.. من زمن المستحيل

توفي مساء السبت الحادي عشر من شهر مارس 2017م الفنان العماني سالم مبارك المخيني (بهوان) إثر أزمة قلبية تعرض لها، وترجل الفنان سالم بهوان عن صهوة الإبداع، تاركا إرثا فنيا حافلا بالعطاء والمثابرة والتضحية، من أجل فن ملتزم يقدم فائدة حقيقية للمجتمع لا يتوقف عند حدود المستحيل، كيف لا وهو الإنسان من زمن المستحيل ..
حينما تمنى السيد علي بن حمود البوسعيدي، حينما كان وزيرا لديوان البلاط السلطاني في إحدى الجلسات الرمضانية أن يكون لعمان مسلسل بدوي، فز سالم بهوان رافعا يده قائلا: عندي !! .. لم تكن نزوة تفاخر أراد بها الراحل أن تكون له كلمة في مجلس عامر بأهل الفن والثقافة والإعلام، بل كان متيقنا بأنه على جاهزية لتقديم هذا المسلسل البدوي الذي شاهدنا في العام التالي باسم "ولد الذيب" الذي قدم خلاله سالم بهوان رؤية متميزة قدمت لعمان مسلسلا بدويا اراد ان يكون له جزء ثان فكان. كنت قريبا جدا من الفنان سالم بهوان الأخ والصديق والفنان، كنت أدرك ظروفه القاسية التي يعانيها لتصوير أعماله، لكنه لم يكن متذمرا إلا حينما يحكي لينفس عن حال، هو يدرك تماما معاناة العمل الفني ويدرك ان تقديم أي عمل ناجح لا يتم إلا بالتضحيات والجهد والعمل بصمت حتى وإن ظهر للنور فإنه يسعى إلى تسويق أعماله لأقصى مكان يمكن ان تصل إليه سواء في المحطات الفضائية المختلفة او دور السينما او عبر محطات الترفيه في الخطوط الجوية العربية المختلفة، بل وغير العربية.
الفنان الراحل سالم بهوان من القلائل ـ إن لم يكن الوحيد ـ من الذين يعرضون إنتاجاتهم خاصة السينمائية لأهل الفن والإعلام قبل عرضها للعامة لأخذ ملاحظاتهم العامة حول العمل ومحاولة تقديم رأي معتدل عبر الصورة في النسخة التالية التي تعرض للجمهور، هو لم يتأفف في أن يقدم دعوة باستضافة كاملة مدفوعة التكاليف للإعلاميين والمدعوين من أجل تحقيق هدفه، سواء في صلالة او مسندم او مسقط ، حيث طرق "الراحل" مناطق بعيدة عن الرؤية في مشاهد تتجلى فيها جماليات الإنسان والطبيعة فكان ذلك عبر ثلاثة أفلام سينمائية قدم خلالها رؤيته كمؤلف ومخرج ببساطته المعهودة ولكن بتقنيات عالية لا تليق إلا بالإبداع.
في تجربته الأولى التي أنتجتها شركة صور للإنتاج الفني والتوزيع التي يترأس مجلس إدارتها بالتعاون مع مركز القدس للإنتاج الفني والتوزيع صوّر الفيلم السينمائي "بحث عن مستحيل" وهو فيلم دارت أحداثه بتقنيات سينمائية على النهج البوليس الأكشن، وهو من تأليف وإخراج وبطولة الفنان سالم بهوان، ويشاركه البطولة عبدالله مرعي وصلاح عبيد وسليم العمري بالإضافة إلى نخبة من نجوم الدراما، هذا إلى جانب توافر تقنية عالمية في صناعة الأفلام من حيث صناعة الخدع السينمائية، والتصوير بكاميرات ذات جودة عالية ( HDV ). الفيلم السينمائي " بحث عن مستحيل " عبارة عن قصة تدور احداثها في محافظة ظفار وتعالج الكثير من القضايا بشكل فنتازي بالاضافة إلى مجموعة من المشاهد المثيرة يتخللها الغموض في اغلب مشاهده .
الفكرة كما عبر عنها الراحل "مستوحاة من أحداث شبه واقعية، تمت اضافة العديد من المشاهد والإثاره الحركية على الفيلم ليأخذ الطابع السينمائي العالمي،" حيث يعد هذا الفيلم السينمائي الذي صورت كافه مشاهده بمحافظة ظفار من اولى تجارب الفنان سالم بهوان الإخراجية.
