” منذ استقلال السودان عن مصر والعلاقات المصرية السودانية تمر بحالات من المد والجزر, وكانت الغلبة للتوتر وسوء الفهم والتوجس وانعدام الثقة؛ خصوصا من جانب السياسيين والحزبيين السودانيين, الذين أرجعوا سوء العلاقة لسيطرة العسكريين على مقاليد الحكم في مصر وتفضيلهم التعامل مع أنظمة عسكرية مرادفة لهم في السودان, لذلك وأدوا كل التجارب الديمقراطية التي ظهرت في السودان منذ الاستقلال, ”

[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/mohamedabdel.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]محمد عبد الصادق[/author]

ليس هناك بلدان تربطهما علاقات مصيرية وأزلية مثل مصر والسودان فمثلما يقطعهما نهر النيل من الجنوب إلى الشمال ـ ارتبط الشعبان بصلات الدم والقربى والمصاهرة والدين واللغة والتكوين الثقافي والتاريخ المشترك, وظلا دولة واحدة قرابة مائة وثلاثين عاماً منذ وحد محمد علي باني النهضة الحديثة القطرين في عام 1820, وظل يحارب نصف قرن حتى استطاع توحيد السودان بعد أن ضم سلطنة دارفور إليها سنة 1874م, و ضم جنوب السودان الذي كان يعرف في ذلك الوقت باسم المديرية الاستوائية, وتحمل في سبيل ذلك خسائر فادحة من الرجال والمال وتربص القوى الاستعمارية.
وكان يطلق على حكام أسرة محمد علي (ملوك مصر والسودان). والمفارقة أن معظم رؤساء مصر بعد ثورة يوليو 1952م , كان لهم جذور وروابط بالسودان؛ فاللواء محمد نجيب كانت أمه سودانية حيث تزوجها أبوه الفلاح المصري الذي ترك الفلاحة والتحق بالجيش الذي أرسله محمد علي إلى السودان, وولد وتربى وتلقى تعليمه الأولي في كلية جوردون العريقة في أم درمان, وكانت أغلب خدمته العسكرية في الجيش المصري بالسودان, وجمال عبد الناصر انتقل ليخدم في الخرطوم بناء على طلبه وتحديدا في جبل الأولياء وهناك التقى بزملاء السلاح ودشنوا حركة الضباط الأحرار, ليخططوا بعد ذلك للقيام بثورة " 23 يوليو" .
الرئيس الراحل أنور السادات كانت أمه سودانية اسمها"ست البرين" تزوجها أبوه الذي كان يعمل ممرضا بأحد مستشفيات الجيش المصري بالسودان وفقد وظيفته وعاد إلى القاهرة عقب اغتيال " لي ستاك " سردار الجيش المصري وحاكم السودان الذي ترتب على مقتله, طرد الجيش المصري من السودان ورزوح البلدين تحت الاحتلال المباشر للجيش البريطاني.
ظلت مصر والسودان دولة واحدة باستثناء فترات محدودة من حكم الدولة المهدية ثم سرعان ما عادت مصر إلى السودان مرة أخرى عبر الحكم الثنائي (المصري /البريطاني) إلى أن قرر جمال عبد الناصر في يناير 1956م إعطاء السودانيين حق تقرير المصير والذين فضلوا الاستقلال عن مصر.
منذ استقلال السودان عن مصر والعلاقات المصرية السودانية تمر بحالات من المد والجزر, وكانت الغلبة للتوتر وسوء الفهم والتوجس وانعدام الثقة؛ خصوصا من جانب السياسيين والحزبيين السودانيين, الذين أرجعوا سوء العلاقة لسيطرة العسكريين على مقاليد الحكم في مصر وتفضيلهم التعامل مع أنظمة عسكرية مرادفة لهم في السودان, لذلك وأدوا كل التجارب الديمقراطية التي ظهرت في السودان بعد الاستقلال, وكان آخرها عندما ألغى مبارك اتفاقية الدفاع المشترك واتفاقيات التكامل بين مصر والسودان وضغط على السودان اقتصاديا ودبلوماسياً؛ اعتراضا على تولي الصادق المهدي رئاسة الوزراء, عقب سقوط حكم جعفر نميري, بعد انتخابات حرة نزيهة عام 1985م , حاز فيها حزب الأمة بزعامة المهدي الأكثرية, وحملوا مصر/مبارك جزءا من المسؤولية عن فشل حكومة المهدي وعدم استمرارها في الحكم أكثر من ثلاث سنوات.
