب الأخير، وللطالب الفاشل في ذكر المفردة فعليه أن يخرج من الدائرة حتى يبقى الطالب الفائز الوحيد لهذه اللعبة.عشرة أسئلةأمر المعلّم أحد طلابه بأن يتقدم أمام الفصل والآخرين يجلسون في مكانهم، ثم يكتب المعلّم مفردة على السبورة ولا يعرفها هذا الطالب، ثم يخمن الطالب ما كتبه المدرس على السبورة بأن يسأل الطلاب الجالسين عشرة أسئلة، والآخرون يجيبون بنعم أم لا، بعد الأسئلة يذكر الطالب المفردة المكتوبة على السبورة.أين أنا؟يعرض المعلّم الحركة، والحركة هي نوع من العمل، فيلقى سؤالا: أين أنا؟ ويمكن أن يغير الجملة بسؤال “من أنا؟”. فالطالب يجيب العمل المعين ومن هو.ماذا أعمل؟وهذه اللعبة يبدأ بكلمة “هل”، مثال: هل تعمل كل يوم؟ والإجابة: نعم. هل تعمل كل الصباح؟ وهكذا يتعرف بين الطلاب على المهنة.هل ترى بسرعة ؟يظهر المعلّم لمحة لصورة معينة أو ورقة تكتب عليها الكلمة أو الجملة، وعلى الطالب أن يعبّر الصورة أو الكلمة بعد نظرها. مصطفى بن حمد أمبوسعيدي محاضر بكلية السلطان قابوس لتعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها [email protected]