ـ في عبري ...جهود متواصلة لإعادة النبض لأشهر وأعرق الأفلاج القديمة .. فهل تنجحعبري – من صلاح بن سعيد العبري : منذ سالف العصور اشتهرت عمان بالزراعة ، وكانت الأفلاج هي المصدر الرئيسي لري المزروعات، كما كانت شريان الحياة ونبضها الحيوي، وعلى مر التاريخ تعايش العُمانيون مع هذا المصدر فتفاعلوا معه بنوا حوله بيوتهم ومساجدهم وشيدوا الحارات والقرى ، فكان وما زال رفيقهم وصاحبهم فتغنى به الشعراء وخلدوا اسمه بين سطور قصصهم وكتاباتهم فصار أهم موروث تعاقبت عليه الأجيال وحافظوا عليه واهتموا به على مر الأزمان ربما يخفت برهة من الزمن لكن يظل محفورا في ذاكرة الأبناء حتى يتم إحياؤه من جديد ليجري بخيره إلى أرضها المباركة.يقول الدكتور عبدالله بن حمد بن محمد الشرع الجساسي وكيل فلجي المبعوث والمفجور وهما أشهر وأعرق الأفلاج بمحافظة الظاهرة : لا تكاد تذكر عمان إلا وتذكر معها أفلاجها وبساتينها ونخيلها ، فهي تُعرف وتتفاخر كتراث عماني عريق ، فكيف لا تتفاخر به وهو الذي به أنعم الله على الأرض بجنات ونهر وظلالا وثمار، فأنتجت ما أمن للمواطن قوت يومه وسدت حاجته وفاضت به بركات الأرض وإلى اليوم لا يزال الفلج أهم مصدر لري المزروعات بفضل حفاظ الأجداد عليه ، وكم يشعر العُماني بالسعادة وهو يرى أفلاج بلاده تسيل متفاخرة في سواقيها ، وينعم بمياهها البشر والشجر والحيوان والطير . وأضاف الجساسي : استمر اهتمام العُماني بالأفلاج حتى عهد النهضة المباركة فبادرت الحكومة بصيانة هذا المصدر الحيوي وبذلت من أجله الجهود ، فوضعت له التشريعات والقوانين التي تكفل حمايته وبقاءه ، وسعت لإيجاد أفضل الحلول لإحياء ما تستطيع إحياءه من الأفلاج التي جفت بفعل عوامل الطقس. مشيراً إلى أن ولاية عبري كغيرها من ولايات السلطنة ، اعتمد أهلها على الأفلاج في الزراعة والشرب واستعمالاتها اليومية ، واشتهرت بعدد من الأفلاج واعتمد العُماني في ولاية عبري في حياته اليومية على الأفلاج كأحد أهم مصادر المياه واستخدمها في سائر احتياجاته فكانت مصدره للشرب والري وغيرها من الاستعمالات ، فبني مساجده بجوار سواقيها وشيد منازله الطينية التي لا تزال شامخة تشهد على ذلك الماضي التليد والحياة البسيطة والتاريخ العريق ، عندما كانت الأرض زاخرة بالحياة ، وترى قصة إعجاز النخيل الخاوية . ومع مرور الزمن وتغير المناخ وزيادة الاستهلاك المائي وقلة الأمطار بدأت هذه الأفلاج بالتناقص عاما بعد عام حتى جفت تماماً ، رغم كل المحاولات لإنعاشها، ومن أهم الأفلاج التي جفت تماما وكانت تنعم بهما الولاية فيما مضى فلجي المفجور والمبعوث واللذين كانا عَصّب الحياة ومصدر حياة الولاية وبهما كانت الأرض جنات، وهما من الأفلاج الداودية الغزيرة الحارة شتاء والباردة صيفا، وقد مرت خمس عشرة سنة والفلجان في جفاف تام بسبب قلة الموارد حتى أصبحا أثرا بعد عين ، وانقطع جريانهما فتحولت تلك الجنات إلى صحاري قاحلة هجرها أهلها وصارت عرضة للخراب.