« سيرة القرية، سيرة المكان والزمان» لناصر الحسني أنموذجا (1)بلقاسم مارسiمدخل:السّرد الموجز أو المقتضب شكل فنيّ في الكتابة القصصيّة، وهو جنس أدبيّ يُطلق عليه النقّادii فنّ« القصّة القصيرة ». ونزعم أنّ هذه الهيئة في الكتابة السّردية على« قصرها واِكتنازها بإمكانها أنْ تمثّل مختلف التّجارب الإنسانيّة على تمايزها وتنوّعها وتعقيدها»iii، ذلك أنّ هذا الاِقتضاب في الملفوظ القصصيّ بإمكانه ملامسة التّجربة الإنسانية بكلّ تعقيداتها واِتّساع عوالمها وتناقضاتها وإنْ تميّزت تجربة الكتابة في هذا الشّكل الفنيّ بالامتلاء والاِختزال والاِختصار في تصريف اللّغة وطرق تشكيلها، خلافًا لما ذهب إليه بعض النّقاد الذين يقرّون في أكثر من مناسبة أنّ« القصّة القصيرة شكل غير مكتمل أو جزئيّ مقارنة باِكتمال الرّواية. ونظروا إليها بوصفها النّوع الأصغر والأقل بالنّسبة إلى الرّواية »ivولتدبّر هذا النّمط من الكتابة القصصيّة، ننظرُ في مؤلّف الكاتب العماني ناصر بن حمود الحسنيv الموسوم بـ« سيرة القرية، سيرة المكان والزمانvi » الصّادر حديثًا، ومن خلاله يمكن أنْ نقف على مسألتين أساسيتين، نوضّح الأولى توضيحًا سريعًا، ونقف طويلاً عند الثّانية بالتّحليل والتأمّل باِعتبارها موضوع هذه الدّراسة.أمّا المسألة الأولى فتتعلّق بجنس هذا الصّنف من الكتابات السّرديّة ( السّرد المقتضب والوجيز)، ففي أيّ خانة من الأجناس الأدبيّة يمكن تصنيفه؟هل ينتمي هذا المؤلّف إلى جنس القصّة القصيرة ؟أوْ القصّة الومضة؟ أوْ القصّة القصيرة جدًا ؟ أو القصّة الشّعرية القصيرة؟ إنّه جنس أدبيّ غير واضح المعالم في شكله وفي مضمونه.وللإشارة فقد كان هذا النّوع من السّرد الوجيز والمقتضب مجال بحث مُطوّل في كتاب النّاقد البشير الوسلاتي« النّص الأقصوصيّ وقضايا التأويل»viiحيث أكّد الباحث ضرورة تدبّر هذا النّوع من السّرد وتأويله في النّظر إليه من زاويتين كبيرتين تتراوحان بين النّظريةو الإجراء المنهجيّ التّحليليّ.إنّ هذه المسمّيات كلّها يمكن أنْ نعثر عليها في نصوص الكاتب العماني ممّا يشرّع لدراسة الأثر ويبرّر الاِهتمام به ، على أنّ المؤلّف قد اِعتبر قصصه منذ البداية نصوصًا سرديّة ذات طابع تسجيلي لسيرة القرية العمانية يحيل على ذلك عنوان هذه المجموعة القصصية الذي وسمها بما يلي : « سيرة القرية سيرة للمكان والزمان » وهذه النّصوص في مجموعة العماني ناصر بن حمود الحسني يمكن أنْ تستجيب لمثل هذه المُسميات المذكورة سابقًا على تنوّعها واِختلافها. والمتأمّل أيضًا في أغلب هذه النّصوص السّرديّة يلاحظ أنّها تستجيب لمقتضيات القصّة القصيرة ومتطلّباتها على ما يذكر النّاقدان البشير الوسلاتيviii و صبري حافظ ix. كما أنّ النّاظر في هذه النّصوص السّرديّة أيضًا يلاحظ وجود قصص قصيرة