نواصل قراءتنا في قانون المعاملات المدنية العماني، ونبحث في هذه المقالة والمقالات التالية لها في موضوع أحكام التنفيذ الجبري للالتزام.
الأصل أن ينفذ المدين التزامه القانوني طواعية واختياراً، وبالتالي عدم تنفيذ المدين لالتزامه طائعاً مختاراً يحرك حق الدائن في المطالبة القضائية جبراً بتنفيذ ما التزم به مدينه.
هذا من جانب ومن جانب آخر فإن الأصل في تنفيذ المدين لالتزامه قهراً وجبراً يكون عيناً متى ما تحققت وتوافرت شروطه، وهذا ما يسمى بالتنفيذ العيني. وقد لا تتحقق شروط التنفيذ العيني كأن يكون في التنفيذ العيني إرهاق للمدين مع كون العدول عنه لا يرتب ضرراً جسيماً للدائن، وعندها يحق للدائن طلب التنفيذ بطريق التعويض.
إلا أنه ما يجب ملاحظته أنه سواء أكان التنفيذ الجبري عيناً أم كان تنفيذاً عن طريق التعويض، فإن المشرع العماني يوجب إعذار المدين أولاً وقبل إجراء التنفيذ الجبري بنوعيه.
وللإحاطة بهذا الموضوع، يكون لزاماً علينا وعلى التوالي ـ بيان ماهية الإعذار وأهميته، وحالات الإعفاء منه، والنتائج القانونية المترتبة عنه متى ما تحققت شروطه في مقالتنا هذه، على أن نخصص المقالتين الثانية والثالثة للحديث عن أحكام التنفيذ العيني، والرابعة نبحث فيها أحكام التنفيذ عن طريق التعويض.
أولاً: تعريف الإعذار:
يمكن إيجازه في أنه: تنبيه وإخطار المدين إلى تنفيذ التزامه بحلول أجله وإلا عدّ مسؤولاً عن ذلك التأخير. والمشرع العماني ينص على أن الإعذار شرط لإجبار المدين على التنفيذ العيني، كما أنه ينص على أن استحقاق الدائن للتعويض مشروط بإعذار وإنذار مدينه، وهذا ما أكدته المادتان (258) و(265) من قانون المعاملات المدنية العماني، حيث يجري نص المادة (258) بالآتي:" يجبر المدين بعد إعذاره على تنفيذ إلتزامه تنفيذاً عينياً متى كان ذلك ممكناً". أما المادة (265) نصت بالقول :" لا يستحق التعويض إلا بعد إعذار المدين مالم ينص على غير ذلك."
وعلى هذا فإن القاعدة في القانون العماني أن مجرد حلول الوفاء بالالتزام لا يكفي لإعتبار المدين مقصراً يستوجب جبره على تنفيذ إلتزامه. ولعل الحكمة من ذلك تنبيه المدين إلى ما سوف يؤول إليه وضعه عند عدم تنفيذ التزامه من آثار خطيرة تترتب نتيجة تقصيره.

ثانياً: كيفية تحقق الإعذار:
لم يبين المشرع كيفية الإعذار، وعندها يمكن إجراؤه بأية وسيلة تضمن تحقيقه، فيستوي أن يتم على يد محضرين، كما قد يتم الإعذار بأية ورقة رسمية، تعلن إلى المدين وتدل دلالة واضحة وجلية على أن الدائن يطلب من المدين تنفيذ التزامه. وفوق ذلك يتحقق الإعذار بأية وسيلة أخرى كالبريد الإلكتروني أو الفاكس كما هوالحال في المعاملات التجارية التي تتطلب بطبيعتها السرعة.

ثالثاً: حالات الإعفاء من الإعذار:
تكفلت المادة (266) من قانون المعاملات المدنية العماني بيان الحالات التي لا ضرورة لإعذار المدين فيها وبالتالي حددت نطاق الحاجة إلى الإعذار ويمكن إيجاز هذه الحالات في الآتي:
الحالة الأولى: إذا اتفق المتعاقدان على الإعفاء من الإنذار:
ويستوي أن يكون هذا الإتفاق صراحة أو ضمناً، ومعنى ذلك أن قاعدة وجوب الإعذار ليست من النظام العام فيجوز الاتفاق على إعتبار المدين مقصراً في تنفيذ ما التزم به بمجرد حلول أجل الوفاء به من غير ضرورة إلى إعذاره.
الحالة الثانية: إذا أصبح تنفيذ الالتزام عينياً غير ممكن أو غير مجد بفعل المدين، مثال: كمال لو كان التزاماً بإمتناع عن عمل وقام المدين بهذا العمل.
الحالة الثالثة: إذا كان محل الالتزام رد شيء يعلم المدين به أنه مسروق أو شئ تسلمه دون وجه حق وهو عالم بذلك، ومرجع ذلك أن المدين هنا يكون سيئ النية بأن يعلم أن هذا الشيء مسروق أو يعلم أنه تسلمه دون حق، على نحو يكون من المنطق حرمانه من ضمانة الإعذار.
الحالة الرابعة: إذا صرح المدين كتابة أنه لا يريد القيام بالتزامه، فبهذا التصريح الكتابي تتضح نية المدين في عدم القيام بتنفيذ إلتزامه، عندها يكون لا جدوى من الإعذار.

رابعاً: الآثار القانونية المترتبة على الإعذار:
تترتب على تحقق الإعذار نتائج وآثار عدة لعل أهمها:
1- إمكانية إجبار المدين على التنفيذ العيني
2- يستحق الدائن التعويض عن تأخر المدين في تنفيذ التزاماته من تاريخ الإعذار.
3- انتقال تبعة هلاك الشيئ الذي يرد عليه التزام المدين على عاتق المدين ذاته.
4- جواز المطالبة بفسخ العقد الملزم للجانبين

د. سالم الفليتي
أستاذ القانون التجاري والبحري المساعد
كلية الزهراء للبنات