وفي تجربته السينمائية الإخراجية الثانية قدم الرحل فيلم "مرة في العمر" إضافة سينمائية متجددة يقدمها الفنان سالم بهوان مؤلفا ومخرجا برؤية مغايرة تتسم بالبساطة وتنتهي بها ، ومع عمق الرسالة التي يقدمها الفيلم ظلّت الطبيعة هي المسيطر الرئيسي في الأحداث التي تنقل الواقع كما يبدو حقيقة وسط إشارات تحمل في طياتها قضايا يحاول "الفيلم" تسليط الضوء عليها من واقع معاش في بيئة الفيلم التي اراد لها المخرج سالم بهوان ان تكون "جبال ظفار". وهو من بطولة الوجه الجديد خميس البلوشي والأردنية ورود الخزاعلة وتمثيل سليم العمري، وأشرف المشايخي، ومبارك المعشني، وكمال قطن، وشارك فيه الراحل سالم بهوان كضيف شرف، برفقة عبدالله مرعي، وصلاح عبيد، والمتسابق الدولي حمد الوهيبي، ولجينة المنجية.
حيث يؤكد الفيلم على النظرة الاولى للحب عبر قصة شفافة بين شاب من العاصمة وبين فتاة من الجبل حيث قدم "الراحل " عبر الفيلم ما يعترض تلك العلاقة من صعوبات وكيف أن بعض المعتقدات قد تكون عوائقها اكبر في عقولنا من الواقع ، وكيف أن الإنسان ببساطته ومحاولة احترام تلك العادات والتقاليد التي من الممكن ان تكّون حياة سعيدة لعائلة تعيش على وطن واحد ، ورغّم بساطة الحالة العاطفية التي أسسها سالم بهوان في قصة فيلمه الا انها قدمت رؤية مغايرة لم يشعر خلالها المشاهد بالملل ولا القفزات الخارجة عن إطار العمل ، وقد استخدم "بهوان" في فيلمه تقنيات ساهمت في المحافظة على بساطة الطبيعة التي اخذت النسبة الأكبر من الفيلم ، في حين قدم الفيلم رؤية بصرية رائعة تستنطق جماليات جبال محافظة ظفار والعادات والتقاليد التي يمارسها الناس هناك حيث الرقصات الجباليّة والأزياء والرقصات الفولكلوريّة ، بلغة يستخدمها "سالم بهوان" لأول مرة في عمل سينمائي وهي "الجباليّة" والتي تم ترجمتها في الفيلم باللغتين العربية والإنجليزية ، وقد مارس الممثلون في الفيلم الحديث بتلك اللغة بالطريقة البسيطة الطبيعية غير المتكلفة في سياق المشاهد حيث أظهر لنا الفيلم الطبيعة الخلابة للمناطق الجبلية الجميلة منها صلالة سوق الحصن، وطوي اعتير، وحين، وحار امحود، وسهل اشور، ودربات، وسهل طاقة، والعديد من الطرقات والشوارع في الجبل.
وفي التجربة السينمائية الثالثة قدم الراحل فيلم "قصة مهرة" والتي كتبها برفقة سالم العويسي واخرجها سالم بهوان نفسه حيث قدم في الفيلم قصة مهرة العاطفية بطريقة درامية وقالب سينمائي يبرز خصوصية المجتمع بمحافظة مسندم وعاداته وتقاليده قديما وحديثا بلهجات أهل مسندم ، والفيلم من بطولته إضافة إلى الفنانين محمد الفارسي وعلي الدليل وعبدالسلام الكمزاري ويوسف صالح الكمزاري ووليد الشحي ودرويش الشحي وسالم الخنزوري ، ورانيا آل علي من دولة الإمارات العربية المتحدة ، وساعده في الإخراج علي بن عبدالله البلوشي ، ولجينة المنجية ، ومحمد الفارسي ، وفي إدارة الإنتاج احمد الحضرمي وحسين الرواحي. وهو من انتاج مؤسسة صور للإنتاج الفني والتوزيع ، وقد شارك في العمل 16 فنيا متخصصا من بوليود ، إضافة إلى اغلب الممثلين من محافظة مسندم وبعضهم من خارج المحافظة .