جدًا لا تتجاوز الأسطر المعدودة كما في قصّة «أبطال القريةx»، ممّا يجعلنا نُصنّفها ضمن ما يُعرف بالقصّة الومضة، كما أنّ بعض النّصوص السّردية الأخرى تبدو قصصًا قصيرةً لا تتجاوز الصّفحة أوْ نصف الصّفحة ممّا يجعلها قصصًا قصيرة جدًاxi وهي كثيرة . وفي هذه المجموعة أيضا نصوص هي أقرب إلى الشّعر الحرّ xii بحيث يمكن أنْ تستجيب حتى للتّقطيع العروضيّ كما في قصة « عندما كنا صغاراxiii ».كما توفّرت في هذه المجموعة من النّصوص السّردية قصصٌ طويلةٌ نسبيّا يمكن إدراجها ضمن ما يُعرف بفنّ الأقصوصة أوْ القصّة الطّويلة لكنّها لا تبلغ مرحلة الرّواية ومتطلّباتها من قبيل قصص «عزوة الشواء »xiv و «الصدقة » xvوالثّابت فيما يتعلّق بهذه المسألة الأولى أنّ إشكالاً أجناسيًا كامن في ثنايا هذه النّصوص يتعلّق أساسًا بماهيّة النّوع الأدبيّ الذي تمثّله هذه المجموعة القصصية. ونزعم أن هذا التّوضيح المتّصل بالعنوان المفسّر له «سيرة القرية ...سيرة للمكان والزمان »يصنّف المجموعة القصصيّة ضمن دائرة السّرديات (السّرد الوجيز والمقتضب) وينفي عنه صفة الشّعر مثلاً باِعتباره جنساً مستقلاً في الكتابة له تقنياته الخاصّة التي تميّزه عن غيره من الأجناس الأدبية دون أنْ ننفي عن هذه الأجناس - على اِختلافها وتنوّعها - صفة التّداخل وأخْذ بعضها برقاب بعض.ونكاد نسلّم مع المؤلف العماني ناصر الحسني بأنّ هذه النّصوص - وإنْ كانت متنوّعة ومختلفة من حيث هيئة الكتابة وطرائق السّرد فيها- هي أقرب إلى مجال القصّة القصيرة دون أن ننفي عنها المنحى السير ذاتي فهي سيرة للقرية و أهاليها، لكنّنا نُسجّل في نفس الوقت ذلك التّباين والتّمايز بين مختلف هذه النّصوص سواء تعلّق الأمر بالطّول و بالقصر أو بطرائق الكتابة وبنيتها .أمّا المسألة الثّانية فهي تتّصل اِتّصالا ًوثيقًا بالأولى و تتعلّق بالبنية السّرديّة في هذه النّصوص. فالمتأمّل في هذا المؤلّف يلحظ أنّ بنيته السّردية هي بنية مكتنزةxvi تحمل في ثناياها معني الاِمتلاء والاِجتماع والقوّة في آن لما يعتمل داخلها من مقوّمات تركيبيّة وبنيويّة متميّزة محكومة بمحوريْ الاِختيار والتوزيع، مما يجعل الدّلالة في هذه النّصوص السّردية لا تبدو على الأقل موحّدة بل هي دلالة مُنفتحة لا متناهية يعمل القارئ النّموذجي على بلوغها ومعرفة قصديّتها ودلالتها من خلال ممارسة نشاطه التأويليّ و التّعاضديّ معتمدًا في ذلك على كفايته الإيديولوجيّة بحكم تكوينه ومعارفه وثقافته و إنْ تأخّرت هذه الدّلالة بحكم تنوّع القرّاء واِختلاف ثقافاتهم على ما يزعم « أمبيرتو إيكو»xvii.إنّ البنية القصصيّة في نصوص الكاتب العماني ناصر بن حمود الحسني بنية مكتنزة يهيمن عليها الطّابع الاِختزاليّ ناهيك عن التّرميز والإيحاء والحذف إلى درجة تُصبح معها الجملة السّردية في البنية القصصيّة اِستعارةً أو مجازًاً إذ هو لا يبوح بكلّ المعاني و إنّما ببعضها معتمدا في ذلك على تقنية الاِكتناز في الجملة السّرديّة .