[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/zohair.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]زهير ماجد [/author]
كان احد المثقفين الفلسطينيين يرد على سؤال احدى المحطات الفضائية ليقول للسائل ان كل العالم له وطن يعيش فيه باستثناء الفلسطيني الذي يعيش الوطن في قلبه فقط. الجملة الاثيرية هذه سمعتها من احد رجال الدين الأقباط المصريين الذي قال بان الوطن يعيش فيه وهو يرد على جريمة الكنيسة في القاهرة، في حين غرد كاتب مصري يبدو انه من الاقباط ايضا بقوله ان وطنا بلا كنائس افضل بكثير من كنائس بلا وطن.
هي بعض الكلمات التي تمسح دمعة في المآقي وقبل خروجها من العين. الكلمات النابعة من حس الانتماء الوطني تجعلنا لانفكر مرتين، هكذا يشعر المقاتل في الجبهة او ذاك الذي في نيته الشهادة. انه لايألف التفكير سوى مرة واحدة بجملة واحدة تقول انا لااساوي شيئا بدون وطن، عندها يسهل الموت، بل يصبح حقيقة وجودية.
علمنا المفكر الفرنسي سارتر ان تظل بعيدا عن الفكرة لأنك كلما اقتربت منها اصيبت عينك بالغشاوة .. الا الوطن، وهذا رأيي انا، فكلما اقتربت منه زادت لهفتك عليه، بل فهمته اكثر .. التفاهم مع الاوطان يستدعي دائما حوارا ساخنا، ماذا قدمنا له وليس ماذا قدم لنا، هو الوجود ونحن الموجود، فإذن هو الباقي والازل .. تمر الأجيال على شرفة الأوطان ثم تموت، فيما لا يبقى غيره واقفا لا يفنى ولا يموت، بل يزدهر، واحيانا تورق فيه دماء ابنائه لتضع لون البقاء الذي يجمله.
هنالك نظريتان تتصارعان، القطر العربي أولا، ام الوطن العربي الشامل اولا .. سيظل الصراع الصامت بينهما قائما، لكن الاعتقاد السائد الأقرب إلى الحقيقة، ان ليس هنالك اولا بل قطر ننتمي إليه هو جزء من وحدة .. ومهما غالى القطريون في عملية انتمائهم، فلسوف يخدمون فكرة الوطن الأكبر الأعم والأشمل. كلما شعر المرء بمواطنيته الصحيحة السليمة بدون شوفينية محققة، يكون سيدا في الأخرى.
لا شك ان الفلسطيني اكثر ما نرثي إليه في ترداده حول انتمائه الوطني للأوطن، لكنه في النهاية عاش عربيا فلسطينيا وسط امته التي صارعت من اجله كثيرا، وربما ان قضيته بالذات فرخت قضايا عربية، وجود اسرائيل كعدو تاريخي وجودي، اعطى للصراع مع الفلسطينيين بعده العربي، فإسرائيل قاتلت عبد الناصر تحت هذه الفكرة، حتى انها اعتبرته الفلسطيني الاول يوم هزمته في العام 67.
نزف الأقباط المصريون دما، لكنهم عرفوا ان مصابهم هو ذاته مصاب اسلامي، فالإرهاب الذي قتل منهم واستهدف وجودهم، لم يرد منهم ترك مصر، بل اخراجها من دواخلهم ومن احساسهم اولا، عندها تصبح كنائسهم بلا وطن، وهي أصعب الأحاسيس، بل هو الفقدان الحقيقي للمواطنية.
نقاتل الإرهاب على شتى المستويات، كي تظل الأوطان فينا سيدة ارواحنا، بل التكوين الأول والأخير لعالمنا ومشروع ثوابتنا. يريدنا الإرهاب ان نتحول إلى سكان وليس إلى شعب، السكان لا يقاتلون من اجل عقيدة، أما الشعب فهو من يقاتل لأنه والأرض ولدا معا، وهو بالتالي ليس جسدا يفنى، بل روح تتنقل بين الأجساد التي ماتت لتعيش من اجل وطن.