* الصلة من أفصل الأعمال وأشرفها، ومن أعظم ما يقرب العبد إلى ربه عز وجل و قطيعة الرحم سبب في خسران الأمم وضياع حضارتها وتفكك روابطها * المؤمن الحق هو من يصل رحمه وأقرباءه ، ومن لا خير فيه لأهله فلا خير فيه للناس * من صور بر الوالدين : (ألا تقوم إلى خدمتهما وأنت كسلان، وألا ترفع صوتك عليهما، ولا تنظر إليهما شزرا، ولا يريا منك مخالفة في ظاهر أو باطن) * من حقوق الجار تعهده بالحسنى، والسؤال عنه وزيارته، والتودد إليه بالأخلاق الطيبة، والنظر في حاجته، وحسن الظن به، وعدم التجسس عليهالحمد لله الذي أمرنا بصلة الأرحام، ونهانا عن القطيعة والآثام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له السميع البصير، وعد الواصلين حسن المصير، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبد الله ورسوله، حثنا على بر الوالدين وصلة الأرحام، لنسعد في الدنيا وننجو يوم القيام، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه، وعلى كل من اهتدى بهديه، واستن بسنته إلى يوم المعاد. أما بعد، فيا عباد الله: اتقوا الله العظيم، فإن تقوى الله حبل متين، تترابط به المجتمعات، ودواء شاف يصلح الأفراد والجماعات، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ) ، واعلموا ـ رحمكم الله ـ أن الصلة من أفصل الأعمال وأشرفها، ومن أعظم ما يقرب العبد إلى ربه عز وجل، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (أحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور تدخله على مسلم)، فمتى تواصلت الناس على أساس من البر والتقوى والمحبة والرحمة، عظمت الأمة وقوي شأنها، ومتى أهملت الحقوق وانقطعت الصلات، شقيت وهانت وحل بها التفكك والشتات، من أجل ذلك جاء الإسلام بتقوية الروابط بين أفرادها وتعزيزها، فهذه وصية الله عز وجل في كتابه لتأدية حقوق من كان بينك وبينه صلة (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا). إخوة الإيمان : إن الصلة والبر والإحسان تختلف باختلاف أحوال الناس ودرجة قربهم من الموصول، فما أعظمه من بر عندما يكون للوالدين، (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا* رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا )، ولقد أبدع أحد الصالحين حينما سئل عن بر الوالدين فقال: (ألا تقوم إلى خدمتهما وأنت كسلان، وألا ترفع صوتك عليهما، ولا تنظر إليهما شزرا، ولا يريا منك مخالفة في ظاهر أو باطن، وأن تترحم عليهما ما عاشا، وتدعو لهما إذا ماتا، ومن البر التوسعة عليهما إن كانت حالتهما أقل من حالة ابنهما أو ابنتهما، وأن يكفيهما النفقة، ومن الإحسان إليهما أن يجاهد فيهما، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاستأذنه في الجهاد فقال: (أحي والداك) قال نعم، قال : (ففيهما فجاهد)، فالبر بهما جامع لكل أنواع الخير، فلا عقوق ولا جفاء، وإنما صلة وبر وإجلال واحترام، ولين جانب وخضوع وتقدير، فعن أم المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: أتى رجل إلى النبي ومعه شيخ فقال : من هذا معك ؟ قال أبي، قال : (لا تمش أمامه ولا تقعد قبله ولا تدعه باسمه). وهذه من الأمور التي يتهاون فيها الولد بأبيه لضعفه أو عجزه، أو كبر سنه، فنبه صلى الله عليه وسلم عليها. إخوة الإيمان : إن الصلة والإحسان على ذوي القربي يأتي مباشرة بعد الأمر بعبادة الله والإحسان إلى الوالدين، ولم لا ؟ وقد قال الله في كتابه ( وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ )، فالمؤمن الحق هو من يصل رحمه وأقرباءه، فيحيطهم بعطفه، ويشلمهم بلطفه، ومن لا خير فيه لأهله والأقربين فلا خير فيه للناس أجمعين، ولا يظنن واصل ـ عباد الله ـ أن صلة الرحم صفقة تبادلية، تتصل بالوصل وتنقطع بالقطيعة، كلا، فصلة الرحم أسمى من ذلك وأرقى، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : (ليس الواصل بالمكافى، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها)، إن الأقارب وذوي الأرحام يجب أن تجمع بينهم أسمى الروابط وأوثق العلاقات، فلا حقد بينهم، ولا حسد، ولا عداوة ولا بغضاء، بل حب وتآلف ووفاء، ويزداد الأمر أهمية مع أشد الناس قرابة كالإخوة والأخوات، ولكن مع الأسف الشديد نرى صورا يمكن أن تعد مأساة مريرة في علاقات الإخوة بعضهم ببعض على الرغم أنهم نشأوا في بيت واحد وأكلوا من طعام واحد وذاقوا معا تقلب الدهر حلوه ومره، إلا أن بعضهم تفرق بينهم أعراض الدنيا والتنافس عليها، حتى أصبحت الخلافات بين الإخوة في الغالب مرتبطة بالميراث والتركة وما