القاهرة ـ من حسام محمود:
يظن بعض الكتاب في مصر والعالم العربي أن الواقعية السحرية ليست أكثر من الدخول في عالم الجن والعفاريت وما إلى ذلك مما نسميه بالجانب العجائبى في حياة الإنسان والذي تمثله خير تمثيل قصص "ألف ليلة وليله" الشهيرة وحواديت الجدات. لكن الحقيقة أن المسألة أعمق من ذلك بكثير سواء فيما يتعلق بتراثنا القصصي والإبداعات القائمة على روايات الأخبار والحكايات وغير ذلك وبعضها يدخل في الكتابات التاريخية نفسها بوصفها كذلك أو فيما يتعلق بالواقعية السحرية كتيارات جديدة تحظي منذ النصف الثاني من القرن العشرين بانتشار عالمي لا مثيل له .

الواقع والخيال
إن الواقعية السحرية تيار لم ينشأ فجأة أو بالمصادفة أو انبثق لمجرد أن كاتبا ما أن أدخل في رواية أو مجموعة روايات أو أعمال قصصية بعض هذه العوالم الغريبة التي نطلق عليها صفة العجائبية لكن الواقعية السحرية على العكس من ذلك ظهرت نتيجة لمجموعة من العوامل الفاعلة والمؤثرة من بينها عامل التطور الابداعي. وقد تحدث عن ذلك الناقد (خواكين ماركو) في كتابه "أدب أمريكا اللاتينية من الحداثة إلى أيامنا" حيث رأى النقاد أنه من المفاجآت العديدة التي امتدت حتى إلى ما انطوت عليه رواية "مائة عام من العزلة" التي أحدثت ضجة لما هو سحرى وما هو عجائبى .
إن الواقعية السحرية في أميركا اللاتينية جاءت نتيجة لأمرين لا يمكن فصل أحدهما عن الآخر وهما أن كتاب هذه القارة خلال القرن العشرين كانوا شديدي الاهتمام بملاحقة التطور الإبداعي في العالم وخاصة في القارة الأوروبية بل وفى أميركا الشمالية أيضا وقد كانت لهم إسهامات فعالة في الحركات الطليعية التي ظهرت خلال العقود الثلاثة الأولى من القرن العشرين مثل المستقبلية والانطباعية والتعبيرية والتكعيبية والدادئية والسيريالية وغيرها بل إن بعضهم تزعموا بعض هذه الحركات مثل (بيثينتى أويدوبرو) رائد حركة الابتداعية و(خورخى لويس بورخيس) فضلا عن رائد حركة الحداثة في العالم المتحدث بالاسبانية وهو الشاعر النيكاراجوى (روبن داريو ) .
كما شهد القرن العشرون عودة قصص الأساطير كبداية في الأدب الحكواتي المعتمد على الحكاية وفى منتهاه لأن الواقعية السحرية بمفهومها الحديث تقوم على ثلاثة ارتباطات أساسية هي العجائبي والأسطوري والسيريالي وهذه الارتباطات الثلاثة لها نفسها ارتباط أقوى وأهم هو التطور الذي حدث في الفن الحديث .
فالذي يستطيع دخول عالم العجائب يجب أن يكون متدفق الخيال وليس مجرد وضع حكايات للعفاريت والجن والأشباح ولكن ربط الخيال بالواقع فالكتابة غير الجيدة في هذا المجال تجعل الجمهور يبحث عن الأخطاء الروائية فيها ويرفضها ولا تستحق الاهتمام من الناس بينما الدقة والتميز تزداد بريقها في عقول الناس بالمزج بين الواقع والخيال .

روايات سحرية
إن الفن حياة ووعى وقدرة على التوصيل للمعلومات والتواصل بمتعة يمكن أن يحس بها القارئ وهو يقرأ أكثر الأعمال عمقا وتأثيرا ودخولا في مجالات التحديث مثل روايات الكاتب الأرجنتيني (خوليو كورتاثار) والبرتغالي (خوسيه ساراماجو) والتركي (أورهان باموق) وغيرهم .
ولا شك أن كتاب الواقعية السحرية كانوا هم أيضا من أكثر الكتاب عمقا وقدرة على بناء كتابة حديثة معقدة لكن في نفس الوقت هناك سهولة في التناول وقد أدى هذا في العالم الغربي إلي جذب ملايين القراء من شتى بقاع العالم . فالواقعية السحرية نموذج أدبي فريد جمع بين القديم والحديث، القديم ممثل في العجائب والحديث متمثل في الأساطير بالمفهوم الادبى والفني والثقافي الذي تبلور في كتب وأعمال كثيرة خلال النصف الأول من القرن العشرين .
ولعل هذه الواقعية التي تخفى وراءها خيالا خصبا ما كانت لتنشأ سوى مع تطور الأبحاث في علم النفس واهتمامها بالجوانب الباطنية في حياة البشر وعقولهم كذلك الرؤية النافذة للإنسان من خلال طموحاته لمعرفة العوالم الخفية في حياته وتأثيرها على وجوده .
فالواقعية السحرية تجددت أواصرها مع شيوع أفلام الرعب والخيال العلمي في الغرب بعدما خرجت مفاهيمها للنور عن طريق أدباء أميركا اللاتينية . ولعل مما لا شك فيه أن كبار الكتاب الذين عاصروا الرؤية اللاتينية للخيال والعجائب يرون ما قال عنه (جارثيا ماركيز) بأن الواقع مقدر من خلال إطار المتاح لكنه ينطوي أيضا على غرائب وتناقضات وأشياء مثيرة للدهشة فهذا الواقع بغرابته أكثر قدرة على الإثارة من مخيلة الكتاب . فقال ماركيز إن كتاب أميركا اللاتينية والكاريبي عرفوا الواقع الأفضل وقدروه ومجدوه وكتبوا عنه ليقلدوه بما هو متاح لكن تبقي العجائب بأسرارها مثيرة حتى لو كتبت على ورق بأقلام الكتاب .
من الأشياء المهمة عند مناقضة روايات الواقعية السحرية الإشارة إلى اعتراف كبار الأدباء أن قصص وحكايات العرب كانت البداية لما وصلوا له من خيال متدفق نحو عجائب الزمان والمكان وغرائب الأشياء والبلدان والعصور حتى أن أول كتاب عرفه الأديب الكبير "ماركيز" في بداية حياته كان ألف ليله وليلة . ولكن "ماركيز" حاول دائما التمييز بين الحرية والفوضى في الكتابة والحياة عامة حتى أنه قال إن الأديب ليس من الممكن أن يترك ليحلق بخيال الفوضى دون تمييز وبدون ضوابط وإلا تحولت الروايات إلى أكاذيب .