إبراهيم السيد العربي:قال تعالى في كتابه العزيز:(فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور) (فاطر ـ 5) .. أيها القارئ الكريم: هذه تذكرة لكل من انشغل بالدنيا عن الآخرة, نذكره بأننا حتى ولو كنا مقيمين في بلدنا فنحن على سفر دائم فمن يوم أن وُلدنا, ونحن سائرون إلى الآخرة, ولهذا قيل لأحد الحكماء: مالك تُدمن إمساك العصا ولست بكبير ولا مريض؟ فقال: لأتذكر دائماً أني على سفر، وعلينا جميعاً أن نعلم أن الطرقُ كثيرة ومتعددة, ومتشعبة أمام المسافر, وفي وسطها طريق واحد مستقيم, هو الموصل للغاية المنشودة وهو واضح ومُعْلَنُ عنه ألا وهو: طريق الحق المبين, والمسافر على هذا الطريق, يحتاج إلى أن يتزود فيه من الزاد ما يكفيه لهذه الرحلة الطويلة. إرضاء اللهولا شك أنه طريق شاق وطويل لكنه مضمون ثابت مأمون, وإن كنا نريد أن نكون أمة مسافرة على هذا الطريق في قوة وعزة ورسوخ, فلابد أن نوجد في أنفسنا غاية إرضاء الله تعالى والمنهج الذي يؤدي إلى هذه الغاية هو (الكتاب والسنة) يقول ابن القيم:(لم يزل الناس مُذْ خُلقوا مسافرين وليس لهم حط لرحالهم إلا في الجنة دار النعيم, أو في النار دار الجحيم) .. والعاقل يعلم أن السفر بطبعه مبني على المشقة والأخطار, بل هو قطعة من العذاب, ومن المحال أن يُطلب في السفر عادة: النعيم والراحة واللذة والهناء فكل وطأة قدم, أو أنّة من أنّات السفر بحساب وكل لحظة ووقت من أوقات السفر غير واقفة والمسافر غير واقف) .. فإذا ما نزل المسافر أو نام أو استراح فهو على قدم الاستعداد للسير في قطع المفاوز والقفار, وفي هذا السفر يهلك الكثير والكثير والناجون فيه قليل, الناجي فيه واحد من ألف وكفى, لاتعجب لهالك كيف هلك ولكن اعجب لناجٍ كيف نجا والرواحل قليلة.وسائل مثبتةواعلم أيها المسلم أن طريق السفر طويل, ولابد للمسافر من رفقة صالحة, ومن عدة وعتاد, ودليل ومنهاج, واستعداد بزاد وهدف ووجه, ومحطات استراحة, ووسائل مثبتة وإشارات مرشدة ومركب, قال العلماء: أما مركب المسافر فهو صدق اللجوء إلى الله تعالى والانقطاع إليه وتحقيق الافتقار إليه بكل وجه والضراعة إليه وصدق التوكل والاستعانة به, فهذا كله من الأمور التي تكون معينة للمسافر في طريقه، أمّا عن دليل المسافر ومنهاجه: فكتاب الله وسنة رسوله (صلى الله عليه وسلم) القائل في الحديث الشريف:(تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما: كتاب الله وسنتي) ومن سلك طريقاً بغير دليل ضلّ ومن تمسك بغير أصل ذل، أما عن عدة المسافر وزاده: فإيمان بالله وعمل صالح, وهما يوصلان صاحبهما إلى طريق الأمان إن شاء الله تعالى:(إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملاً) (الكهف ـ 30)، ومن الزاد الذي نوصي به كل مسافر الإخلاص في العمل ويكون ابتغاء وجه الله تعالى فقط, قال تعالى:(فاعبد الله مخلصاً له الدين, الالله الدين الخالص) (الزمر 2 ـ 3). ومن الزاد أيضاً متابعة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقد ثبت عنه أنه قال:(كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى. قيل: ومن يأبى يا رسول الله؟ قال: من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى)، وقال تعالى:(فليحذر الذين يُخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم) (النور ـ 63). رفقة وصحبةفيا أيها المسافر عليك باتباع هدي رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في السفر فالتزم بالدعاء المأثور عن رسول الله في السفر, وفي كل ما يلزم، وجماع زاد المسافر كله (تقوى الله تعالى) إنها العز والنسب والفخر والكرم, فالزاد إذن: إيمانُ وعمل صالح, وإخلاص وتقوى لله رب العالمين, وكذلك لابد للمسافر من رفقة وصحبة, فالراكب شيطان والراكبان شيطانان, والثلاثة ركب، والمسافر مهما تكن مواهبه, ومهما يكن عطاؤه ومهما تكن قدراته: فإنه يبقى محدود الطاقة والقدرة ما لم يكن له أعوان يشدون أزره, ويقوون أمره, يُذكرونه حين ينسى يُعلمونه حين يجهل, فالمرء قليل بنفسه كثير بإخوانه، ويُستحب أن يكون الصاحب في السفر فيه هذه الصفات، الأول: أن يكون مؤمناً, وأن يكون عاقلاً, ثانياً: إن يكون عدلاً غير فاسق, وأن يكون غير مبتدع, وأن يكون حسن الخلق غير حريص على الدنيا, وعلى المسافر أن يكون هدفه ووجهته لأمر يحبه الله ورسله, كطلب العلم, والتجارة الحلال, والحج والعمرة, وغير ذلك مما يحبه الله ورسوله, والله سبحانه وتعالى يهدي إلى سواء السبيل, وهو نعم المولى ونعم النصير. * إمام وخطيب جامع الشريشة ـ سوق مطرح/ ولاية مطرح