خلفه الأب من مال وعقار ودور، ويصل بالإخوة النزاع إلى درجة تجعل الحب والود بينهم نادرا، وتجعل من يحنو على أخيه أو أخته مضرب المثل في الحنان والعطف والسماحة، حقا إنها لماساة أن تسطو أعراض الدنيا على أقرب الناس إلى الإنسان، فتبعده عنه وتضعف أو تقطع أواصر القربى المتينة بينهم. ألا فليعلم كل مسلم أن قطيعة الرحم سبب في خسران الأمم وضياع حضارتها وتفكك روابطها، فليتق الله كل ذي لب وليحافظ على علاقة طيبة بأقاربه، وليكن أصفى قلبا وأوصل رحما وأكرم خلقا. أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه يغفر لكم إنه الغفور الرحيم، وادعوه يستجب لكم إنه هو البر الكريم. *** *** ***الحمد لله الذي حثنا على الصلة والإكرام، ورغب في التودد بين الأنام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أوصى بحسن العشرة والجوار، وبذل المعروف ورعاية حق الجار، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه الأخيار، والتابعين لهم بإحسان إلى دار القرار. أما بعد، فيا عباد الله : تقوم المجتمعات الإنسانية على الصلة والتواصل بين الأفراد، وقد دأب الناس على تخير الأمكنة في سكناهم، ومعرفة جيرانهم وأهل أحيائهم وقراهم، وعدت العرب ثمن الدار بقدر الجار، كل ذلك لما في الجوار من آثار وثمار، وفي الأمثال أن من فاته نفع إخوانه فلا يفوتنه نفع جيرانه، ومن هنا كانت وصية الإسلام في رعاية حق الجوار، فقد قرن النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بالإيمان بالله سبحانه فقال: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره)، إن من حقوق الجار تعهده بالحسنى، والسؤال عنه وزيارته، والتودد إليه بالأخلاق الطيبة، والنظر في حاجته، وحسن الظن به، وعدم التجسس عليه، وقد لخص رسول الله صلى الله عليه وسلم حق الجار في قوله لأصحابه : (أتدرون ما حق الجار؟ إن استعان بك أعنته، وإن استنصرك نصرته، وإن استقرضك أقرضته، وإن افتقر أعطيته، وإن مرض عدته وإن أصابه خير هنأته، وإن أصابته مصيبة عزيته، وإن مات تبعت جنازته، ولا تستطل عليه بالبناء فتحجب عنه الريح إلا بإذنه، ولا تؤذه بقتار قدرك ـ أي برائحة طبخك ـ إلا أن تغرف له منها، وإن اشتريت فاكهة فاهد إليه منها، وإن لم تفعل فأدخلها سرا، ولا يخرج بها ولدك ليغيظ بها ولده). فكن لجارك أخي المؤمن راعيا ومعينا، وأطلق وجهك بالبشاشة والسلام، وكن بجانبه في النوازل والمشكلات، وترفق به في أحواله، وكن معه كما تحب أن يكون معك، في أفراحك وأتراحك، وفي شغلك وحال فراغك. فاتقوا الله ـ عباد الله ـ، وقوموا بحقوق بعضكم لبعض، وتعهدوها ولا تهملوها، فهي أساس أمانكم، وسلامة أنفسكم وأموالكم، وصلاح مجتمعكم. هذا وصلوا وسلموا على إمام المرسلين، وقائد الغر المحجلين، فقد أمركم الله تعالى بالصلاة والسلام عليه في محكم كتابه حيث قال عز قائلا عليما : ( إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ). اللهم صل وسلم على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، كما صليت وسلمت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، في العالمين إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن أزواجه أمهات المؤمنين، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعن المؤمنين والمؤمنات إلى يوم الدين، وعنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم اجعل جمعنا هذا جمعا مرحوما، واجعل تفرقنا من بعده تفرقا معصوما، ولا تدع فينا ولا معنا شقيا ولا محروما. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، ووحد اللهم صفوفهم، وأجمع كلمتهم على الحق، واكسر شوكة الظالمين، واكتب السلام والأمن لعبادك أجمعين. اللهم يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام، لا إله إلا أنت سبحانك بك نستجير، وبرحمتك نستغيث ألا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، ولا أدنى من ذلك ولا أكثر، وأصلح لنا شأننا كله يا مصلح شأن الصالحين. اللهم ربنا احفظ أوطاننا وأعز سلطاننا وأيده بالحق وأيد به الحق يا رب العالمين، اللهم أسبغ عليه نعمتك، وأيده بنور حكمتك، وسدده بتوفيقك، واحفظه بعين رعايتك. اللهم أنزل علينا من بركات السماء وأخرج لنا من خيرات الأرض، وبارك لنا في ثمارنا وزروعنا وكل أرزاقنا يا ذا الجلال والإكرام. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات المسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعاء. عباد الله : (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ).