القاهرة ـ العمانية:
تعد قلعة صلاح الدين الأيوبي أو قلعة الجبل من أهم آثار القاهرة وأجمل حصونها ومعلما من المعالم المشهورة في مصر، وتقع في الحي الذي يعرف باسمها "القلعة"، وقد أقيمت على إحدى التلال المنفصلة عن جبل المقطم على مشارف مدينة القاهرة حيث يمكن رؤيتها من الطريق المعروف حاليا باسم صلاح سالم.
ويقول الدكتور جمال محمود مدير عام منطقة آثار القلعة التابعة لقطاع الآثار الإسلامية في تصريح لوكالة الأنباء العمانية إن مساحة القلعة تبلغ حوالي 65 فدانا وبها مساحات تمثل حدائق مفتوحة ويحيط بها عدد من المنشآت الأثرية.
ويصف القلعة بأنها مدينة أثرية كبيرة تحوي آثارا قائمة من مختلف العصور، وقد أبهرت المؤرخين والزائرين لها على حد سواء، وكانت مركزا للحكم في مصر خلال العصر المملوكي.
وقد كتب العماد الأصفهاني عن إنشاء القلعة قائلا: "لما ملك السلطان صلاح الدين مصر رأى أن مصر والقاهرة لكل واحدة منهما سور لا يحميها، فقال: إن أفردت لكل واحدة سورا؛ فقد تحتاج إلى جنـد كُثُر يحميها، وإني أرى أن أدير عليها سورًا واحدا من الشاطئ، وأمر ببناء قلعة في الوسط عند مسجد سعد الله على جبل المقطم"، والمقصود بمصر هنا الفسطاط والعسكر والقطائع.
وقد وصف ابن كثير القلعة في كتابه "البداية والنهاية" بأنه لم يكن في الديار المصرية مثلها ولا على شكلها.
وذكر المقريزي في كتابه "المواعظ والاعتبار بذكرى الخطط والآثار" عن تاريخ الجبل الذي أقيمت عليه القلعة قبل بنائها قائلا: "اعلم أن أول ما عرف في خبر موضع قلعة الجبل أنه كان فيه قبة تعرف بقبة الهواء، مضيفا أن قبة الهواء كانت في سطح الجرف الذي عليه القلعة والجبل، وهذا الوصف ينطبق على الربوة التي كان الإنجليز قد نصبوا عليها مواقعهم تجاه مدينة القاهرة وقت احتلالهم للقلعة ومصر سنة 1882م، وموقعها حاليا خلف متحف الشرطة وحفائر قصر الأبلق.
ويؤكد المؤرخون أن قلعة صلاح الدين الأيوبي تعد من أفخم القلاع الحربية التي شيدت في العصور الوسطى، فموقعها استراتيجي من الدرجة الأولى بما يوفره هذا الموقع من أهمية دفاعية لأنه يسيطر على مدينتي القاهرة والفسطاط، كما أنه يشكل حاجزا طبيعيا مرتفعا بين المدينتين.
وقد قسمت القلعة إلى قسمين رئيسيين، القسم الشمالي كحامية عسكرية تحيطها أسوار في الاتجاهين الشمالي والشرقي تم بناؤها في عهد صلاح الدين الأيوبي وعهد أخيه الملك العادل، وهي تضم أبراجا مستديرة ومربعة، أما القسم الجنوبي الغربي من القلعة فقد خصص لقصر الحكم ومقرا لإقامة الوالي.
واحتوت القلعة على "الحوش" وهو المنطقة الخاصة بإقامة السلطان الذي تعد "دور الحريم" جزءًا منه، بجانب "الإسطبلات" والتي كانت تشرف على ميدان الرميلة ومسجد الناصر حسن، وكان وجودها بالقرب من الميدان ضروريا لأنه المكان الذي كان يتدرب فيه الأمراء والجنود المماليك، فضلاً عن صلاة السلاطين للعيد به.
وتفيد الموسوعة العربية أن للقلعة عددا من الأبواب منها باب الأعظم المواجه للقاهرة، ويقال له "الباب المدرج"، و"باب القرافة" المواجه لجبل المقطم، و"باب السر" يختص بالدخول والخروج منه أكابر الأمراء وخواص الدولة كالوزير وكاتب السر ونحوهما، وقد طرأت على مباني القلعة تغيرات كثيرة وإضافات متعددة لا يرى فيها اليوم من أعمال صلاح الدين سوى بعض أجزاء السور والأبواب.
وضمت القلعة في العصر المملوكي "القصر الأبلق"، وهو قصر بناه السلطان الناصر محمد بن قلاوون سنة 713هـ، ليكون بمثابة قاعة أخرى للعرش لكنها أقل احتفاء بالرسميات، وقد سمي بالقصر "الأبلق" لأن واجهة القصر كانت مطلية باللونين الأسود والأبيض، وقد تم تشييده على غرار قصر السلطان بيبرس في دمشق، وكان موقع هذا القصر في شمال "دار العدل" أو "الإيوان" أو "مسجد محمد علي" اليوم، حيث كان قصرًا عظيم البناء يضم ايوانين أعظمهما الشمالي، يطل منه على الإسطبلات، ويمتد النظر إلى سوق الخيل.
وشهدت القلعة في العصر العثماني بعض أعمال الترميم، أهمها ما قام به "خير بك" وهو أول الولاة الذين ولاهم السلطان سليم على مصر فطلب أثناء إقامته فيها البنائين والنجارين والمبلطين لترميم ما تم إفساده سابقاً.
كما قام الوالي سليمان باشا، الذي كان مقربا من السلطان سليمان القانوني بإشادة مباني متعددة في القلعة من بينها جامع سارية الجبل الذي كان يعرف بجامع سليمان باشا الخادم، وكان أول جامع شيد في مصر على الطراز العثماني.
وتضم القلعة أيضا دارا خاصة بحفظ الوثائق الرسمية، ودارا أخرى تستخدم في سك العملة والطباعة.