لا تزال تفاعلات الفشل الأميركي في إنجاح المفاوضات بين الفلسطينيين والمحتلين الإسرائيليين تتردد أصداؤها في الأروقة البحثية والرسمية الأميركية؛ من ناحية، وفي وقائع الممارسات والتصرفات الإسرائيلية من ناحية أخرى.
وفي محاولة من المسؤولين الأميركيين التخلص من تداعيات الفشل المحرج رموا بالمسؤولية على الجانبين الفلسطيني والمحتل الإسرائيلي، وهذا موقف غير جديد من الإدارة الأميركية، ذلك أن الإدارات الأميركية الراعية للعملية التفاوضية بين الفلسطينيين والإسرائيليين دأبت على المراوغة وعدم تحميل الحليف الاستراتيجي العنصري المسؤولية عن أي فشل، خاصة فيما يتعلق بالاحتلال ومكانة كيانه واستقراره وأمن قطعانه، وإن اضطروا إلى ذلك فإنهم يدخلون الجانب الفلسطيني قسرًا في تحمل المسؤولية عن الفشل. ولكن يبدو أن (الوسيط) لم يجد خلة لدى الجانب الفلسطيني، لأن الموقف الإسرائيلي المتعنت من المفاوضات لم يوفر مساحة لأي موقف مراوغ للوسيط الأميركي مما اضطره إلى الاعتراف بأن حليفه الاستراتيجي هو السبب في الفشل، وفي هذا السياق جاء اعتراف مارتن إنديك المبعوث الأميركي الخاص المعروف بصهيونيته وموالاته لكيان الاحتلال الإسرائيلي بأن الاستيطان هو السبب في تقويض المفاوضات، مشيرًا بالتفصيل إلى إجراءات كيان الاحتلال لبناء وحدات إضافية لقطعان المستوطنين في الضفة الغربية المحتلة قائلًا إنها "كانت من العوامل الرئيسية التي قوضت المفاوضات، وإنه على مدى الشهور التسعة الماضية أعلنت "إسرائيل" عن مناقصات لبناء 4800 وحدة سكنية في مناطق أقرت خرائط فلسطينية بأنها ستذهب إلى "إسرائيل". غير أنها خططت أيضًا لبناء 8000 وحدة في أجزاء بالضفة الغربية يأمل الفلسطينيون إقامة دولتهم عليها". وبالتالي ـ وحسب إنديك ـ فإن "هذا الإجراء تسبب في توقف المحادثات لأنه ساعد في إقناع الرئيس الفلسطيني محمود عباس بأنه ليس لديه شريك جاد في التفاوض في شخص رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو".
إن ما خلص إليه إنديك يرتب كامل المسؤولية على المحتل الإسرائيلي وعلى الدور الأميركي من ملف الصراع العربي ـ الإسرائيلي بأكمله، فالموقف الإسرائيلي من المفاوضات هو النظر إليها دائمًا على أنها إحدى المحطات اللازمة لإضفاء الشرعية على ما تمت سرقته من حقوق الشعب الفلسطيني، واتخاذها وسيلة ابتزاز لنهب المزيد من الحقوق والضغط على الفلسطينيين لتقديم المزيد من التنازلات المؤلمة، حيث تتركز حاليًّا وسائل الابتزاز والضغط على الجانب الفلسطيني لإجبارهم على الاعتراف بما يسمى "يهودية الكيان" ليكون قاعدة الانطلاق الأقوى والرئيسية لتصفية القضية الفلسطينية. وإزاء كل هذه الابتزازات والضغوط الإسرائيلية ضد الفلسطينيين ظل ولا يزال الموقف الأميركي سلبيًّا، بل داعمًا للممارسات الإسرائيلية في جميع مفاصل الصراع والقضية الفلسطينية. وتعمل حكومة الاحتلال الإسرائيلي على ضرب رفض الفلسطينيين ما يسمى "يهودية الكيان" بسن قانون جديد عنوانه "الدولة القومية للشعب اليهودي" وتعتزم طرحه على الكنيست الإسرائيلي للمصادقة عليه. ويهدف الاحتلال الإسرائيلي من هذا القانون تصنيف الفلسطينيين الحاملين للجنسية الإسرائيلية مواطنين من الدرجة الثانية، بحجة أن منحهم حقوقًا متساوية مع قطعان المستوطنين سيترتب عليه قيام دولة ثنائية القومية. وطبعًا مثل هذا التوجه يؤكد حقيقة الطبيعة العنصرية لكيان الاحتلال الإسرائيلي، وهي الحقيقة التي توصل إليها أخيرًا جون كيري وزير الخارجية الأميركي. لكن على الرغم من كل ذلك فإن التعاطي الأميركي يذهب بالاتجاه الإسرائيلي ذاته نحو تكريس هذه العنصرية بمناصرته المحتلين الإسرائيليين في تحقيق هذه الأحلام التلمودية العنصرية.