"الأحوال الشخصية" "84"
ذكرنا في الحلقة السابقة ونحن نتكلم عن صيغة الطلاق أن الطلاق يقع بأحدى ثلاث حالات:
اللفظ أو الكتابة أو الإشارة، وأوضحنا أن اللفظ أما أن يكون صريحاً، وهو الذي يدل دلالة واضحة عن حل عقد الزواج لغة وعرفاً، إما أن يكون اللفظ غير صريح ويسمّى الكنائي، وهو ما سنبينه في هذه الحلقة بمشيئة الله وتوفيقه.
لفظ الكناية: هو اللفظ المحتمل لمعنى الطلاق بحسب الوضع اللغوي ولذلك أمثلة كثيرة منها قول الزوج لزوجته: الحقي بأهلك، واعتدي، استبرئي رحمك، ومن ألفاظ الكنايات قول الرجل لزوجته:"اعتبري ما بيني وبينك منتهي، وأنتِ طايحة من رقبتي، مالك رجعة في بيتي، لا أريدك لي زوجة".
فمثل هذه الألفاظ تعتبر من كنايات الطلاق لا تقع إلا بالنية أي أن تكون نية المطلق الطلاق، لأن اللفظ يحتمل معنى الطلاق ويحتمل غيره.
فمن قال لزوجته مثلاً: إذهبي إلى أهلك، وكان ناوياً الطلاق أو أن العرف الجاري أن هذا اللفظ لا يستعمل إلا في معنى الطلاق فإنها تطلق منه، وإن لم تكن نيته الطلاق فلا يُعتبر طلاقاً.
جاء في جوهر النظام للإمام نور الدين السالمي ـ رحمه الله:
أما الكنايات إذا ما شاء
بها الطلاق جدد النُّواء
فإن يقل لم أنوه يصدق
لأنه المأمون فيما ينطق
فإن يخن فنفسه قد خانا
وما على الزوجة شيء كانا
وذلك أن اللفظ في الكناية
معناه غير ظاهر العبارة
فهو به يريد غير ما وضع
له لمعنى حاصل في المجتمع
من هاهنا سمي كنايات وما
معناه إلا الاستبتاد فافهما
كحبلك اليوم على غاربك
وألحقي بالأهل مع طالبك
وهكذا أن قال قد تركتك
أو أنني يا هذه خليتك
وهكذا إن قال انت مني
بريئة فهو إذاً مُكنّي
وهكذا اعتدي ورأسك استري
عني وقد نزعت عنك فانظري
ومعرفة النية في طلاق الكناية يعود على المطلق نفسه، أراد به الطلاق أم لا فإن كان يريد به الطلاق تطلق منه زوجته، وأن لم يكن ناويا به الطلاق فلا يقع، وهو أمين نفسه فعليه أن يتقي الله ويقر بحقيقة ما قصده من لفظ ، خشية أن تبقى زوجته في عصمته وهي طالق منه.
روي أن رجلاً قال لزوجته:"حبلك على غاربك" فبلغ ذلك أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ فكتب إلى عامله بالعراق أن يأمر الرجل موافاة عمر بمكة في موسم الحج، فبينما عمر يطوف بالبيت إذ لقيه الرجل فسلم عليه، فقال له عمر من أنت؟ فأخبره الرجل، فقال له عمر أسالك برب هذه الكعبة ما أردت بقولك: حبلك على غاربك" فقال الرجل: لو استحلفتنى في غير هذا المكان ما صدقتك، أردت بذلك الفراق فقال له عمر: هو ما أردت.
.. وللحديث بقية.

د/ محمد بن عبدالله الهاشمي
قاضي المحكمة العليا
[email protected]