والثّابت لدينا أنّ الخطاب القصصيّ في هذه المجموعة «سيرة القرية ...سيرة للمكان والزمان » محكوم بنمط مخصوص في إنجازه وتقديمه للأحداث القصصيّة وطرائق القول فيه . إذْ ينهض أساسًا على اِقتصاد العبارة وتحجيمها واِكتناز الجملة واِمتلائها وبالتّالي إحكام بنائها، مما يؤسّس لاِنتفاء التّفاصيل والتّفسير والتّبريرات. فنلحظ في الملفوظ القصصيّ نفور السّارد من المباشرة والتهويل وهو ما يجعل الدّلالة متعدّدة تتنوّع بتنوّع القرّاء واِختلافهم وتنوّع معارفهم و ثقافاتهم وذلك ما أهّل القصص القصيرة للكاتب ناصر الحسني أنْ تكون نماذج وتجارب سرديّة عمانية رائدة يمكن لها أنْ تحتلّ منزلة مرموقة فيما يُقدّم من نصوص إبداعية في الشّكل القصصيّ القصير في المنطقة العربية.ولما كان الخطاب السّرديّ هو ملفوظ يؤلّف نصًا قصصيًا، فإنّ ذلك من شأنه أنْ يُيسّر التّواصل بين السّارد المنظّم للحدث القصصيّ من ناحية والمتلقّي النّموذجي من ناحية ثانية، على أنّنا نعتبر منذ بداية هذه الدّراسة أنّ الأساسيّ في هذا الخطاب السّردي ليس ما يُروى من أحداث قصصيّة (ماذا قيل) بل الأهمية الكبرى تكمن في هيئة الكتابة القصصيّة وسُبل تصريف الملفوظ السّرديّ فيها (كيف قيل) أيْ أنّ مسألة الخطاب الإبداعيّ في اِعتقادنا تتّصل بكيفيات تصريف اللّغة وهيئات إنجازها. فكلّ عمل قصصيّ يتفرّد بطريقة تصريف الجملة النّحوية فيه وسبل إخراجها على طريقة مخصوصة مميّزة يجوز معها أنْ نُنسب هذا الخطاب القصصيّ لكاتب دون غيره . فيحدث ذلك التّفاعل والتّوتّر اللّغوي بين مختلف الوحدات السّرديّة المكتنزة على تنوّعها وتداخلها باِعتبار أنّ هذا النّمط من الجمل إسمية كانت أم فعلية خبرية كانت أم إنشائية يمكن أنْ يُحدث معنى تامّا في صلب القصص يتفطّن إليه القارئ النموذجي دون غيره .و طرائق السّرد وكيفيّات تشكيلها في هذه النّصوص السّرديّة موضوع هذه الدّراسة هي مسألة جديرة بالاِهتمام، ذلك أنّ كيفية تقديم السّارد للأحداث القصصيّة فيها لا تخرج عن هذا الإطار. فقد نهضت أساسًا على الاِكتناز و الاِمتلاء والصّمتxviii و العجز عن الكلام في بعض المواطن «عرف الشيخ زاهر بكرمه وجوده وتوظيفه لعدد كبير من الناس يعملون في الزّرع والنّخل وكانوا يخافون الحديث معه أو الإقتراب من جلسته لشدة بأسه وهيبته وكان الناس في القرية لا يتذمّرون من ذلك بل كانوا يرتضون للشيخ فعله لما له من من أهميّة في حماية ممتلكاتهم وثمارهم ومنتجات حقولهم » xix فاِنعكس سلوك الشّخصيات ورغبتها الملحّة في عدم الإفصاح عن الملفوظ اللّغوي والمجاهرة به على مسار الجمل السّرديّة