نبّه الله المؤمنين بأن الأعداء يحاولون شغلهم بالمال والأولاد لصرفهم عن الذِّكر فلا ينشغل أحد بطلب الرزق عن ذكره سبحانه
علينا ألا ننسى أن لله علينا حقًا في أوقاتنا، فحينما يؤدي كل منا عبادة ربه نكون قد أدينا زكاة وقتنا
عبدالفتاح بن محمد تمنصورت*
اشتملت سورة الجمعة على من يكذب بالرسول (صلى الله عليه وسلم) وبعثته قلبًا ولسانًا وهم اليهود، فإن سورة (المنافقون) تشتمل على من يكذّب به (صلى الله عليه وسلم) قلبًا دون اللسان وهم المنافقون.
تكشف سورة الجمعة عداوة اليهود بينما تكشف سورة (المنافقون) من هم أخطر عداوة من اليهود وهم المنافقون.
عزيزي القارئ .. أختي القارئة: من تقرأ هذا المقال كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقرأ في صلاة الجمعة بسورتي (الجمعة) و(المنافقون)، فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم):(يقرأ في صلاة الجمعة بسورة الجمعة فيحرض بها المؤمنين، وفي الثانية بسورة (المنافقون) فيقرع بها المنافقين).
سورة (المنافقون) مدنية عدد آياتها (11) آية رقم ترتيبها النزولي (105) وترتيبها في المصحف (63) نزلت بعد سورة الحج، وقد ثبت في فضلها عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه قال:(من قرأ سورة المنافقين برىء من النفاق).
أخلاق المنافقين وأكاذيبهم
عزيزي القارئ: نبّه الله المؤمنين بأن الأعداء يحاولون شغلهم بالمال والأولاد لصرفهم عن ذكر الله وهو سر قوتهم فلا ينشغل أحد بطلب الرزق عن ذكر الله، فسورة (المنافقون) تتضمن حملةً عنيفةً على أخلاق المنافقين وأكاذيبهم ودسائسهم ومناوراتهم وما في نفوسهم من البغض والكيد للمسلمين ومن اللؤم والجبن وانطماس البصائر والقلوب، فقد استعرض الله سبحانه وتعالى في السورة صفات المنافقين ودلَّل عليها حذّر المؤمنين منها حتى لا يقعوا في النفاق فلننتبه ـ عزيزي القارئ ـ ولنحذر، فللمؤمنين الذين أوقفهم في صفِّهِ مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وجعل عزَّتَهم من عِزَّتِهِ يوجِّه النداء الأخير في السورة ليرتفعوا إلى هذا المكان الكريم ويبرأوا من كل صفة تشبه صفات المنافقين ويختاروا ذلك المقام الأسمى على الأموال والأولاد، فلا يدعوها تلهيهم عن بلوغ ذلك المقام الوضيء وهنا يبدو الذكر والانفاق وعدم التلهي بالمال والولد تبدو علاجات واقيةٍ من النفاق، قال تعالى:(يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون، وأنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجلٍ قريبٍ فأصَّدَّقَ وأكن من الصالحين، ولن يؤخِّرَ الله نفسًا إذا جاء أجلها والله خبيرٌ بما تعملون)، فمن معاني الالهاء في الآية (الالتهاء عن حق الله في أوقاتنا).
زكاة وقتنا
عزيزي الكريم: علينا ألاَّ ننسى أنَّ لله علينا حقًا في أوقاتنا، فحينما يؤدي كلٌّ منَا عبادة ربه، وحينما يؤدي الصلوات الخمس في أوقاتها، وحينما نتقن أداءها، وحينما نقتطع من وقتنا وقتًا لقراءة القرآن، وحينما نقتطع من وقتنا وقتًا لطلب العلم، وحينما نقتطع من وقتنا وقتًا للأعمال الصالحة، للدعوة إلى الله، للأخذ بيد الناس إلى الله ورسوله، نكون قد أدينا زكاة وقتنا، فإذا أدينا زكاة وقتنا ضمن الله لنا سلامة بقية وقتنا، فإنك تعجب من هؤلاء الذين طلبوا العلم وعلَّموا الناس كيف يتعاملون مع وقتهم؟ هناك علماء جمعوا مؤلفاتهم و قسموها على أيام حياتهم فإذا هم يكتبون في اليوم الواحد تسعين صفحةً كالإمام نور الدين السالمي رحمه الله . فيجب على العبد أن يعمر وقته بذكر الله صلاةً وتلاوةً للقرآن وأداءً للعبادات والطاعات، جاء في الأثر:(من شَغَلَهُ القرآنُ وذِكْري عنْ مسألتي أَعطَيتُهُ أفضَلَ ما أُعطي السائلينَ)، وجاء أيضًا:(يا ابن آدم كُنْ لي كما أريد أكن لك كما تريد، أنت تريد وأنا أريد، فإذا سلمتَ لي فيما أريد كفيتُك ما تريد، وإن لم تسلِّم لي فيما أريد أتعبتكَ فيما تريد، ثمَّ لا يكون إلاَّ ما أريد)، فمن المؤسف أن تجد أناسًا يفهمون أن التدينَ محصورٌ على مجموعة من المظاهر والشكليات.

* إمام وخطيب جامع الشجيعية ـ مطرح الكبرى