[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/suodalharthy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]سعود بن علي الحارثي[/author]

سعود بن علي الحارثي
[email protected]

إلى جانب قيمتها الثقافية المتمثلة في تعزيز الوعي ونشر المعرفة ونقل المجتمع إلى مجتمع قارئ باحث مطلع، وهي مقدمة أساسية لتحقيق نهضة شاملة تعليمية – اقتصادية – تنموية – فكرية، تمثل معارض الكتاب كذلك قيمة اقتصادية عندما يتم توظيفها واستثمارها لخدمة وتعزيز الاقتصاد الوطني ورفع مساهمتها فيه، ففي الأساس (ولدت فكرة إقامة معارض الكتب من رؤيتين، الأولى اقتصادية وتقوم على تضييق المساحة الجغرافية أمام طالب الكتاب والباحث عن الجديد في عالم الثقافة، وبالتالي إتاحة الفرصة أمام الناشر لعرض جديده أمام أكبر شريحة ممكنة من الناس...)، وينبغي أن تتمثل تلك القيمة أو الأهمية الاقتصادية في بلداننا الخليجية خاصة مع السعي الحثيث لتنشيط الحركة الاقتصادية وتحقيق عوائد جديدة تعزز سياسات التنويع، في الآتي: أولا: تنمية وتنشيط وتشجيع حركة البيع والشراء ممثلة في الكتب والمؤلفات والوسائط المرئية والسمعية وجميع الوسائل التعليمية المرافقة التي تحتاجها المكتبات العلمية والأكاديمية والعامة والفردية وغيرها، ثانيا: ما يصاحبها من نشاط ترويجي وتسويقي تقوم به المكتبات ودور النشر والكتاب لتقديم وترويج وعرض الكتب والمؤلفات الجديدة أو تلك التي حظيت بطبعات جديدة وظهرت بحلة حديثة تجذب الانتباه وتشد أنظار المهتمين والمطالعين والقراء والباحثين والهواة في اقتناء وشراء الكتب والمؤلفات، ثالثا: ما تقدمه من فرص وظيفية ـ وإن كانت لفترة وجيزة ـ ولكنها تشكل مكسبا للباحثين عن عمل الذين ستتعزز ثقتهم في أنفسهم، وفي القدرة على اكتساب المعرفة والخبرة، وسيقدمون من خلال هذه الوظيفة المؤقتة التي تعد بمثابة تسويق لهم وفرصة أو مقدمة للحصول على وظيفة دائمة على التعريف بقدراتهم، والتعرف على مختلف الأطراف الفاعلة في المعرض: أصحاب دور النشر، المكتبات وممثلي القطاعات المختلفة الذين يختارون وينتقون الكتب والمؤلفات للمكتبات المؤسسية، الباحثين عن المعرفة باقتناء وشراء الكتب، وأخيرا تعد مصدر رزق تسد جزءا من متطلبات الحياة، رابعا: لما تمثله من نشاط يحرك العديد من الأوردة الاقتصادية كشغل عشرات أو مئات من غرف الفنادق لأصحاب دور النشر والكتاب والمثقفين والأدباء الذين يشاركون في فعاليات المعرض، وسائل النقل التي تنقل الكتب والمؤلفات أو العاملين في المعرض، القاعات المخصصة للمعرض وفعالياته الثقافية المتعددة التي يتم استئجارها، والمطابع ودور النشر وصناعة وبيع الورق التي تنشط وتشهد رواجا مع مواعيد معارض الكتاب الدورية... خامسا: الحراك الذي سيحدثه الكتاب والصحفيون والأدباء والمثقفون والممثلون عن دور النشر الذين سيشاركون في المعرض وفي إحياء أمسياته وفعالياته، وهم من ينبغي الاحتفاء بهم ووضع برنامج مثرٍ يقوم على تنظيم زيارات مخصصة إلى المعالم الأثرية والتاريخية والطبيعية والمشاريع الاقتصادية والثقافية المهمة للبلد الذي يستضيف معرض الكتاب، والاطلاع على المواقع السياحية العديدة والتعرف على الفرص الاستثمارية الواعدة، فهؤلاء لن يفوتوا هكذا فرص دون أن يكتبوا عن إعجابهم بهذه المواقع والمعالم والترويج لها وتقديمها عبر المجلات والحوليات والصفحات والمواقع المتخصصة ورقية كانت أم إلكترونية، تشارك في معرض الكتاب بمسقط في دورته الثانية والعشرين 750 دار نشر، منها بشكل مباشر 590 دار، فيما يبلغ عدد المشاركة عن طريق التوكيلات 160 دار نشر، ممثلة لـ28 دولة، وقد أشار وكيل وزارة الإعلام رئيس فريق الإعلان والتسويق إلى (التعاون بين اللجنة المنظمة والمؤسسات، حيث تبنت اللجنة مفهوم الشراكة مع القطاع الخاص)، ما يؤكد أهمية معارض الكتاب ودورها في تحريك وتنشيط الأوردة والقطاعات الاقتصادية والثقافية والتي ينبغي استثمارها بشكل أكثر فاعلية بما يحقق أقصى الطاقات الممكنة. أخيرا وهو ما يمثل القيمة الأكبر، العمل على تشجيع وتوجيه الشباب إلى المطالعة وتعويدهم على القراءة وتثقيف أنفسهم واكتساب المعرفة وحب العلم ومنها إلى طرح التساؤلات المهمة والبحث والإبداع وتخريج الأفكار الحية، بمعنى أن يكون الهدف ذا رؤية استراتيجية بعيدة تخدم الأوطان والشعوب، وتعد هذه الغاية بحد ذاتها أسمى الغايات وأنبل الأهداف، ذاك لأن الشباب هم عماد المستقبل، ونواة الاستثمار الناجحة والسليمة التي يجب أن تؤسس انطلاقتها على الكتاب، ومن حب القراءة، والبحث والمطالعة والتعود على طرح الأسئلة، لأنها تنتشلهم من براثن الفراغ وتصرفهم عن الانشغال بتفاهات الأمور وسفاسفها، وتبعدهم عن أمراض العصر، المخدرات والصحبة السيئة والتقنيات الحديثة بمفاسدها ومضارها العديدة المتمثلة في الألعاب الإلكترونية والدخول إلى المواقع المحرمة والتأثر بالثقافات والممارسات الفاسدة وقضاء الأوقات في المراسلات والمشاركات الضحلة والتواصل بهدف سد الفراغ لا غير، وتحررهم من المسلمات الخاطئة، يبلغ إجمالي العناوين في الموقع الإلكتروني لمعرض الكتاب في مسقط في دورته الحالية 450000 عنوان منها 30% إصدارات حديثة. إن معارض الكتاب (تخلق جوا من التفاعل الفكري أولا بين رواد المعرض، وبأنه يشكل منبرا مفتوحا على كل الثقافات، فتظهر الإبداعات الأدبية بكل مجالاتها الشعرية والروائية والنقدية والفكرية والسياسية والعلمية، فيقدم نتاجات النخب المخضرمة مع الأجيال الصاعدة في هذه المجالات)... إن صناعة النشر ومبيعاتها وأسواقها في الغرب وفي مختلف الدول المتقدمة تشهد نموا رغم الثورة الرقمية والكتب الإلكترونية التي يشهدها العالم، فمنذ العام ٢٠١٣ تراجع (نمو الكتب الإلكترونية في الولايات المتحدة وبريطانيا، فمن نسبة النمو التي كانت تزداد كل شهر مرتين أو ثلاثا، تراجع المؤشر إلى نسبة الصفر، بل في بعض الشهور نزل إلى ما دون الصفر). والعديد من الكتاب والمؤلفين في مختلف التخصصات العلمية والأدبية والمكتبات ودور النشر تتحصل في دول الغرب المتقدمة على أرباح كبيرة وثروات طائلة من خلال التأليف والطباعة والنشر والأعمال المرافقة، والعديد من الصناعات كذلك تعتمد عليها في تحريك وتنمية أنشطتها كمصانع الورق والأحبار ومؤسسات الإعلام والترويج والترجمة... وتنشط المبادرات والجهود المجتمعية والمؤسسية لتقديم الكتاب والترويج له وتشجيع الأفراد على القراءة والمطالعة