قال الفنان الراحل عن الفيلم :استخدمنا في العمل لهجة أهل مسندم وتم تصوير اغلب المشاهد في خصب وقرية كمزار الساحلية بالاضافة إلى مشاهد صورت في ولايتي بخا ودبا مع ادخال الفنون التقليدية بمسندم كمؤثرات صوتية لبعض المشاهد في العمل إضافة إلى ابراز العادات والتقاليد التي تتميز بها المحافظة حيث تتراوح مدة الفيلم بين الساعة والربع والساعة والنصف، اجتهدنا في أن نبرز طريقة المعيشة في "مسندم" بنمطية اجتماعية سينمائية متطورة، وحسب ما نعلم فإن جزيرة "كمزار" تظهر للمرة الأول في عملٍ درامي، حرصنا أيضاً أن نقدم للمشاهد انطباعاً عاماً عن المنطقة خصوصا لمن لم يعرفها من قبل، وطعمنا "الفيلم" بالفنون الشعبية الخاصة بالمنطقة والكثير من الخصوصيات الاجتماعية الأخرى ، وساهم أهالي ومشايخ أهل مسندم في انجاح العمل وتسهيل كافة الأعمال التي ساندت التصوير إضافة إلى الجهود على مستوى القطاع الخاص والمؤسسات الرسمية التي ساندت العمل ونتقدم بالشكر لها ابرزها مكتب محافظ مسندم ووزارة التراث والثقافة ووزارة الصحة ووزارة السياحة ووزارة التربية والتعليم وشرطة عمان السلطانية ، وسلاح الجو السلطاني ، ومجموعة سعود بهوان وشركة عمران وشركة العبارات الوطنية.
للفنان سالم مبارك بهوان أكثر من 30 مسلسلا تلفزيونيا وحوالي 30 مسرحية و4 افلام سينمائيه، وهو أول ممثل خليجي يحصل على وسام من مصر عن دوره في مسلسل "إنسان من زمن المستحيل" وعمل الراحل في الجوانب الإنسانية الكثيرة الا انه لم يكن يظهرها. شارك في العديد من المسلسلات المحلية المعروفة منها "جمعة في مهب الريح" ، و"آخر العنقود" ، و"غصات الحنين" ، و"الغريفة" ، و"ود الذيب (جزئين)" ، و"الاتجاهات الاربعة" ، و"قراءة في دفتر منسي" ، و"إنسان من زمن المستحيل" . كما شارك في العديد من المسرحيات منها "شيخ الحارة" ، و"الكرة خارج الملعب" ، و"بيت الدمية" ، و"24 ساعة" ، و"المشكاك" ، و"الصنارة".
وقد تم تكريم الفنان سالم بهوان في المهرجان الخليجي للإذاعة والتلفزيون ،
وفي شهر ابريل 2014 كرمت دائرة شؤون الطلبة بجامعة ظفار ضمن برنامج احتفالي بمناسبة يوم المسرح العالمي الممثل سالم بهوان بشهادة تقدير في التمثيل والاخراج وكما تم تكريم فريق العمل المشارك في فيلم "مرة في العمر" من تأليفه وإخراجه ، كما تم خلال الاحتفالية كذلك عرض فيلم (The final Delivry) باللغة الانجليزية من بطولة سالم بهوان وتأليف نكيتا راي وإخراج انير بانري.
وفي شهر إبريل 2016 وبمشاركة أكثر من مائة فنان مسرحي من مختلف البدان العربية كرمت الدورة الرابعة عشرة لمهرجان المسرح العربي في القاهرة الفنان العماني سالم بهوان وذلك لخدماته في المجال المسرحي خلال الثلاثين عاما الماضية ، وكرم المهرجان إضافة إلى الفنان سالم بهوان عددا من كبار نجوم المسرح العربي.
وكان قد ترأس الفنان سالم بهوان لجنة تحكيم الدورة الأولى لمهرجان الرستاق العربي للمسرح الكوميدي والتي أقيمت خلال الفترة من 3 إلى 10 نوفمبر 2016
وفي حديث سابق للراحل عن مسألة تطوير الدراما والمسرح في السلطنة مشيرا إلى أهمية تقييم الواقع الحالي بوضع دراسه متكاملة تنفذ على مراحل ، هذا بالإضافة إلى توفير الإمكانيات البشرية والآليه والمادية التي تسهم بشكل مباشر في نجاح الدراما العمانية . مشيرا إلى ان المتابع للدراما العمانية للان وبعد مرور تجربه 30 عاما يلاحظ تقوقعا حول نفسها في كثير من الأحيان ، إلى جانب ذلك هناك عامل مهم جدا وهو غياب النقاد على المستوى المحلي ، الذين لا يظهرون في الساحة ولا نعلم السبب في ذلك ، فهل هم غائبون بحكم إرادتهم أم انه لا يوجد في الساحة نقاد يمكن ان يخرجو الدراما العمانية بصورة افضل بكثير من الحالية ؟.
