[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/uploads/2016/05/salahdep.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]د. صلاح الديب[/author]إن استهتار وهوس المراهقين والشباب الذين يستخدمون السيارات باستهتار شديد وبلا مبالاة في غير الأهداف التي وجدت من أجلها، فقد أصبحت السيارة عند هؤلاء مجالا للفت الانتباه وللاستعراض والتحدي، وهناك "طرازات" معينة تشجع هؤلاء الشباب على "الهوس" في السرعة، فضلا عن التباهي بالمظهر المختلف لها .أصبحت حوادث السيارات من الكوارث والأزمات التي تهدد وتروع الآمنين، فمن العجيب أن يخرج رب أسرة في يوم من الأيام من بيته، ويعود إلى أسرته ملفوفا بالأكفان، وتفقد الأسرة عائلها الوحيد وسندها في الحياة جراء استهتار بعض المستهترين بحياة البشر. فقد يقع فريسة لاستهتارهم أحد الأبناء ويرجع إلى أسرته ملفوفا بالأكفان ويزرع الحزن والأسى في قلب الوالدين والأبناء على فقد ابن أو أخ لهم بسبب تهور واستهتار من لم يجدوا لهم رادعا لإيقافهم عن الطيش الذي يصيب الأبرياء ويقضي على البسمة، ويجعل الحزن هو البديل .تعد أسباب تهور الشباب في قيادة السيارات، وما تخلفه من حوادث خطيرة على الطرقات بناء على الدراسات إلى العديد من الإحصائيات التي توضح تسبب صغار السن في نسبة كبيرة من الحوادث المرورية في السنوات الأخيرة، مما جعل الباحثين يلقون الضوء على هذه الظاهرة، وأرجعت دراسة علمية إلى أن أسباب تهور القيادة إلى التعلم في وقت مبكر من العمر، حيث تتكون لدى الشاب هواياته الخاصة بين سن العاشرة والعشرين، وحين يتعلم الشاب قيادة السيارة في هذه المرحلة فإنه يتكون لديه ميول نحوها، وتصبح هواية يمارسها بحد ذاتها ويتجاوز كل الحدود أثناء قيادة السيارة، ويصل الأمر إلى الاحترافية فيها مما يفقد مجتمع الشباب ثقافة قيادة المركبات التي لا تتعدى أن تكون المركبة سوى مجرد وسيلة للتنقل وأداء أعمال معينة .وتؤكد الأبحاث التي أعدت حول خطورة قيادة الشباب أن 47 في المائة من الشباب الذين يقودون السيارات تعلموا قيادة السيارة ما بين سن 14 و17 سنة، وأن 30 في المئة منهم تعلموا القيادة من سن 18 إلى 22 سنة. أما 6 في المئة منهم فقد تعلموا قيادة السيارة تحت سن 14 سنة، و17 في المئة تعلموا القيادة بعد سن 22 سنة، وهذا يوضح أن معظمهم يمارس القيادة كهواية فتكونت لديه ولا يمارسها كوسيلة لأداء عمل. وأشارت الدراسة إلى أنه على الرغم من المخاطر التي تحدق بنظام السير في بكل صورها وأشكالها وتداعياتها فإن الوعي المروري عند الناس يظل محدودا، وجهود رجال المرور تظل قاصرة أمام تلك الممارسات، حيث تشهد الشوارع على سبيل المثال تزاحم السيارات من اليمين أو تسقط من الشمال أو تتجاوز بشكل غير عقلاني أو تقتحم بشكل مفاجئ من كتف الطريق، فضلا عن استخدام الضوء العالي الذي يسبب بدوره إزعاجا للغير، والتسابق للوصول إلى دوار فيه مركبات أخرى لها الأحقية في المرور، وكل هذه الممارسات تظهر من فئة الشباب. فالتحذير هنا للمجتمع من خطورة ترك هؤلاء الشباب بلا رقابة، سواء من البيت أو المدرسة مطالبين بضرورة تفعيل السلامة المرورية في المدارس حتى لا يقوم الشباب في هذه المرحلة العمرية الحرجة بارتكاب هذه الممارسات التي تؤدي إلى كوارث يومية على الطرق .كلنا نعلم نتيجة التهور وقيادة السيارة بسرعة جنونية ومن المؤكد أن ضحايا الحوادث أنفسهم كانوا على يقين بأن الموت نتيجة حتمية لـ"هوَس" السرعة والافتتان والمظهرية الخادعة وتسلط النزعة الاستعراضية القاتلة .وهناك مجموعة من الأسئلة تحتاج إلى إجابة ملحة: هل هناك فئة من الناس تبحث عن الموت وتسعى إليه؟ لماذا يصر هؤلاء الصبية والشباب والمراهقون وحتى الناضجون أحيانا على السلوك المتهور الاستعراضي ويضربون بقول العقل، وحكم المنطق وبالقوانين والتعليمات عرض الحائط؟وتعد مخالفات السرعة أثناء القيادة من أهم وأكثر المخالفات المرورية خطورة التي يقع فيها معظم السائقين؛ فالسرعة هي المسبب الرئيسي والأول في وقوع حوادث المرور في جميع بلدان العالم، وتسبب أضرارا وخسائر مادية وبشرية جسيمة.ونظرا لتعود الكثير من السائقين خصوصا فئة الشباب منهم على السياقة بسرعات عالية فإنهم عند السياقة في الأماكن المزدحمة وداخل المدن يشعرون بأن المركبة تكاد تكون متوقفة، وهذا شعور خاطئ حيث إن السرعة العالية تزيد من احتمالية الوقوع في المخاطر والوقوع في حوادث وتصادمات مميتة .ولعل أكثر الحوادث تلك التي يتسبب فيها الشباب المراهقون ما بين 18 و25 عاما وهم الأكثر هوسا بالسرعة نظرا لارتباط هذه المرحلة بالتحدي والمغامرة وحب الاستعراض وحب الاستقلالية والتفوق على الآخرين، فضلا عن تأثرهم بأفلام ألعاب السيارات وأفلام العنف والجريمة والأفلام البوليسية ومحاولة التقليد لبعض السلوكيات الخاطئة في هذه الأفلام .إن استهتار وهوس المراهقين والشباب الذين يستخدمون السيارات باستهتار شديد وبلا مبالاة في غير الأهداف التي وجدت من أجلها، فقد أصبحت السيارة عند هؤلاء مجالا للفت الانتباه وللاستعراض والتحدي، وهناك "طرازات" معينة تشجع هؤلاء الشباب على "الهوس" في السرعة، فضلا عن التباهي بالمظهر المختلف لها .فهناك من يصبح كل همه أن يغير من شكل مركبته بهدف التميز والشهرة حتى تظهر مختلفة عن مثيلاتها من سيارات الآخرين فتبهر من يراها.فيقوم بتغييرات ميكانيكية في أجزاء عديدة منها كالموتور و"الجير" و"السنوبرسات؟ و"الهاند بريك" لغايات السرعات والتفحيط، لتكون أكثر أمانا.كذلك يستبدلون المحركات و"الكاوشوك"، وبراميل "الهيدرز" و"الانتركولر" لتبريد "التيربو" وكلها أمور تتم للتباهي والتميز.وهناك شباب يبيعون بعض ممتلكاتهم وحاجياتهم لتوفير المبالغ المالية التي تلبي رغباتهم الشخصية في تزيين سياراتهم في ظل غياب رقابة الأسرة، إلى جانب الفراغ الزائد والتقليد الأعمى، إنها ثقافة غريبة وهوس لا نجد له تبريرا.وبالإضافة إلى هذا "فقد ازدادت الحوادث المرورية خلال السنوات الأخيرة بسبب "هوس" السرعة وقطع الإشارة والتفحيط، وعدم التقيد بتعليمات السلامة، فنجد الصبية والمراهقين المتهورين يقومون بحركات تنافسية استعراضية قاتلة يمينا ويسارا دون اكتراث أو شعور بالخطر أو تقدير لما يمكن أن يحدث، وهناك من يتفننون في أنواع من الحركات المميتة فتقع الكوارث من زهق الأرواح وتحطيم الأبدان وترويع الآمنين.ولا ينبغي أن نغفل التأثير السلبي لتمويل البنوك وتشجيعها لتسويق السيارات بسهولة ويسر والضمان الإجباري من قبل شركات التأمين على السيارات، فنجد الشاب المستهتر لا يعير اهتماما لأي ضرر يمكن أن يلحق بسيارته، فغالبيتهم حصلوا عليها بسهولة ودون مشقة وعند الضرر أو التلف ستتحمل شركات التأمين كافة التكاليف والأضرار، وهو مؤشر خطير يعزز الاتجاهات السلبية والاستهتار لدى هؤلاء المراهقين .إن حقيقة هوس السرعة والتهور عند بعض المراهقين والشباب نسبة كبيرة ممن يرتكبون حماقة التهور في القيادة ممن يصنفونه نفسيا بالهوَس، وهذا الهوَس له ثلاث درجات مختلفة إلا أنها جميعها تشترك في الخصائص الأساسية، وهي النشوة الفائقة والنشاط الحركي والفكري المفرط، فهناك الهوس الخفيف الذي يتصف صاحبه بالميل إلى المرح المتوسط والنشاط الواضح، وهروب الأفكار والتسرع وعدم اللامبالاة، ويعتريه إحساس قوي بكمال قوته الجسمانية والعقلية.