لقسوة القلب أعراض ومظاهر تدل عليها وتتفاوت من حيث خطورتها وأثرها على صاحبها إذا طغى حب الدنيا على القلب ضعف إيمانه شيئاً فشيئاً حتى تصبح العبادة ثقيلة مملةإعداد ـ مبارك بن عبدالله العامري:القلوب بيد الله عزو جل يقلبها كيف يشاء وما سمي القلب بذلك إلاَّ لتقلبه، وسلامة القلب علامة من علامات النجاة يوم القيامة، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم؛ لذلك كان الاهتمام بتصحيح القلب أوّل ما يعتمد عليه السالكون، والنظر في أمراضه وعلاجه أهمّ ما تنسك به الناسكون حتى يلاقوا ربهم به سليمًا يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.عُلِّم إبليس ـ عدوّ الله ـ مكانة القلب، فأجلب عليه بخيله ورجله، وأقبل عليه بالوساوس تارة، وبالشهوات والشبهات تارة أخرى، فزين للنفس من الأحوال والأعمال ما يصدها عن طريق الله المتعالي، ونصب من الحبائل والمصائد ما يجعل به العبد عن الله شاردًا، فتغيرت القلوب وتبدّلت، وانصرفت عن الله وتحولت، حتى انقسم الناس إلى: صاحب قلب سليم مقبل على الله ومرضاته، وصاحب قلب مريض يصارع نفسه وشيطانه، وصاحب قلب ميت لا يعرف ربّه ولا يؤدّي حقه ولا يستجيب لداعيه.أعراض ومظاهر:ولقسوة القلب أعراض ومظاهر تدل عليها، وهي تتفاوت من حيث خطورتها وأثرها على صاحبها، ومن أهم هذه المظاهر:ـ التكاسل عن الطاعات وأعمال الخير، فالصلاة يؤديها مجرد حركات لا خشوع فيها، بل يضيق بها ذرعا كأنه يحمل عبئا ينوء به ظهره ويريد التخلص منه سريعاً، وقد وصف الله المنافقين فقال:(وَلاَ يَأْتُونَ الصَّلاَةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ)، وقال:(وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى).ـ عدم التأثر بآيات القرآن الكريم والمواعظ: فهو يسمع آيات الوعد والوعيد فلا يتأثر ولا يخشع قلبه ولا يخبت، كما أنه يغفل عن قراءة القرآن، وعن سماعه ويجد ثقلاً وانصرافاً عنه، مع أن الله تعالى يقول:(فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ)، ومدح الله المؤمنين بقوله:(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ).ـ عدم تأثره بشيء مما حوله من الحوادث كالموت والآيات الكونية: والعجائب التي تمر عليه بين حين وآخر، فهو يرى الأموات ويمشي في المقابر وكأن شيئاً لم يكن، وكفى بالموت واعظاً، ويرى ويسمع الزلازل والكوارث ولا يبالي، قال تعالى:(أَوَلاَ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لاَ يَتُوبُونَ وَلاَ هُمْ يَذَّكَّرُونَ)، وقال تعالى:(فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَـكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ). ـ إيثار الدنيا على الآخرة: فتصبح الدنيا همه وشغله الشاغل، وتكون مصالحه الدنيوية ميزاناً في حبه وبغضه وعلاقاته مع الناس.ـ يضعف فيه تعظيم الله جل جلاله: وتنطفئ الغيرة في قلبه، وتقل جذوة الإيمان، ولا يغضب إذا انتهكت محارم الله، فيرى المنكرات ولا يحرك ساكناً، ويسمع الموبقات وكأن شيئاً لم يحدث ، لا يعرف معروفاً، ولا ينكر منكراً، ولا يبالي بالمعاصي والذنوب. ـ الوحشة التي يجدها صاحب القلب القاسي: وضيق الصدر والشعور بالقلق والضيق بالناس، ولا يكاد يهنأ بعيش أو يطمئن، فيظل قلقاً متوتراً من كل شيء، يغضب لأتفه الأسباب أو بلا سبب.ـ إن القلب القاسي تمنعه القلب من أن تجد الرحمة إليه سبيلا، فلا يرحم فقيرا ، ولا يعبأ لحال يتيم ذي مقربة أو مسكين ذي متربة.