مصطفى بن حمد بن سعود أمبوسعيدي
كلية السلطان قابوس لتعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها
[email protected]

هناك علاقة وطيدة بين المعجمات والمفردات، فإذا كانت المفردات تعبّر عن مكنونات المجتمع اللغوي من ناحية الألفاظ، فالمعجم كتاب ضخم يحتوي كتبا تتمثل في الثقافة والحضارة، "فهو يعتبر مرآة يمكن من خلاله رؤية العالم"، فالمعجم هو مجموع كلمات اللغة الموضوعة تحت تصرّف المتكلمين، والمفردات هي مجموع الكلمات المستعملة والموظفة من متكلم معين في ظروف معينة، ويرى ماطوري في تعريف المعجمية " إنها علم مجتمعي يستعمل الأدوات اللّسانية التي هي الكلمات"، من هنا نجد أن الصناعة المعجمية تهتم بالمفردات جمعا وشرحا وتحليلاً، فثراء الحصيلة اللغوية وتنوع مستوياتها لدى المتعلّم لها أهمية في جعل المتعلّم يفهم ويدرك ما ينطق وما يكتب، فهو عندما يلتقط أو يتلقن مفردات اللغة وتراكيبها ويدرك مدلولات هذه المفردات والتراكيب يسهُل عليه فهم واستيعاب معنى الجمل والعبارات التي تصاغ بها أو منها، وهذا ممّا لا شك فيه أنه يوسع من مدى فهمه للآخرين ويوثق علاقته بهم، لأن الإنسان عادة مدفوع لإنشاء العلاقات مع من يفهمه أو يستطيع التخاطب معه.
ولا تظهر أهمية الحصيلة اللغوية من ألفاظ اللغة فقط، مهما بلغت هذه الحصيلة من الثراء، ما لم تكن هناك قدرة على صياغة وتركيب وسبك وربط المفردات اللغوية المكتسبة على نحو سليم، يقول عبد القاهر الجرجاني:" ليس الغرض بنظم الكلم أن توالت ألفاظها في النطق، بل إن تناسقت دلالتها وتلاقت معانيها على الوجه الذي اقتضاه العقل"، لذا فإن الثروة اللفظية لا تظهر أهميتها ولا تظهر البراعة في استخدامها ما لم تبرز معبرة عن ثروة فكرية أو عن حصيلة متميزة جيدة نافعة من المعاني، ومخزون مؤثر فعّال من العواطف ومن صور ذهنية متلائمة معها، فالإحاطة بجانب كبير من مفردات اللغة وتراكيبها وكل ما يتصل بهذه المفردات والتراكيب من معان ومدلولات ليس بالشيء اليسير لدى الإنسان، إذ يتعذر على ذاكرة الإنسان - مهما قويت أو اتسعت – أن تحتفظ بكل ما أودع أو اختزن فيها من معلومات لأمد طويل، فالإنسان معرض لأن ينسى الكثير مما حفظ واكتسب من معلومات أو معارف مع مرور الزمن، لذا نجد أن مستخدمي اللغة لا يستطيعون استخدام مفردات اللغة بأكملها، فهم بحاجة ماسة إلى مراجع يعتمدون عليها وتمدّهم بما يحتاجون إليه، كما تزودهم بمعاني ومدلولات هذه المفردات.
فهناك ارتباط وثيق بين علم اللغة وعلم المعجم حدا بعلماء اللغة إلى اعتبار المعجم فرعا من فروع علم اللغة التطبيقي؛ فهو يختص بمعالجة الجانب العلمي للغة، وهذا الارتباط شكّل دعماً قوياً لمتعلّم اللغة حيث جعل استعمال المعجم جسراً يربط بينه وبين تعلّم تلك اللغة، وأصبح بمثابة البوابة الأولى للدخول في دهاليز اللغة، فعملية تعلّم اللغة لا يمكن فصلها عن المعجم الذي يشكل متنها، والأداة الكاشفة لغريبها المسعفة لطالبها، وقد أشارت معظم الدراسات الأجنبية إلى وجود علاقة ايجابية بين استعمال المعجم واكتساب المهارات اللغوية (التحصيل اللغوي) لدى مكتسبي اللغات الأجنبية، فاستعمال المعجم يساهم مساهمة ايجابية في إثراء حصيلة المكتسب اللغوية خاصة إذا كان هذا المعجم زاخراً بالمفردات والتراكيب اللغوية.
إنّ التسليم بأهمية المعجم في ميدان تعلّم اللغات الأجنبية أمرٌ لا يحتاج إلى تقرير خاصة إذا أدركنا أنّ معظم الدراسات تؤكد على ضرورة التقليل من دور المعلّم في العملية التعليمية والتركيز على المتعلّم وما يوفره لنفسه من وسائل تعينه على اكتساب وتعلّم اللغة بشكلٍ جيد وفعّال، ولعلّ استعمال المعجم يبرز كأحد هذه الوسائل خاصةً إذا كان هذا المعجم مصمّما على أسس علمية وتربوية تلائم حاجات الدارسين، وفي هذا السياق يرى الدكتور علي القاسمي "بأنّ على مدرسي اللغة أن يزودوا تلاميذهم بثقافة معجمية"، لذلك ينبغي على المعجم إنّ يحشد أمام المتعلّم مادة علمية ولغوية وفيرة تتمثّل في :
- المعجم هجاء للكلمة على النحو المقبول عند المثقفين.
- المعجم نطق الكلمة برموز صوتية مبسطة.
- المعجم تأصيل للكلمة ومشتقاتها.
- المعجم معلومات صرفية أساسية عن الكلمة.
- المعجم معلومات نحوية أساسية.
- المعجم معلومات موسوعية أخرى.
إنّ من يخوض حقل تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها يدرك تماما أنّ هذا الحقل يعاني نقصا بارزا وضعفا واضحا في وجود معاجم متخصصة أحادية كان أم ثنائية، لهذا فإن الحاجة تبدو ملحة لوضع معاجم متخصصة في هذا الحقل البكر الذي يتطلب معه بذل المزيد من الجهود في توفير معاجم تلبي حاجات الدارسين وتضع أمامهم مادة علمية وموسوعة غنية عن اللغة العربية وآدابها وثقافتها.
ومن أجل معرفة استعمال المعجم يتطلب إعطاء الطالب أو المكتسب للغة زخماً غير يسير من المعلومات، جزء منها يقع في ميدان الصرف، وجزء آخر في ميدان النحو، علاوة على ذلك ما يتعلق ببناء المعجم وتبويب مداخله وطريقة عرض المادة العلمية في كل باب، ولهذا فإنّ مهارات استعمال المعجم تأخذ حيزاً في كفاءة المتعلّم اللغوية.