بالإضافة إلى ذلك يمكن القول بأن إنشاء مؤسسه أو أكاديمية لتطوير مستوى الفنان ، سواء كان مخرجا ، ممثلا أو كاتبا أو فنيا يجب فيها النظر على مستويات الفنان أو الممثل من حيث المستوى التعليمي وكذلك القدرات الفنية ، فكثير من الموجودين على الساحة ليس بالمستوى الأكاديمي وخاصة في الكتابة والتمثيل والإخراج .
وحتى بعض المخرجين هم خريجو مسرح وليسوا خريجي تلفزيون لكن معظمهم بعيد عن المسرح، وهذه النقطة مهمة جدا حيث مضى على الدراما العمانية للأن اكثر من 30 عاما وللآن لم نلحظ وجود هذه الفئه على الساحة للان وهو ما يبعث للتساؤل حول الإمكانيات والحوافز التي تقدمها الدراما العمانية لهؤلاء .
وبالنظر إلى مخرجات الدراما للان فأغلب القائمين عليها يعملون بمجهودات شخصية بالإضافة إلى بعض الدورات البسيطة لديهم مع غياب واضح للتأهيل الأكاديمي ، وأؤكد مرة اخرى على اهمية العامل المادي القوي والمستوى الحالي لا يدفع إلى الاستمرار بسبب وجود نفس الإمكانيات منذ أكثر من عشرين عاما، فكيف يمكن ان نطور الدراما العمانية في ظل مثل هذه الأساسيات ؟
ومن ناحية التطوير الفني للممثل يجب أن يؤهل الممثل تأهيلا ثقافيا وفكريا بحيث يكون لديه فكرة واضحة عن مضمون العمل بالإضافة إلى اهمية وجود الموهبه التي يتمتع بها الممثل في كيفة التعامل مع النص والدور ومستلزمات التمثيل أولا قبل الدخول في أي عمل ، حيث ان الكثير منهم لا توجد لديه المستويات التعليمية الدنيا، والملاحظ وجود مجهود شخصي اكثر مما هو اكاديمي وهؤلاء يمكن اعتبارهم قد أدوا ما عليهم في المرحل الأولى لقيام الدراما العمانية ، إلى جانب تطفل بعض الأشخاص لثقافة ممن يعدون انفسهم ممثلين وكتابا ، ومخرجين ، دون وجود ناتج فني يمكن ان يحسب لهم ، ولا توجد عمليات تطويرية واعتقد بأنهم قادون على الوصول والاستمرار بحكم علاقاتهم الشخصية التي لا تزال الدراما العمانية تعاني منها للان، على ألا ننسى غياب حقوق الممثل والكاتب واقلها التفريغ للعمل الفني ووجود الحوافز المادية في حال الانقطاع للعمل، فالممثل والكاتب يجب ان يفرغ تفريغا كليا اذا كان يعمل في الدوائر والمؤسسات الحكوميه ، وبالنسبة للقطاع الخاص يجب تعويضة تعويضا ماديا لانه يأخذ اجازة بدون راتب للتفرغ الكلي للعمل .
ويجب الأخذ في النهاية بمضامين الدراسة التي ستقام والتي يجب ان يشارك فيها اخصائون في جميع المجالات من كتاب وممثلين ومخرجين ونقاد ومشاركين ومن دول مجاورة ولا يتم ذلك إلا بوجود تنيظيم مثل قيام مؤتمرات وندوات لدراسة الواقع الحالي وكيف نستفيد من التجارب الماضية والأخذ بمعطيات ومتطلبات المرحلة القادمة لان الواقع الحالي كما ذكرت سابقا لايزال يعيش على الماضي والمطلوب نظرة جديدة للخروج بدراما عمانية حديثة ذات فكرة ومضمون واقعي حديث يأخذ من الواقع الحالي وبعض من تجارب الماضي للمستقبل، ويمكن اعتبار الدراسة الحالية هي اساس لقيام دراما عمانية حديثة جديدة إذا استوفت الشروط السابقة .