كاتماندو ـ د ب أ: ترتدي تشانيرا باجراتشاريا ملابس التخرج وقبعة أنيقة وتبدو مثلها مثل المئات من الطلاب الآخرين المتجمعين في حفل في جامعة خاصة بوسط نيبال.إلا أن الشابة 21 عاما، التي ترتدي نظارة طبية وتخرجت في نوفمبر الماضي وحصلت على شهادة في إدارة الأعمال وتواصل حاليا دراستها للحصول على شهادة ماجستير في إدارة الأعمال، كان يعبدها آلاف الأشخاص وتُحمل على عربات مذهبة خلال المهرجانات في مدينة باتان القديمة جنوب كاتماندو.وكان عمر باجراتشاريا بالكاد ست سنوات عام 2001 عندما تم اختيارها كـ"كوماري" وتعني العذراء بالنيبالية، وهي جزء من تقليد يعود لقرون تُعبد فيه البنات ما قبل سن البلوغ باعتبارها آلهة حية.وتحظى الكوماري بتقدير كل من الهندوس والبوذيين باعتبارها تجسيدا للإلهة الهندوسية "تاليجو".وتظل "الإلهات الحية" في منازلهن أو في المعابد، حيث يواجهن روتينا يوميا مرهقا يتضمن طقوسا دقيقة تبدأ بوضع كحل ثقيل للعينين تليه صلوات ثم فيض لا ينتهي من الزائرين الطامحين إلى الحصول على البركات. وعلى خلاف بنات سنها، فإن الكوماري تعيش طفولة بعيدة عن الطبيعية.ويعبد المخلصون الآلهة الحية. وبعضهم يطلب حتى أن تلمس قدم الصغيرات جبهاتهم طلبا للبركة.وتشكل الفتيات اللاتي تتراوح أعمارهم بين ثلاث وأربع سنوات من مجتمع "نيوار" من السكان الأصليين في كاتماندو فئة الآلهة الحية المحتملة. ويمكن للوالدين إرسال بناتهم إلى الكهنة الهندوس للنظر في أمرهن.ويكون مطلوبا من الإلهة الحية ألا تخاف ويتعين ألا تكون قد أصيبت قبل ذلك في حياتها بجروح نزفت على إثرها دما. وعادة ما تتقاعد بين سن الثانية عشرة والسادسة عشر.وبدأ الناشطون المدافعون عن حقوق الأطفال وبعض آباء "الإلهات الصغيرات"، وهناك تسع منهن في وادي كاتماندو حاليا، في المطالبة بتعليم منزلي للفتيات في مطلع القرن الحادي والعشرين, وكانت باجراتشاريا من أوائل المستفيدات من الحركة التعليمية.وانتهت فترتها كإلهة حية، التي استمرت تسع سنوات، عام 2010 عندما وصلت إلى سن البلوغ، إلا أنها تقول إن مرحلة الانتقال إلى مجرد بشرية لم تكن سهلة. وبدأت مشاكلها مع أولى خطواتها إلى خارج منزلها إلى الشوارع المزدحمة في المنطقة التي تسكنها جنوب كاتماندو.واسترجعت قائلة :"كان يتعين علي السير إلى معبد قريب. مرت تسع سنوات منذ سرت آخر مرة في الشوارع ولم أعد معتادة على ذلك. تمنيت لو أن أحدا حملني على محفّة".وبمساعدة والديها المنتمين إلى الطبقة الوسطى، ووالدها يعمل في الطلاء ووالدتها ربة منزل، بدأت تدريجيا في الاعتياد على مثل هذه الأمور البسيطة.إلا أن التأقلم مع أقرانها في الجامعة كان أمرا صعبا.تقول باجراتشاريا، التي ظلت شابة خجولة مغرمة بالروايات المكتوبة باللغة النيبالية :"زملائي في الجامعة كانوا يقولون إنهم يرونني متحفظة ومترددة في الاختلاط معهم. ربما بسبب تجاربي السابقة".وقبل سنوات قليلة، توصل معلمو باجراتشاريا إلى فتاة قليلة الكلام مثلها، وشجعوهما على إقامة علامة صداقة. وقد أصبحتا الآن صديقتين مقربتين.وظل ناشطو حقوق الطفل ينتقدون تقليد الكوماري، ويؤكدون أنه ينتهك حق الفتيات في الاستمتاع بطفولتهن والتعلم.يقول جاوري برادهان، المفوض السابق بالمفوضية الوطنية لحقوق الإنسان، :"في النهاية، الإلهة الحية هي طفلة، ومن ثم لا يتعين معاملتها بطرق ربما يكون لها تأثيرات سلبية على نفسيتها".وكان تم رفع طلب إلى المحكمة العليا في نيبال عام 2005 لوضع نهاية لهذا التقليد. وفي نهاية المطاف، رفضت المحكمة الطلب إلا أنها أمرت الحكومة باتخاذ إصلاحات.وقال تشوندا باجراتشاريا، أستاذ الثقافة بجامعة تريبوفان في كاتماندو وليس له علاقة بتشانيرا، إن التقليد قد تغير بشكل كبير على مر السنين.وأضاف :"هذا ليس انتهاكا لحقوق الفتيات. فالفتاة يكون مسموحا لها بالألعاب الداخلية. وهذا إنما يظهر أن ثقافتنا تقدّر طفولتها وتمنحها سلطة إلهية. ثم أن الأمر يتعلق بمجرد سنوات قليلة تكون بعدها حرة".وتدافع باجراتشاريا، الإلهة السابقة، عن هذا التقليد وترى أنه ساعدها على الشعور بالاتصال بثقافتها النيبالية. ويستمر تقليد الكوماري رغم سقوط الملكية في نيبال، التي كانت وثيقة الارتباط بها.إلا أن باجراتشاريا تطالب بزيادة مخصصات التقاعد لمثيلاتها. وهناك نحو 50 كوماري سابقة في وادي كاتماندو، بعضهن يحصلن على مخصص شهري يصل إلى عشرة آلاف روبية نيبالية (70ر91 دولار). كما أنها تطالب السلطات في المعابد بتوفير بيئة شبيهة بالمدارس للكوماري.ورغم أنها تكافح للتكيف مع حياة ما بعد الكوماري، فإن باجراتشاريا لم تشكُ أبدا من مهمتها السماوية.وتقول :"أشعر أنني محظوظة جدا لأني عشت حياتين، الأولى كإلهة حية والآن كبشرية عادية. أنا سعيدة جدا وفخورة بذلك".