تقسيم اللفظ إلى محكم ومتشابه وإلى مجمل ومبِين هو باعتبار وضوح أو خفاء المعنى وتحديدهعلي بن سالم الرواحي٬لا شك أن القرآن كتاب محكم يُفهَم المراد منه, كما أن آياته تتشابهه فيما بينها, لفظاً ومعنى وتصويراً ونظماً, إلا أن ذلك لا يتنافى مع احتوائه على الآيات المتشابهات, فهي واردة من باب الإيمان بالله وكتابه, ومن باب العمل بردها إلى المحكمات إن أمكن, بتأويل الراسخين في العلم وفي ذلك أجر.والمتشابهات في القرآن إما تأتي مجملة فلا يترجح معنى فيها على آخر, وإما أن يكون في ظاهرها التشبيه, وعليه يجب تأويلها بما يتفق مع صفات الله تعالى العظيمة الكاملة, وذاته المقدسة, وأفعاله جليلة, وبما أن هذا تأويلات وإن كانت باطنة إلا أنها راجحة لقرائن تصرفها عن معانيها الظاهرة مثل قوله تعالى:(قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ) (ص ـ 75), فمحال أن يكون لله يد لأنه شرك بالله, ولذا صير إلا أن معناهما القدرة والخلق بلا واسطة أسباب.ولا يعدّ هذه القسم من المتشابه ـ الذي ظاهره التشبيه ـ مجملاً, لتعين المراد منه بنفي الشرك عن الله جل جلاله, أما المجمل يبيّنه البيان حالاً أو لاحقاً وما من مجمل إلا وبُيِّن, وبذا يتحدد المراد منه, وينتهي اشكال من نفى الإجمال في القرآن بحجة معارضة لأحكامه, هذا ومن حكمة الإجمال تشغيل العقل وما يتبع ذلك من كسب الأجر.لا شك أن تقسيم اللفظ إلى محكم ومتشابه وإلى مجمل ومبِين هو باعتبار وضوح أو خفاء المعنى وتحديده في اللفظ, واللفظ أما أن يتعين المراد منه دون احتمال آخر, وذلك نابع من السياق, فالسياق هو الذي يحدد معناه, حتى يكون نصاً عليه, وإما أن يحتمل احتمالات مختلفة إلا أن فيها الراجح والمرجوح, وذا يعرف من المعنى, ويسمى ظاهراً, وكلا النوعين محكم, ومثال ذلك قوله سبحانه:(وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) (البقرة ـ 175), فالآية في سياقها نصت على التفرقة بين الربا والبيع, وإن لم ندرك معناهما, أما ظاهرها فهو تحليل البيع وتحريم الربا وهو ما تعنيه, أو يتعين معناه إلى معنى بعيد لقرينة تمنعه عن المعنى القريب, وترجح البعيد وهذا يسمى المؤول.والنص والظاهر والمؤول الصحيح جميعها من نوع المفصل والمبين ,ومن أمثلة المبين في القرآن قصص الأنبياء وآيات العقيدة, أما القسم المقابل للمبين فهو المجمل حيث يحتمل معاني مختلفة دون ترجيح ويتوقف بيانه على غيره, ويفهم المراد من اللفظ بأصل الوضع أو بالبيان, وهذا الأخير اختص به المجمل.والبيان لغة هو الايضاح والإعلام والدلالة, واصطلاحاً هو اخراج اللفظ من حالة الخفاء والاشكال إلى حالة الوضوح, والمبيَّن هو اللفظ الدال على معنى بعد تبيينه, ويطلق البيان على المبيِّن من أول أمره بحيث لا يتفتقر إلى غيره لايضاحه.ويكون البيان إما بالعقل أو بالنقل, فالأول نحو قوله تعالى:(أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ) (النحل ـ 17), بالعقل ندرك أن الخالق هو الله وما عداه لا يخلق, ومثال الثاني:(هلوعاً) في قوله سبحانه:(إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا) (المعارج ـ 19), بينه قوله تعالى:(إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا، وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا) (المعارج 20 ـ 21).تعيين دلالة الصلاةويأتي البيان للتعيين أو لبيان الصفة أو لبيان المقدار, كقوله تعالى:(وأقيموا الصلاة), فتأتي السنة لتعيين دلالة الصلاة على القيام والركوع والسجود والقعود أفعالاً وأقوالاً, أو تأتي لبيان صفتها وأحكامها وأركانها وسننها وشروطها وآدابها, أو تأتي لبيان مقدراها كخمس صلوات في اليوم والليلة أو عدد الركعات في كل منها، ويأتي البيان متصلاً بالمجمل كآيات المعارج السابقة, أو يأتي منفصلاً عنه, كبيان السنة لكثير من المجملات القرآنية, وقد يأتي مستقلاً عن المجمل كقوله سبحانه:(وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) (البقرة ـ 27), فعبارة (حرم الربا) مستقلة عن (وأحل الله البيع), مع أن المعاملات الربوية قد تأتي عن طريق التجارة, وقد يأتي غير مستقل عنه نحو قوله سبحانه:(فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ) (النساء ـ 25), فقوله:(فتياتكم) مجمل بينته الصفة (المؤمنات), والصفة لا تستقل عن موصوفها, وقد يسمى الناسخ بياناً, تجاوزاً ويسمى مخصص العام بياناً لأنهما يوضحان المراد منهما ولو بفارق زمن واختلاف حالة.وللفظ أسباب توصله إلى إجماله, من أهمها ـ وليس على مثال الحصر: غرابة اللفظ, كما في (هلوعاً)، توارد اللفظين فأكثر على هيئة واحدة, نحو (مختار) و(محتاج) فيصدقان على اسم الفاعل وعلى اسم المفعول.المتواطيء, وهو ما تواطأ وتوافق فيه أفراد معناه, نحو الإنسالن في قوله تعالى:(وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا) (الإسراء ـ 11), فالإنسان يتفق فيه كل ابناء آدم, لكن هذا الحكم المذكور في الآية لا يصح اطلاقه على الرسل والأنبياء.المشترك اللفظي, وهو المحتمل لعدة معانٍ ثابتة بالوضع, نحو (عسعس) يعني ضدين هما: أقبل وأدبر, ومثل:(القرء) يعني ضدين هما: الحيض والطهر، ومرجع الضمير, قال الله تعالى:(إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) (فاطر ـ 10), فالضمير في (يرفعه) يحتمل عوده إلى اسم الجلالة وإلى الكلم الطيب وإلى العمل الصالح.مرجع النعت, ومن ذلك (رأيت أبا زيد الفاضل), فالفاضل قد ترجع إلى زيد, أو إلى أبيه.جهل معنى المخصِّص, نحو قوله سبحانه:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ) (المائدة ـ 1), فقوله:(إلا ما يتلى عليكم) وهو تخصيص لـ قوله (بهيمة الأنعام), هو تخصيص مجهول.جهل معنى الشرط, مثل أن يقال:(سامح زيداً مهما يكن), فـ (مهما يكن) يحتمل الكثير الكثير.جهل معنى الصفة, ومنه قوله تعالى:(وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ)(النساء:24), فالتخصيص بالاستثناء لم يُزِل إجمال الصفة (المحصنات), وقيل أن الاجمال في المستثنى (ما ملكت أيمانكم) لا في المستثنى منه.