وأضاف الجساسي : مع استمرار فترة الجفاف الحاصل على فلجي المبعوث والمفجور صارت الضواحي والمزارع مكاناً كئيباً وخطراً يحدق بالجميع بسبب الحرائق التي كانت تحدث بين الحين والآخر فكان ولابد مع هذا من وجود حل لهذه المشكلة وخاصة مع تغيير المناخ وعودة الأمطار وجريان الأودية وظهور عدد من الافلاج المحيطة بالولاية فكان من المهم تغير المعادلة وإعادة الأمور الى مكانها والمياه الى مجاريها ، فظهرت مبادرة أهلية بعزيمة الشباب العُماني المؤمن التي أستمدوها من قائد البلاد المفدى لإعادة إحياء هذين الفلجين (المفجور والمبعوث )، بما يملكون من إمكانيات متواضعة فبدأت المبادرة بالتجمع وتحديد الأهداف والأعمال وتم تقسيم فريق العمل رغم قلة عددهم إلى مجموعات كل مجموعة لها اختصاص معين فهناك مجموعة الصيانة ومجموعة الأمور الإدارية ومجموعة المتابعة ، وكان يوم العشرين من إبريل من العام الماضي هو يوم انطلاق العمل وذلك من خلال خطة منظمة ثم قامت المجموعة المكلفة بالعمل بالنزول إلى ثقاب فلج المبعوث لمعرفة أسباب انقطاع جريان المياه وهناك تفاجأ الجميع بكمية كبيرة جدا من الأتربة تسد سواعد الفلج وعامده الرئيسي تماماً وذلك بسبب دخول مياه الأودية والشعاب إليه، وكذلك انهيار بعض الثقاب ، ورغم صعوبة العمل إلا أن ذلك زاد الشباب إصراراً وعزيمة وقوة ، فاستمروا بالعمل ليل نهار دون توقف رغم تواضع المساعدات ، وقلة الإمكانات وحتى اليوم لا يزال العمل مستمرا بصورة متواصلة لإخراج الأتربة والصخور وكل ما حملته الأودية من مخلفات وحيوانات نافقة وغير ذلك ، مما تسبب في توقف جريان الفلج ، ولا تزال تلك الأيادي تعمل دون كلل أو ملل رغم ما يجدونه من صعوبات ، وقد قام المشرفون على هذه المبادرة بتوجيه عدة رسائل دعم لعدد من الشركات والأفراد والمؤسسات ، ولقيت هذه النداءات استجابة وخاصة شركة تنمية نفط عمان التي ساهمت بمبلغ مالي عزز العمل ، والذي سيكون حافزا لدفع الفريق لمزيد من الجهد والبذل والعطاء من أجل إعادة إحياء هذا الشريان الحيوي . واختتم الدكتور عبدالله بن حمد الجساسي قائلاً : يتمنى القائمون على هذا المشروع ان يجدوا المزيد من الدعم من الجهات الحكومية والخاصة والافراد سواء كان هذا الدعم مادياً أو معنوياً. والوقوف معنا ضد اي تجاوزات واعتداءات تحدث بالقرب من إحرام الأفلاج حفاظا عليها للصالح العام كما ينوي الفريق بعد الانتهاء من صيانة فلج المبعوث الانتقال إلى فلج المفجور للبدء في صيانته ووضع خطة عمل حول آلية توزيع مياه هذه الأفلاج بعد جريانه بعون الله بما يضمن وصوله إلى جميع المزارعين وبما يحقق النمو والازدهار للبلد.جدير بالذكر أن العمانيين قسموا الأفلاج إلى ثلاثة أقسام رئيسية : أولها الأفلاج الداودية ويقال : إنها تنسب إلى نبي الله دَاوُدَ عليه السلام حيث يعتقد أن نبي الله دَاوُدَ عليه السلام هو من قام ببناء وشق هذه الأفلاج نظرا لحجمها وتعقيد هندستها وهي أكثر الأفلاج غزارة بالمياه وجريانها مستمر طوال العام وفِي كل المواسم وقلما تتعرض للجفاف ولكنها إذا جفت فهي صعبة العودة، والنوع الثاني الأفلاج الغيلية وهي الأفلاج التي تستمد مياهها من الأودية والغيول وتتأثر هذه الأفلاج بالأمطار مباشرة وهي أفلاج غزيرة الجريان في مواسم الخصب ، وشحيحة في مواسم الجفاف ، وسرعان ما تجف إذا تأخر موسم الأمطار، والنوع الثالث الأفلاج العينية وهي الأفلاج التي يكون مصدرها العيون المائية وهي كذلك تتأثر بمواسم الأمطار وتكون مياهها أقل غزارة من النوعين الأوليين.