وهيئة اِنتظامها النّحوي بالدّرجة الأولى. فجاءت أغلبها منفيّة أوْ مثبتة ومنفيّة في آن، وعلى مسار السّرد والوصف والأمكنة والأزمنة بدرجة ثانية، ليكون من أبرز نتائج ذلك تلك الدّلالات المتعدّدة و النّصوص المنفتحة بعضها على بعض والتي يدركها قارئ متميّز هو القارئ النّموذجيxx. ذلك أنّ فللمرويّ « شأن في الّنصّ السّرديّ عامّة. وهو كائن نصيّ وثيق الإرتباط بالرّاوي»xxi إنّ مختلف هذه النّصوص في مجموعة «سيرة القرية» على تنوّع القصص فيها وتعدّدها، تحافظ على هيئة تكاد تكون موحّدة في تشكيل السّرد القصصيّ. فقد اِتّخذت هذه النّصوص السّردية شكل الهرم: متّسعة (طويلة) في أوّل المجموعة القصصيّة، وضيّقة (قصيرة) في الصفحات الأخيرة، فإذا كانت القصّة الأولى والثّانية تمتدّ على عدد من الصّفحات، فإنّ القصص في نهاية المجموعة لا تتجاوز الصفحة الواحدة. إنّ هذا الشّكل الهرميّ هو الذي يبرّر تواتر الاِكتناز والإيجاز وتجلّياته في مختلف النّصوص السّرديّة حتى وصل إلى نفاذ اللّغة وتنامي المعني في آن.1- الإيجاز في بنية النّصوص السّرديّة « سيرة القرية» :إنّ طرائق الكتابة عند الكاتب العمانيّ ناصر بن حمود الحسني هي هيئات في تصريف الملفوظ اللّغويّ. ولمّا كان الأمر كذلك فإنّ هذا الصّنف من الكتابة يبدو في اِعتقادنا مسألة نقديّة جديرة بالدّراسة والتعرّف على أبرز ملامحها خاصّة حينما يتعلّق الأمر بمسألة كتابة الإيجاز في الجملة النّحوية باِعتبار أنّ ذلك يُعتبر رؤيةً جماليةً وإبداعية في آن، خاصّة إذا ما تعلّق الأمر بكيفية إنجاز البناء النّحويّ للجملة وسُبل تشكيله في كتاباته والتي تنهض أساسًا على اِكتناز الملفوظ القصصيّ. وتلك اِستراتجية نحويّة و خيار لغويّ اِنتهجه الكاتب في صياغة نصوصه السّرديّة، لذلك اِتّسمت أغلب كتاباته القصصيّة القصيرة باِكتناز العبارة واِختزالها . فكان لا بدّ من البحث في الآليات والأساليب اللّغوية التي توسّل بها الكاتب في مختلف نصوصه القصيرة. وهي في اِعتقادنا آليات وأساليب تتّخذ من تقنية كتابة الصّمت في الجملة النّحويّة سبيلاً في كتابة القصّة القصيرة. تلك الآليّة التي شاعت في أغلب نصوصه وحكمت بنيتها السّرديّة حتى اِستحال الملفوظ اللغويّ في الخطاب السّرديّ خطابًا مكتنزًا هو الآخر، باِعتبار أنّ تركيب الجملة النّحويّة يُعدّ أبرز مكوّنات هذا الخطاب القصصيّ.لذا سوف نتتبّع هذه النّصوص السّرديّة ونتبيّن مدى شيوع تقنية الاِكتناز في هذه الجمل والوقوف عند مكوّناتها النّحويّة وهيئات تصريفها من حيث البساطةُ والتّركيبُ خاصّة .