يعتقد العلماء أن الجزء الأكبر من البيانات والنتاج الفكري على وجه الأرض وعلى مر التاريخ قد تحقق خلال السنوات القليلة الماضية فقط، ولكن مع التطور المستمر للعلوم والتقنية وانغماس البشر أكثر في العوالم الإلكترونية، نعتقد أن حجم ما ينتجه الإنسان من بيانات ومعلومات لم يصل بعد إلى سرعته القصوى، وما هو آت يستعصي علينا فهمه الآن أو إدراكه.لقد كان حجم ما ينتج من بيانات عام 1990 لا يتجاوز 100 جيجابايت في اليوم الواحد، في حين يتجاوز حجم ما ينتج اليوم من بيانات 40 ألف جيجابايت في الثانية الواحدة فقط، وفي عام 2020 يتوقع أن يصل حجم ما ينتج من بيانات في عام واحد إلى 44 زيتابايت (1 زيتابايت يساوي تقريبا 44 تريليون جيجابايت)، البيانات الكبيرة Big Dataأصبحت تمثل كنزاً معرفياً يمكن الاستفادة منه في تحقيق مكاسب شتّى، ولكن لا يتسنى ذلك دون الاعتماد على أنظمة خبيرة جبارة، وعلى متخصصين قادرين على تنقيب هذه البيانات وتحليلها، واستخراج ما ينفع منها ويفيد، لا توجد فائدة من جمع البيانات ومراكمتها ما لم تتوفر أهداف واضحة لاستغلالها، فالبيانات وحدها ليست قوة، بل القوة في المعلومات المستخرجة من معالجة تلك البيانات، والقوي اليوم هو من يملك المعلومات ويستخدمها بصورة فاعلة لتحقيق أهدافه.علم البيانات كمفهوم ليس جديداً، بل تطبيقاته هي الجديدة، فلا عجب أن تتوقع مجلة Harvard Business Reviewبأن الوظائف المرتبطة بعلم البيانات ستكون الوظائف الأكثر جاذبية في القرن الواحد والعشرين .. كما أن شركة استشارات إدارية كبيرة مثل McKinseyتتوقع أن يواجه سوق العمل خلال عام 2018 في الولايات المتحدة الأميركية فقط نقصاً بما يزيد عن 190 ألف وظيفة متخصصة في التحليل العميق للبيانات، وأكثر من مليون وخمسمائة ألف وظيفة إدارية تتطلب معرفة أساسية بأدوات تحليل البيانات، هذه الوظائف تمثل أهمية كبيرة ومتزايدة للمؤسسات الحكومية، والمؤسسات الصناعية، والشركات التجارية، ومؤسسات صناعة المحتوى والمعلومات على حد سواء. ولن تتمكن الشركات ومؤسسات المال والأعمال بصفة عامة من وضع قدم إلى الأمام في خطوط المنافسة ما لم تقم بإعادة هيكلة أعمالها، وتوظيف تطبيقات علم البيانات كمحرك أساسي لاتخاذ قرارات حاسمة وتحقيق نمو مستدام، ولن يتأتّى لها ذلك أيضاً دون وجود موظفين متخصصين، لهذا نرى اليوم نشاطا عالميا بارزا في تطوير وتقديم برامج تعليمية متخصصة في علم البيانات لمقابلة النمو المتزايد لمخرجات هذه التخصصات في سوق العمل، وهذا العلم هو مزيج متداخل من تخصصات تكمّل بعضها البعض، فهو تخصص تتعاون فيه علوم المعلومات، وعلوم الحاسوب ونظم المعلومات، وعلوم الإحصاء والرياضيات، وعلوم النفس والاجتماع، وهو علم ينتهي باستخدام الخوارزميات الحسابية لتتبع سلوك البشر وأنماط استهلاكهم، وطرائق تفكيرهم، كما يوفر فرصا تنبؤية لما يمكن أن يحدث في ساعات أو أيام أو أزمنة قادمة. علينا أن نستشعر حاجاتنا الحقيقية في سوق العمل العماني للسنوات القادمة من خلال قراءات مؤشرات أسواق العمل العالمية، وخصوصاً في قطاعات الصناعة والتجارة والأعمال اللوجستية التي تتطلب متخصصين كثر في علم البيانات، كما ينبغي علينا أن نوافق برامجنا التدريسية في مؤسسات التعليم العالي مع المتطلبات المتوقعة لسوق العمل، وعلينا كذلك تشجيع أبنائنا الطلبة على اختيار تخصصات دراسية تستقرئ التغيرات المستقبلية لأسواق العمل، وندعو أيضاً مؤسسات صنع القرارات التعليمية، وكذلك مؤسسات التعليم العالي في السلطنة لمراجعة البرامج التدريسية الحالية، وتعزيز فرص التعاون بين العلوم المختلفة لتقديم برامج تعليمية حديثة تستفيد من العلاقات البينية بينها. د. علي بن سيف العوفيأستاذ مشارك بقسم دراسات المعلومات، جامعة السلطان قابوس[email protected]