والبحث، لذلك تصل مبيعات نسخ بعض الكتب إلى عشرات الملايين منها ويطلق على بعضها (الأكثر مبيعا) أو بيعت منها (خمسين مليون نسخة). من جانب آخر فقد أبانت الحالة الاقتصادية التي مرت بها دول الخليج خلال العام المنصرم وما زالت بسبب انخفاض أسعار النفط في الأسواق العالمية عن حاجة مجتمعاتنا بل وحتى مسئولينا إلى جرعات تثقيفية في القضايا والموضوعات والمصطلحات الاقتصادية تعزز قدراتهم في التعرف على أسباب الأزمات المالية والاقتصادية وتأثيراتها على مجمل الحياة العامة وكيفية التعامل معها والتغلب على آثارها، والخيارات المتاحة أمام الحكومات لتعزيز وتنويع الإيرادات، هذا فضلا عن استيعاب المفاهيم المؤثرة على الموازنات والخطط العامة والعملة المحلية والسوق بشكل عام وأثر كل منها على الآخر سلبا أو إيجابا، وتأسيس وعي عام يهيئ المواطن ويعده للسياسات والقرارات المتخذة من قبل الجهات المختصة لمعالجة عجز الموازنة وإعادة التوازن، ومن المناسب بل ومن الضروري استثمار معارض الكتاب في دعوة خبراء اقتصاديين من مختلف دول العالم وتنظيم جلسات حوارية ومحاضرات تنعقد خلال أيام المعرض لمناقشة القضايا الاقتصادية وعرض تجارب الدول ونجاحاتها في التعامل مع الأزمات الاقتصادية واستشراف الفرص والخيارات المتوفرة في كل بلد لتعزيز التنويع، وفتح المجال للمناقشات التثقيفية وطرح الأسئلة التي تخدم الهدف وتحقق الغاية.
فهل يقدم معرض الكتاب مساهمة مرضية في الاقتصاد الوطني، وهل توجد خطة محددة لاستثمار هذه المعارض ورفع قيمتها الاقتصادية؟ لا شك في أن هناك عقبات تواجه إقامة مثل هذه المعارض، فلا يزال المجتمع (يضع تصورا تقليديا لفكرة تنظيم المعارض، من خلال التركيز على هدف استقدام القراء وبيع الكتب) لا غير. لقد أكد وزير الإعلام أنه من ضمن الإضافات الجديدة في معرض مسقط للكتاب في دورته الحالية (الموقع الجديد بمركز عمان للمؤتمرات والمعارض بحي العرفان، وتخصيص ثلاث قاعات متكاملة للفعاليات الثقافية وركن موسع للبرامج الثقافية للطفل، وتخصيص ركن لفعاليات المبادرة المجتمعية الثقافية، واعتماد إنشاء المقاهي الثقافية في عدد من الأجنحة المشاركة، ومشاركة الجهات ذات العلاقة بصناعة ونشر الكتاب كحضور مؤلفين لتوقيع الإصدارات وإبرام عقود الإنتاج والنشر، ومشاركة الجهات المعنية بصناعة الكتاب وما يتصل به من إعداد وتجهيز وتغليف وإخراج فني وتوسعة المركز الإعلامي ورفده بقدرات وطاقات إعلامية ليكون نافذة إعلامية للمعرض على العالم...). وتضمنت البيانات الخاصة بالمقارنة بين الدورة الماضية 2016 والحالية للكتاب التي قدمها مدير معرض مسقط الدولي للكتاب تطورات مشجعة على النمو حيث (بلغ عدد الأجنحة العام الماضي 950 جناحا، في حين تبلغ هذا العام 1200جناح، كما كان عدد دور النشر العام الماضي 524 دارا، في حين بلغ عددها هذا العام 590 دار نشر، كما أن عدد الفعاليات في العام الماضي بلغت 32 فعالية، وهذا العام سيكون هناك 45 فعالية)، في مؤشرات واضحة على تطور ثقافة معارض الكتاب، والحرص على تعزيز أدوارها الاقتصادية والثقافية بما في ذلك المبادرات المجتمعية، التي خصصت لها جائزة تحت اسم (المبادرات) تقدم مع نهاية الدورة الحالية للمعرض.