إنّ الإكتناز في الجملة النّحويّة هو هيئة في الكتابة القصصيّة وآليّة لها خصائصها في النّصّ السّرديّ. والمبحث النّحويّ كفيل بأنْ ينهض بالكشف عن هذه التّقنيّة . لذلك فإنّنا سنتوسّل بهذا الملفوظ القصصيّ للوقوف على طريقة اِستعمال الكاتب للّغة وأوجه التصرّف فيها« فغائية الحدث الأدبيّ تكمن في تجاوز الإبلاغ إلى الإثارة. وتأتي اللّغة في هذا المقام لتتحدّد بدراسة الخصائص اللّغويّة التي بها يتحوّل الخطاب عن سياقه الإخباريّ إلى وظيفته التأثيريّة والجماليّة.»xxiiإنّ البحث في مسألة الإيجاز في الجملة النّحويّة هو كشف عن تلك السّمات البنيويّة لعملية الإبداع القصصيّ في مختلف مجالاتها. وكيف تشكّلت طرق القول والتلفّظ فيها ، سعيًا إلى اِستنباط قواعد ومناهج عامّة تؤسّس لقيام صمت حكائيّ كنظام قصصيّ في نصوص الكاتب. وتُبرز نمطًا خاصّاً في كيفية تشكيله لغويًا ورسم معالمه في لوحات سرديّة متتاليّة و بالتّالي تقديمه إلى المتلقّي في هيئة تخضع إلى مقتضيات اللّغة وسبل التصرّف فيها . وهذا عمل يبدأ كما يقول ريفاتير « مع بداية المعالجة اللّغويّة والأسلوبيّة للمقروء ومحاولة تجاوز إكراهاته البنائيّة وفكّ سننه ومعرفة سياقاته بحلّ تناقضاته المتتاليّة »xxiii فهذا الإيجاز اللّغويّ جسّده الكاتب معتمدًا في ذلك على أساليب لغويّة مختلفة هي في نهاية الأمر مجموعة متعاضدة من العلامات اللّغويّة xxiv، ولتجسيد هذا الجانب النّظريّ كان لزامًا علينا الاِشتغال على بعض النّصوص من هذه القصص القصيرة . لذلك ننظرُ في هذه الأمثلة من التّراكيب النّحوية المستعملة في طرائق الكتابة عند الكاتب العماني ناصر بن حمود الحسني:- شيخ القرية : للقرية شيخ يدير شؤونها/ويتفقد أحوالها / ويتعهّد مكتسباتها /يحتكم على يديه /يحل خلافاتها وقضاياها /ذكي/ فطن/ وداهية/يسوسها بالحكمة /شديد في وقت يحتاج فيه إلى الشدة /ولين في وقت يحتاج فيه إلى اللين/يحترمه الصغير والكبير/الرجال والنساء/يكون رمزا لهم /يتسم بالهيبة والوقار والتواضع/xxv- خيمة الختان: تقدم الطبخات والأكلات/ يوضع الطفل تحت الخيمة / يصطف الناس للدّخول في الخيمة /يسلم / يدو الله/ يقدم وجبة يومية / ينتظرون قدوم الموكب / النساء يشتركن في إعداد الطبخات /هن يزغردن / يختن الطفل /تسمع أصوات النساء/تطلق البنادق طلقات /xxvi- مهوى النجم : الراعي يحترس جدا / يحاول أن يلتف بأغنامه / يواصل رحلته /يمر من مهوى النجم يذكر أن عائلته كاملة/ غرقت عائلته /حاول إنقاذها / ذهب الواحد تلوى الآخر /غرقوا في ذلك المكان / ابتلعهم الماء /لا يعلم أحد من الآهالي /xxvii- حياة القرية: الرجل الكبير يشعل النار/يشعر بالدفء/ يقلب الكرب/ أوقد تحتها / طبخ عليها علق عليها أكياس/يوجد مشرب الستيل البارد / الدخان يرتفع عاليا/ وهو يبتسم/ تتعالى الأصوات / تتمازج/ الأطفال يتجمعون / يجتمع الرجال لتناول القهوة / هناك يجتمعن النساء / يتناولن القهوة يتبادلن الأخبار والأحاديث/xxviiiإنّ المتأمّل في هذه الجمل النّحويّة السّالفة