في تعريف بعض المعجمات معجم أحادي اللّغة هو ما اتّفقت فيه لغة المدخل مع لغة الشرح ويعتمد على التعريف، والمفردات أداة أساسية في إيصال المعلومة، إضافة إلى ذلك معجم ثنائي اللّغة أو ما يطلق عليه بمعجم متعدد اللغات وهو ما اختلفت فيه لغة المدخل عن لغة الشرح وهذا النوع من المعاجم يهتم بتقديم معلومات عن اللغة المشروحة أكثر من اللغة الشارحة، وقد أثبتت الدراسات السابقة في هذا المجال أنه لا يوجد فرق عند الطلاب بين استعمال المعجمين، الأمر الذي يؤكد أنّ استعمال المعجم بحد ذاته يعدّ ضروريا بصرف النظر عن نوعيته، مع أنّ الحقائق العلمية تدلّ على أن المعجم أحادي اللغة أعظم فائدة وأوسع أثرا في تحصيل اللغة الثانية.
هناك آليات وأسس يجب أن يتكئ عليها مكتسب اللغة الثانية في تلّمه للغة حتى تصبح عملية الاكتساب يسيرة سهلة؛ من هذه الأسس:
- تخصيص جزء من عملية التعلّم في استعمال المعاجم وذلك من أجل إثراء الحصيلة اللغوية.
- لفت أنظار المكتسبين والدارسين إلى أنواع المعاجم المتاحة.
- إلمام المعجم المستخدم بهجاء الكلمة ونطقها ومرادفاتها والكلمات المضادة لها.
- إلمام المعجم بالصور والرسومات التوضيحية التي تساعد المكتسب على تصور الكلمة.

المعجم المخصص للناطقين بالعربية والمعجم المخصص لغيرهم
الفرق بين المعجمين فرقٌ يحتّمه الفرق بين نوعين من القرّاء هما: الناطقون بالعربية، وغير الناطقين بها، والاختلاف بين هذين النوعين من القرّاء على وجهين: لغوي وحضاري، فمن الناحية اللغوية ألِف الناطقون بالعربية نظامها الصوتي والصرفي والإعرابي والدلالي وأصبحت لهم سليقة تعينهم على أدائها وتعصمهم من الرطانة، أمّا غير الناطقين بالعربية فتجابههم صعوبة نطق الوحدات الصوتية التي لم تعتد على أدائها أعضاء النطق لعدم وجودها في لغتهم، ويخطئون في مواضع النبر والتنغيم، ومن الناحية الحضارية فإن الحضارة العربية الإسلامية تختلف بدرجات متفاوتة عن حضارات غير الناطقين بالعربية من حيث مظاهرها الفكرية والمادية.