[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/suodalharthy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]سعود بن علي الحارثي[/author]
سعود بن علي الحارثي*
Saud2002h@hotmail
” وقفة الإنسان المشرفة مع أخيه واجب حثت عليه الشرائع والأعراف وتمليه الحاجات والوقائع وأوجبته الظروف والطبائع الإنسانية، خاصة عندما يكون ذلك الآخر يعيش أحلك الظروف فيكون في أمس الحاجة إلى تلك الوقفة التي تختلف في النوع والقدر وذلك حسب ظروف ومكانة وقدرة الطرفين المقتدر والمحتاج، فالوقفة المعنوية تختلف عن المادية وهما معا يختلفان كذلك صعودا وهبوطا،”
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عندما طلب منه مبلغ زهيد من المال قبل نهاية أيام شهر ميلادي سبقت تحويل الراتب الشهري المعتاد، كان ذلك من أجل تلبية متطلبات أسرته الضرورية التي تضاعفت عليه في تلك الأيام بشكل مفاجئ لدرجة أن دخله قصر عن سد ذلك العجز، لبى طلبه فالمبلغ المطلوب كان مقدورا عليه وحالة الرجل كما قدمها بالشرح والتفصيل تستدعي الإسراع في قضاء حاجته، وكان الرجل وفيا في وعده بإعادة المبلغ إلى صاحبه بمجرد أن حصل على مرتبه الشهري، وعندما أعاد الكرة عليه مرات أخرى بعد ذلك طالبا مبلغا أكبر من السابق، وهكذا مع كل مراجعة وطلب متجدد، لم يكن مدركا بأن الرجل كان يستدرجه، إلى أن جاءه أخر مرة طالبا منه مبلغا كبيرا لم يكن حقيقة يملكه وإلا ما بخل به عليه، وبرغم الظروف التي يمر بها صاحب الحاجة كما أكد وأوضح والثقة التي أوجدها وثبتها خلال الأشهر السابقة بالتزامه الذي أظهره في تسديد المبالغ التي كان يأخذها أولا بأول، إلا أنه أضطر إلى أن يشرح له موقفه وأن يظهر له عجزه عن تلبية طلبه عارضا عليه جزءا من المبلغ المطلوب عسى أن يكفيه في تلبية بعض من احتياجاته الضرورية، بعدها بفترة أدرك – أي بعد أن أخذ الرجل منه المال الذي لم ينجح في الحصول عليه كاملا كما أراد وخطط - بأنه وقع ضحية محتال كان يخطط ويدبر في النصب عليه متكئا طوال الوقت على زرع وتعزيز الثقة والعطف في نفسه مستغلا المشاعر النبيلة التي كان يحملها تجاه كل محتاج يقصده، لقد أظهر الرجل وجهه الحقيقي الذي أخفاه فترة من الزمن وأبان عن سلوكه الممقوت عندما أخذ ذلك المال وتملص عن الدفع للمرة الأولى بعد سلسلة من الاقتراض وإعادة المبلغ، بل وأخفى نفسه عمن أحسن إليه، فما سلك صاحب النفس الطيبة طريقا إلا سلك هو طريقا آخر مختلفا، حتى يئس أخيرا من تحصيل ماله. إنه موقف من مواقف عديدة تمتلئ بها ذاكرة الكثيرين ممن تعرضوا ويتعرضون لمثل هذه المقالب المشينة التي يتقنها أفراد ليسوا بالقلة في المجتمع تؤدي إلى حرمان صاحب حاجة من قرض ميسر يقدمه من كانت عندهم الوفرة في المال خوفا وترددا وتحوطا من تعرضهم لمثل هذا الصنف من الناس، وتصبح حجة وورقة يرفعها أولئك الذين يبحثون عن سبب يعزز توجهاتهم المسبقة بشأن هذا النوع من المساعدات المعارضة لتقديم قرض دون مقابل لمحتاج، وتبرر آراءهم التي ترى بأن البنوك هي الجهة المتخصصة في تقديم القروض، والمؤسسات الاجتماعية هي المعول عليها في تقديم المساعدات.
وقفة الإنسان المشرفة مع أخيه واجب حثت عليه الشرائع والأعراف وتمليه الحاجات والوقائع وأوجبته الظروف والطبائع الإنسانية، خاصة عندما يكون ذلك الآخر يعيش أحلك الظروف فيكون في أمس الحاجة إلى تلك الوقفة التي تختلف في النوع والقدر وذلك حسب ظروف ومكانة وقدرة الطرفين المقتدر والمحتاج، فالوقفة المعنوية تختلف عن المادية وهما معا يختلفان كذلك صعودا وهبوطا، وما يعنينا في هذا المقال القروض الشخصية التي يضعها صاحب قلب رقيق كانت عنده وفرة من المال في متناول صاحب حاجة، حتى ولو كانت تلك الوفرة تظهر فجأة وبشكل طارئ لتختفي بعد ذلك، وهي مسألة طبيعية ووقفة يشكر عليها أصحابها وينبغي تشجيعها من قبل المجتمع والحث عليها، أما أولئك الذين يستغلون النفوس الطيبة والقلوب التي تحركها المشاعر النبيلة مقابل مبالغ زهيدة فانهم يفقدون سمعتهم ويخسرون ثقة الناس فيهم، ويصبح عملهم وبالا عليهم في الدنيا قبل الآخرة، لأن استغلال الآخرين والمماطلة في رد الدين حتى عند القدرة على ذلك والتلاعب بالحقوق ... جميعها سلوكيات مذمومة تقودها عقول غير راشدة .