الذّكر من مختلف القصصxxix القصيرة من المجموعة القصصيّة «سيرة القرية »يلحظ بما لا يدع مجالاً للشكّ أنّها على قدر كبير من القصر والإيجاز تفصل بين مختلف مكوّناتها النّحوية«المبتدأ والخبر/الفعل والفاعل والمتمّمات » النّقاطُ والفواصلُ، كما أنّنا لا يمكن أنْ نلحظ فيها عبارة زائدة أو إفاضة في الأسلوب يمكن أنْ تنحو منحى التّفسير والتّبريرxxx بقدر ما تقف اللّغة في هذه الأمثلة من النّصوص السّرديّة القصيرة موقف الحياد وتقديم المعلومة كما هي دون زيادة أو نقصانxxxi وإلى ذلك تنهض هذه الأمثلة من القصص القصيرة على الاِختزال. فإذا الجمل في غالب الأحيان بسيطةxxxii متكوّنة من المستويات النّحوية الضّرورية الدّنيا التي تستقيم بها الجملة . وتؤدي المعنى.على أنّنا نفرّق في هذه النّماذج من الجمل بين التّفصيلات والجزئيّات الضّروريّة التي يمكن أن يلحّ عليه صنف مخصوص من الجمل يقتضيها العمل الفنّيّ ذاته، وبين التفصيلات الزّائدة التي لا يعمل السّارد على البوح بها في هذه الجمل وغيرها من نصوص الكاتب في مجال القصّة القصيرة خاصّة، وهي عادة ما ُيقصد بها تضخيم حجم القصّة والاِسترسال في الكلام دون مبرّر لذلك . ولم تعتبر هذه التّفصيلات من فنيات القصّة القصيرة وإنّما يمكن الاِستغناء عنها وحذفها وهو ما وقع في هذه النّماذج من الجمل النّحوية التي تنتمي إلى قصص الكاتب موضوع الدّرس في هذا البحث لأنّ وجودها في الوصف أو في الحوار، يضرّ بمقتضيات العمل القصصيّ وآلياته.----------------------------------------------------الهوامش :1- أستاذ مساعد بالتعليم العالي، كلية الآداب بصفاقس، المعهد العالي للغات قابس- - تونس.2- أنظر :أحمد السّماوي، فنّ السّرد في قصص طه حسين. صفاقس. مط. التّسفير الفنّي. 2000 ص8.واُنظر كذلك:_ البشير الوسلاتي ، النص الأقصوصي وقضايا التأويل، دار صامد ، تونس، ماي 2014، ط 1 . ص9.- عبد العزيز شبيل ، نظرية الأجناس الأدبية في التراث النثري ، جدلية الغياب والحضور، ط 1 سبتمبر 2001 دار محمد علي الحامي تونس، ص13،143 - بلقاسم مارس، بلاغة الاِكتناز في القصة القصيرة ضوء ضعيف لا يكشف شيئا لمحمد البساطي ، دار رسلان للنشر والتوزيع ،2015 ص3.4- اُنظر صبري حافظ ،« الخصائص البنائية للأقصوصة » ، مجلة فصول المجلد الثاني عدد 4 لسنة 1982.5 - كاتب وشاعر من مواليد سلطنة عمان ، دماء والطائيين، من مؤلفاته العبودية وأثرها في شعر عنترة ، دراسة في الأدب العربي القديم ، مقاصب عامر بن سيف تحقيق في الشعر الشعبي العماني ، ومضات من الأدب العربي دراسة في الأدب والنقد العربي، جواهر عربية مقالات في الأدب والنقد العربي، سيرة القرية سيرة للمكان والزمان .6- ناصر بن حمود الحسني: سيرة القرية ،سيرة المكان والزمان، دار كنوز المعرفة ، 