في تسعينات القرن الماضي تدهورت العلاقات بين البلدين بشكل غير مسبوق وصل إلى مستوى الحرب الباردة التي كان يمكن أن تتحول إلى حرب حقيقية, بسبب اعتقاد حسني مبارك أن السودان يقف وراء محاولة اغتياله أثناء حضوره مؤتمر القمة الإفريقية في أديس أبابا, وأنها تؤوي عددا من قيادات الجماعات الإسلامية الهاربين من أحكام صدرت بحقهم في مصر, وأنها ترعى معسكرات للجبهة الإسلامية بزعامة حسن الترابي لتدريب الجهاديين المصريين.
كما أن السلطات السودانية سمحت للشيخ عمر عبد الرحمن زعيم جماعة الجهاد المصرية بالإقامة في السودان وسهلت له الظهور الإعلامي وساعدته في الحصول على تأشيرة الوصول إلى أميركا, وخرج أحد أعضاء المجلس العسكري الحاكم في السودان آنذاك ليشبه هذه الاستضافة باستضافة القاهرة للمعارضة السودانية.
في 1990م أصدرت مصر قرارا جمهوريا بضم مثلث حلايب وشلاتين وأبورماد في إطار ترسيم الحدود الجنوبية مع السودان, وفي عام 1992م قامت القوات المصرية بالتوغل في منطقة حلايب, وتقدم السودان بشكوى لمجلس الأمن, وجاء رد عمرو موسى وزير الخارجية المصري في ذلك الوقت بأن حلايب أرض مصرية وأن الصلاحيات والتسهيلات الإدارية التي منحتها الحكومة المصرية للسودان لأسباب محددة لا تجعلها أرضاً سودانية, وقبل النظام السوداني بالأمر الواقع وتلاشت القضية عن الأنظار حتى عام 2010م , حين خرج الرئيس السوداني عمر البشير بتصريحات حول أحقية السودان في مثلث حلاليب, وتكرر الرد المصري وتم إدراج حلايب كدائرة انتخابية مصرية وأجريت بها الانتخابات البرلمانية والرئاسية المصرية عامي 2011م و2012م .
في مطلع الألفية شهدت العلاقات المصرية السودانية انفراجة, بعد انشقاق الدكتور حسن الترابي وخروجه من السلطة واكتسبت العلاقات دفعة قوية بعد الزيارة الخاطفة التي قام بها حسني مبارك للرئيس البشير في الخرطوم وتم توقيع اتفاقية الحريات الأربع وهي حرية التملك والتنقل والإقامة والعمل بين البلدين وإن كانت هذه البنود لم تفعل خصوصا من الجانب المصري الذي لم يلغ تأشيرات الدخول للسودانيين بشكل كامل.
بعد ثورة 25 يناير تحسنت العلاقة بين البلدين خصوصا مع وصول الرئيس الإخواني محمد مرسي للسلطة, والذي كان البشير أول زائريه ومهنئيه القلائل, بينما شهدت علاقة السيسي مع البشير حالة من الشد والجذب, فرغم تعدد لقاءات الرئيسين والحديث عن وجود مشاريع للتكامل الاقتصادي وتطابق وجهات النظر حيال القضايا التي تهم البلدين.
لكن يبدو أن هناك ملفات ظلت تعكر صفو هذه العلاقة؛ مثل اتهام مصر للسودان بإيواء عدد من قيادات الإخوان الذين يمارسون أنشطة عدائية ضد نظام السيسي, وملف سد النهضة الذي أعلنت السودان صراحة انحيازها لإثيوبيا وتأييدها لإنشاء السد دون انتظار رأي المكاتب الفنية التي رفضت السودان سداد حصتها من أتعابها؛ مما عطل خروج التقرير النهائي وأعطى أثيوبيا الفرصة للاستمرار في بناء السد الذي تقول مصر إن له تأثيرا كارثيا على حصة مصر من مياه النيل, بينما تتهم السودان مصر بتقديم الدعم للمعارضة السودانية وترفض التفاوض لحل مشكلة حلايب بالوسائل السلمية, كما تتهم السودان الأمن المصري بإساءة معاملة السودانيين المقيمين في القاهرة.