وهناك الهوس الحاد وأهم أعراضه السلوك الصاخب والعنف، وسرعة الأفكار والنشاط الزائد جدا والكلام السريع الجامح، والتهور عند اتخاذ أي قرار، ويكون الشخص غير مركز التفكير ومشتت الانتباه والذهن، بالإضافة إلى المبالغة في الثقة بالنفس التي تؤدي إلى التهلكة في كثير من الأحيان .أما الأخير فهو الهوس الهذياني فصاحبه يميل إلى الخلط وعدم الترابط واضطراب الوعي واضطراب التوجيه بالنسبة للمكان والزمان والأشخاص .وسرعان ما يفلت منه زمام تصرفاته ويتسم سلوكه بالعدوانية وعدم الاكتراث للنظام أو القانون أو المنطق، ونجد لدى هذا الشخص نشوة زائدة وتفاؤلا مفرطا، وتحمسا زائدا مع طيران الأفكار وسطحية التفكير وتشتت الانتباه، وعدم القدرة على التركيز والغرور الزائد، واللامبالاة بالمعايير الاجتماعية وعدم مراعاة مشاعر الآخرين، وسرعة الاستثارة والتهور والسلوك التخريبي أحيانا.وهذا ما يجعلنا نفسر شخصية المتهور في القيادة ونصفه بالهوس، وإذا ما تفحصنا شخصيته وسلوكياته وردود أفعاله سنجد توافر تلك الصفات السلوكية فيه.فالشخصية الاندفاعية لها علاقة بالحوادث والكوارث المرورية بشخصية المتسبب أو الضحية، وبنمط هذه الشخصية بشكل عام إن نسبة عالية من متهوري السرعة والمهووسين بالسرعة الجنونية سنجدهم من أصحاب الشخصية الاندفاعية وأصحاب هذه الشخصية غير متزنين عاطفيا أو يفتقدون النضج العاطفي وردة أفعالهم تتجاوز كل التوقعات .وهذه الشخصية يميل صاحبها ميلا شديدا نحو التصرف تبعا للاندفاعات دون مراعاة لما يترتب على ما يقوم به من أفعال، إضافة إلى مزاج غير مستقر ونزوة، وكذلك فإن القدرة على التخطيط للمستقبل محدودة، وتنتاب صاحب هذه الشخصية نوبات غضب شديد تقود كثيرا إلى العنف أو التسرع أو التهور أو الانفجارات السلوكية المفاجئة، وهذا الاضطراب في الشخصية "الاندفاعية" عادة ما يبدأ في بداية مرحلة الشباب وأصحابه مندفعون بشكل جنوني في جميع تصرفاتهم، فهم مندفعون في علاقاتهم العاطفية بشكل جنوني، وكذلك مندفعون في علاقاتهم العادية مع الآخرين، ونتيجة لضعف التماسك الداخلي في الشخصية فإن كثيرا منهم يحاولون إيذاء أنفسهم وأحيانا بطريقة عنيفة تتفق مع طبيعة شخصياتهم الاندفاعية .وللأسف فإن بعضا منهم قد يفقد حياته عن طريق الخطأ وصاحب الشخصية الاندفاعية الانفتاحية منهم يكون دائما شديد الانفتاح ويحتاج إلى إثارة الإعجاب ويكره ألا يكون موضع انتباه الآخرين، كذلك نجده مولعا بالتغيرات وبالتكنولوجيا الحديثة، وكثيرا ما نجده قليل الاكتراث بالقيم الأخلاقية والقوانين .وكل هذا يدل على تهور وعلى عدم تقدير للأمور مما يؤدي إلى كوارث يكونون هم ضحيتها في بعض الأحيان، ويكون هناك آخرون هم ضحايا التهور والاستهتار واللامبالاة ولم يجدوا هم ولا غيرهم من المستهترين بأرواحهم وأرواح الآخرين الشيء الذي يضع حدا لهذه المهزلة ولهذا الهراء، وخاصة إذا كانت لديهم القدرة المالية لتسوية الأمور بإحدى الصور والتي ينتهى عندها الأمر وكأن شيئا لم يكن، وإن رفض البعض للتسوية المادية لم يجد ما يبرد ناره على عزيز فقده جراء طيش هؤلاء لأنه لو كان هناك رادع لهم لكانوا عبرة للآخرين ممن تسول لهم أنفسهم بالإقدام على هذه التصرفات الصبيانية والتي يفقد فيها أبرياء حياتهم، فلا يمكن أن يكون تهاون بعض المعنيين بضبط هذه الكارثة والذي يؤدي وبصورة فجة إلى زيادة تهور هؤلاء الذين أصبحت اللامبالاة هدفا وحلما لهم يسعون جاهدين إلى تحقيقه، ويضيع الأبرياء، وهذا الأمر يحتاج إلى وقفة، وإلى وضع حد للكف عن هذا وذلك لحفظ دماء الأبرياء من أن تسفك على الطرقات على أيدي هؤلاء المتهورين .مع أمل اللقاء والشرف بكم في العدد القادم إن شاء الله تعالى .