2015، ط17- البشير الوسلاتي ، « النص الأقصوصيّ وقضايا التأويل » ، ذكر سابقا، يسعى المؤلف في هذا الكتاب ، 254 صفحة، إلى تدبّر هذا النوع من السرد المقتضب والوجيز والبحث في سياقاته التأويلية وقد تضمن الكتاب خمسة فصول ، الفصل الأول : مظاهر التمايز بين مقارنة النص الأقصوصي والنص الروائي ومن خلاله يقارن بين الأقصوصة والرواية وما تتميّز به كل منهما الفصل الثاني : في الخطاب الأقصوصي المقارن بين قيد دو مابسون و يوسف إدريس وهو فصل في الخصائص الفنية للأقصوصة أمّا الفصل الثالث :فهو التكثيف خاصية الأقصوصة وهو فصل ينظر في دور الأقصوصة في تشكيل أبعاد النّص الجمالية في حين تعلق الفصلان الرّابع والخامس بالمقاربة الإجرائية .8 - أشار الناقد البشير الوسلاتي في الفصل الثاني من كتابه « النّصّ الأقصوصيّ وقضايا التأويل » وبالتحديد في الفصل الثاني الموسوم بـ « في الخطاب الأقصوصيّ المقارن بين قيد دومابسان و يوسف إدريس » إلى الخصائص الفنية للأقصوصة الكونية من قبيل البداية السريعة غير المتراخية و النهاية المفاجئة والمباغتة ووحدة الاِنطباع والأثر والإيحاء والتكثيف والإقتصاد والاِقتضاب والتركيز والوصف البرقي الموظف ...اُنظر كتاب : البشير الوسلاتي : النّص الأقصوصي وقضايا التأويل.(الفصل الثاني) ص149.9- وقد حدّد صبري حافظ الخصائص البنائية للأقصوصة فأجملها فيما يلي :- وحدة الإنطباع : خصيصة الأقصوصة وأكثرها وضوحًا وهي من أكثر الخصائص تداولا. فقصر الأقصوصة لا يسمح بالتراخي أو الاِستطراد أو تعدّد المسارات بل يتطلب الكثير من التكثيف والتركيز واِستئصال أيّة زائدة أو عبارة مكرّرة أيْ أن تتّجه كل جزئيات الأقصوصة إلى خلق هذا الأثر الواحد بصورة بنائية محكمة أو يتحقق خلال المفارقات والنقائض والذكريات والتأملات أي خلق اِنطباع أو أثر إجمالي واحد .- لحظة الأزمة : هي لحظة الكشف والاكتشاف لحظة الإشراق والكشوف إذ يكشف الكاتب عن الشخصية في لحظة معينة وهي لحظة تعرف خلالها الشخصية تحولات حاسمة .- السّياق / التعميم : هي الخصائص البنائية التي تقود في الواقع إلى دراسة الملامح والعناصر البنائية المختلفة التي ينهض عليها شكل الأقصوصة من شخصية وحبكة وزمن وأحداث. اُنظر: صبري حافظ : الخصائص البنائية للأقصوصة مجلة فصول المجلد الثاني عدد 4 1982 لسنة .ص6.x- سيرة القرية،ص19.11 - اُنظر سيرة القرية : شيخ القرية ص13، الشايب زاهر ص 15، التنجيلية ص 23، الرقاط ص 34، المدلوك ص 37، الكودية ص 39، الرعى ص 41، خيمة الختان ص 43، عزوة الشواء ص 46، طاهر ص 51، رحبة البيوت ص 61....xii - اُنظر قصة عندما كنا صغارا ، ص72 و قصة البادة، ص58 .xiii - سيرة القرية ، عندما كنا صغارا، ص73.xiv - سيرة القرية ، عزوة الشواء ،ص46.xv - سيرة القرية، الصدقة ،ص15.xvi - ابن منظور، لسان العرب ، مادة ( ك.