أسباب قسوة القلب:تلك أعراض القلب القاسية، أما الأسباب فكثيرة أيضاً ومتعددة وبعضها أكثر خطورة من الآخر، وتزداد القسوة كلما تعددت الأسباب، ولعل أهم هذه الأسباب ما هي:1 ـ حب الدنيا والركون إليها ونسيان الآخرة: وهذا من أعظم الأسباب التي تقسي القلوب، فإن حب الدنيا إذا طغى على القلب ضعف إيمانه شيئاً فشيئاً حتى تصبح العبادة ثقيلة مملة ، ويجد لذته وسلواه في الدنيا وحطامها حتى ينسى الآخرة أو يكاد ، ويغفل عن هادم اللذات، ويبدأ عنده طول الأمل، وما اجتمعت هذه البلايا في شخص إلاأهلكته، وللدنيا شُعب ٌ ما مال القلب إلى واحدة منها إلا استهوته لما بعدها، ثم إلى ما بعدها حتى يبتعد عن الله عز وجل، وعندها تسقط مكانته عند الله، ولا يبالي الله في أي وادي من أودية الدنيا هلك والعياذ بالله. إن هذا العبد نسي ربه وأقبل على الدنيا، فعظم ما لا يستحق التعظيم، واستهان بما يستحق الإجلال والتكريم، فلذلك كانت عاقبته من أسوأ العواقب.2 ـ الغفلة: وهي داءٌ وبيلٌ، ومرض خطير إذا استحوذ على القلوب، وتمكن من النفوس، واستأثر على الجوارح والأبدان أدى إلى انغلاق كل أبواب الهداية، وحصول الطبع والختم على القلوب (أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ) يقول ابن القيم رحمه الله واصفاً حال أكثر الخلق:(ومن تأمل حال هذا الخلق وجدهم كلهم إلا قليل ممن غفلت قلوبهم عن ذكر الله تعالى، واتبعوا أهواءهم، وصارت أمورهم ومصالحهم فرطاً، أي فرطوا فيما ينفعهم ويعود بصالحهم، واشتغلوا بما لا ينفعهم بل يعود بضررهم عاجلاً وآجلاً) .. وأخبر الله تعالى عن أصحاب الغفلة أنهم أصحاب قلوب قاسية لا ترق ولا تلين، ولا تنتفع بشيء من الموعظة، فهي كالحجارة أو أشد قسوة، ولهم أعين يشاهدون بها ظواهر الأشياء، ولكنهم لا يبصرون بها حقائق الأمور، ولا يميزون بها بين المنافع والمضار، ولهم آذان يسمعون بها الباطل كالكذب والغناء والفحش والغيبة والنميمة، ولا ينتفعون بها في سماع الحق من كتاب الله وسنة نبيه محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فأنى لهؤلاء الفوز والنجاة وتلك حالهم، وأنى لهم الهدى والاستقامة وتلك طريقتهم يقول سبحانه:(وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ).3 ـ مصاحبة أصدقاء السوء، والجلوس في الأجواء الفاسدة: وهذا السبب من أكثر الأسباب تأثيراً، وذلك لأن الإنسان سريع التأثر بمن حوله، فالشخص الذي يعيش في وسط يعجُ بالمعاصي والمنكرات، ويجالس أناساً أكثر حديثهم عن المحرمات، هذا الشخص لا بد أن يتأثر بهؤلاء الجلساء وطبعه يسرق من طبعهم، فيقسو قلبه، ويعتاد على هذه المنكرات عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه فكل قرين بالمقارن يقتدي.4 ـ كثرة الوقوع في المعاصي والمنكرات بحيث تصبح شيئاً مألوفاً: فإن المعصية ولو كانت صغيرة تمهد الطريق لأختها حتى تتابع المعاصي ويهون أمرها، ولا يدرك صاحبها خطرها، وتتسرب واحدة وراء الأخرى إلى قلبه، حتى لا يبالي بها، ولا يقدر على مفارقتها ويطلب ما هو أكثر منها، فيضعف في قلبه تعظيم الله وتعظيم حرماته، ولهذا يقول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم):(إن العبد إذا أذنب ذنباً نكت في قلبه نكتة سوداء، فإذا تاب ونزع واستغفر صُقل قلبه، وإن زاد زادت حتى تعلوا قلبه، فذلك الران الذي ذكره الله عز وجل:(كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ). 5 ـ نسيان الموت وسكراته، والقبر وأهواله: وعذابه ونعيمه ونشر الدواوين ونسيان النار وما أعد الله فيها لأصحاب القلوب القاسية.