” إن الأدب التمثيلي هو أكثر الآداب حاجة إلى الرعاية وبذل الجهد والتماس النضج والأصالة، والتطلع إلى النهوض. والمسرح أحوج ما يكون إلى التحرر من القيود التي تثقل كاهله، وما يجري في العصر الحالي من ثورات ربيعية يفترض أن يقوم المسرح بدوره الحقيقي لتوعية الجمهور من الانعكاسات السلبية، فالوطن العربي اليوم أشد من أي يوم مضى بحاجة إلى العناية بالمسرح...”
ــــــــــــــ
يستخدم الإنسان فكره الطبيعي والإنساني في مجالات مختلفة، ولولا ما نتج عنه من المحصلة المعرفية المتراكمة عبر القرون الطويلة الماضية، لما وصلت البشريّة إلى ما هي عليه الآن من تقدّم وتطوّر، فهو يعنى بكل الأحداث التي تدور من حوله ويواكبها ويتوقف عند أدق التفاصيل لإجراء اختباراته والاستفادة منها.
وقال الأديب المصري توفيق الحكيم: "الفكر في كل ألوانه من أدب وقصص وفن يجب أن يعني بكل ما يجري في مجتمعه وعصره من شؤون السياسة والاجتماع مادام يعني بالبشرية ومادامت البشرية متصلة بالسياسة والمجتمع فلابد للمفكر أو الأديب أو الفنان أن يعيش عصره كله ومجتمعه كله بما فيهما من شؤون سياسية واجتماعية".
منذ القدم كان الأدب التمثيلي وهو "الأدب المسرحي" الذي يطلق عليه أبا الفنون, لأن جميع الفنون تشترك في المسرح وسيلة للتعليم والتربية ونشر الأخلاق والقيم الروحية والوطنية والإنسانية وتنوير العقل وتهذيب السلوك, وقد اتفق المثقفون والمفكرون والفنانون على أهمية المسرح وأثره بشكل عام اعتباره نظاماً ثقافياً حياً، وتأتي أهمية دوره في ايجاد جيل واع ثقافياً ومجتمعياً وسياسياً واقتصادياً من خلال الاتصال المباشر مع الجمهور، والمقولة الشهيرة التي تقول "أعطني خبزاً ومسرحاً أعطيك شعباً مثقفاً" تدل دلالة واضحة على أثر المسرح التنموي وأهميته منذ القدم للمجتمعات والشعوب كأهم منابر الأدب والثقافة ومختلف الفنون.
إن الأدب التمثيلي هو أكثر الآداب حاجة إلى الرعاية وبذل الجهد والتماس النضج والأصالة، والتطلع إلى النهوض. والمسرح أحوج ما يكون إلى التحرر من القيود التي تثقل كاهله، وما يجري في العصر الحالي من ثورات ربيعية يفترض أن يقوم المسرح بدوره الحقيقي لتوعية الجمهور من الانعكاسات السلبية، فالوطن العربي اليوم أشد من أي يوم مضى بحاجة إلى العناية بالمسرح الذي يقع على عاتقه مسؤولية اتحاد الأمم التي انحرفت عن مسارها الطبيعي باتجاه هدم القيم، والعمل على إعادة بناء الواقع المؤلم ونبذ التعصب والتطرف ودعم الصرح المجتمعي لغد آمن مستقر.
أهمية عرض مسرحية "عرب تويت" مؤخراً في دولة قطر أنها كانت تلامس الهموم العربية وما يحدث في الوطن الذي يعاني الأمرين، وناقشت عدداً من القضايا التي تشغل بال رجل الشارع العربي بشكل جريء ومختلف, بفرجة مسرحية وطبيعة كوميدية للمسرح الراقي الهادف وباسقاطات سياسية واجتماعية واقتصادية وإعلامية.
كما سلطّت الضوء على العديد من مشكلات الأسر العربية وقضايا الإرهاب والمؤامرات وأزمات الوطن العربي والفوضى التي تجتاح بعض دول الوطن العربي، في قوالب فنية وكوميدية وعبر أسلوب ساخر، من خلال بعض الاسقاطات على الواقع العربي, الذي جعلها تدخل ضمن الكوميديا الهادفة بعيداً عن الاسفاف والكوميديا المخلة المسرفة لأنها تحمل مضموناً هادفاً. وهي مسرحية نأمل أن تعرض في جميع دول الوطن العربي.
لا شك أن دور المسرح السياسي مهم جداً طالما يتمثل في نشر المعرفة والتي غالباً ما تكون سياسية فهو مسرح تنويري وقد أتاحت التكنولوجيا أن يكون المسرح قادراً على منافسة الفنون المرئية الأخرى كالسينما والتليفزيون والإنترنت, وليس بالضرورة أن يدخل في ملابسات السلطة الحاكمة ولكنه قد يقترن بالمتغيرات السياسية وما يرتبط بها من متغيرات أخرى سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية في إطار نظرية التأثير والتأثر، وسواء كانت هذه المتغيرات لها تأثيرها المباشر أو غير المباشر على الفرد والمجتمع, والوعي بالمشاكل السياسية والاجتماعية والاقتصادية المشتركة في الوطن العربي.
إن المسرح العربي اليوم مطالب أكثر من أي وقت مضى بأن يكون أكثر قدرة للتعبير عن الموضوعات المصيرية العربية ليس بهدف المتعة والاضحاك والتسلية وإنما ليكون أداة تهدف إلى الوعي.

سهيلة غلوم حسين كاتبة كويتية [email protected] انستقرام suhaila.g.h تويتر suhailagh1