اعداد ـ أم يوسف:قال تعالى:(فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّيناً وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَراً إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ * قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلِيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ).حسر عن ذراعيهقوله تعالى:(وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ) بضم التاء لالتقاء الساكنين لأن الكسرة تثقل إذا كان بعدها ضمة، وكسرت التاء على الأصل، قيل: إنها قالت لهن: لا تقطعن ولا تأكلن حتى أعلمكن، ثم قالت لخادمها: إذا قلت لك ادع إيلا فادع يوسف وإيل: صنم كانوا يعبدونه، وكان يوسف ـ عليه السلام ـ يعمل في الطين، وقد شد مئزره، وحسر عن ذراعيه، فقالت للخادم: ادع لي إيلا أي: ادع لي الرب وإيل بالعبرانية الرب، قال: فتعجب النسوة وقلن: كيف يجيء؟! فصعد الخادم فدعا يوسف، فلما انحدر قالت لهن: اقطعن ما معكن، قوله تعالى:(فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ) بالمدى حتى بلغت السكاكين إلى العظم قاله وهب بن منبه، سعيد بن جبير: لم يخرج عليهن حتى زينته، فخرج عليهن فجأة فدهشن فيه، وتحيرن لحسن وجهه وزينته وما عليه، فجعلن يقطعن أيديهن، ويحسبن أنهن يقطعن الأترج، واختلف في معنى (أكبرنه) فروى جويبر عن الضحاك عن ابن عباس: أعظمنه وهبنه، وعلى قول ابن عباس الأول تعود الهاء إلى يوسف أي: أعظمن يوسف وأجللنه.خدش وحزقولة تعالى:(وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ) قال مجاهد: قطعنها حتى ألقينها، وقيل: خدشنها، وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: حزا بالسكين، قال النحاس: يريد مجاهد أنه ليس قطعاً تبين منه اليد، إنما هو خدش وحز، وذلك معروف في اللغة أن يقال إذا خدش الإنسان يد صاحبه قطع يده، وقال عكرمة:(أيديهن) أكمامهن، وفيه بعد، وقيل: أناملهن أي ما وجدن ألما في القطع والجرح، أي لشغل قلوبهن بيوسف، والتقطيع يشير إلى الكثرة، فيمكن أن ترجع الكثرة إلى واحدة جرحت يدها في موضع، ويمكن أن يرجع إلى عددهن.قوله تعالى:(وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ) أي: معاذ الله، وروى الأصمعي عن نافع أنه قرأ كما قرأ أبو عمرو بن العلاء، (وقلن حاشا لله) بإثبات الألف وهو الأصل، ومن حذفها جعل اللام في (لله) عوضا منها وفيها أربع لغات، يقال: حاشاك وحاشا لك وحاش لك وحشا لك، ويقال: حاشا زيد وحاشا زيداً، قال النحاس: وسمعت علي بن سليمان يقول سمعت محمد بن يزيد يقول: النصب أولى لأنه قد صح أنها فعل لقولهم حاش لزيد، والحرف لا يحذف منه، وقد قال النابغة:(ولا أحاشي من الأقوام من أحد)، وقال بعضهم: حاش حرف، وأحاشي فعل، ويدل على كون حاشا فعلاً وقوع حرف الجر بعدها، وحكى أبو زيد عن أعرابي: اللهم اغفر لي ولمن يسمع، حاشا الشيطان وأبا الأصبغ فنصب بها، وقرأ الحسن (وقلن حاش لله) بإمكان الشين، وعنه أيضا (حاش الإله) ابن مسعود وأبي: (حاش الله) بغير لام، ومنه قول الشاعر: حاشا أبي ثوبان إن به ضنا عن الملحاة والشتمقال الزجاج: وأصل الكلمة من الحاشية، والحشا بمعنى الناحية، تقول: كنت في حشا فلان أي في ناحيته، فقولك: حاشا لزيد أي تنحى زيد من هذا وتباعد عنه، والاستثناء إخراج وتنحية عن جملة المذكورين، وقال أبو علي: هو فاعل من المحاشاة، أي حاشا يوسف وصار في حاشية وناحية مما قرف به، أو من أن يكون بشراً فحاشا وحاش في الاستثناء حرف جر عند سيبويه، وعلى ما قال المبرد وأبو علي فعل .. والله أعلم. .. يتبع بمشيئة الله.