ن.ز.) المجلد5، ص 402 ، دار صادر بيروت1994.اِكتنز الشيء : اِجتمع واِمتلأ وكنز الشيء في الوعاء والأرض يكنزه كنزا غمزه بيده .و شدّ كنز القربة ملأها و يقال للجارية الكثيرة اللحم كنازُ وكذلك الناقة ..وناقة كنازُ بالكسر أي مكتنزة اللحم والكناز الناقة الصلبة اللحم والجمع كنوز و كناز..و رجل كنز اللحم و مكتنز اللحم و كنيز اللحم و مكنوزه..الكناز المجتمع اللحم القويه وكل مكتنز مجتمع والكنيز التمر يكتنز للشتاء في قواصر و أوعية والفعل الاِكتناز والبحرانيون يقولون جاء زمن الكناز إذا كنزوا التمر في الجلال....xvii . - Umberto Eco, les limites de l’interprétation , Ed Bernard Grasset, Paris 1992- p76xviii - اِعتبر عبد الله البهلول أنّ أول منطلقات البحث هو اِعتبار الصمت ضروبا متمايزة فمنه ما يكون عجزا عن الإبانة والتعبير ومنه ما يكون ذا طاقة إبلاغية وبلاغية تفوق الطاقة الكامنة في الكلام يكون حينا موقفا يُكره عليه المتكلم ويُضطرّ إليه ويكون حينا آخر موقفا يتخيره المتكلم لأسباب تختلف باِختلاف المقامات ...اُنظر عبد الله البهلول :الصّمت سياسة في القول كتاب الصمت، الندوة العلمية الدولية كلية الآداب والعلوم الإنسانية بصفاقس: أيام 5،6،7، أفريل 2007،ص 83.واُنظر كذلك :- Piere Van Den Heuvel, Parole , Mot , Silence , pour une poétique de l’énonciation Librairie José Corti 1970,pp.73,80.xix - سيرة القرية ، ص 16.xx - Umberto Eco ,l’œuvre ouverte, traduit de l’italien par Chantal Roux de Bézieux avec le concours d’André boucourechlie v, éd – Seuil, 1965, p35xxi - محمد نجيب العمامي : الراوي في السرد العربي المعاصر، رواية الثمانينات في تونس، نشر دار محمد على الحامي ، كلية الآداب سوسة ، 2001 ص 141.xxii-Georges Mounin, Clefs pour la linguistique, Paris, édition Seghers. 1968, pp: 167,168.xxiii - - Michael Riffaterre: Essais de stylistique structurale, Paris 1971, P: 46.xxiv - « إذ اللّغة في جوهرها ليست إلاّ مجموعة من العلامات... وأنّ أصل العلامة هو مبتدأ التشكّل، ولكن أصل التشكّل هو توفّر صورة حسية تدرك عبر إحدى قنوات الحواس الخمس من البصر و السّمع واللّمس والشمّ والذّوق فإذا ارتبطت هذه الصّورة الحسية باضطلاع معين بين الأفراد المشتركين نشأت العلامة» اُنظرعبد السلام المسدي، ما وراء اللغة،ص،ص، 51- 53.xxv - سيرة القرية ، شيخ القرية ص 13.xxvi - سيرة القرية ، خيمة الختان ، ص 44.xxvii - سيرة القرية ، مهوى النجم ،ص 64.xxviii - سيرة القرية ، حياة القرية ، ص 27.xxix - اِعتمدنا على بعض النّصوص القصصية دون غيرها من القصص في مجموعة الكاتب العماني ناصر بن حمود الحسني إذ المقام في هذه الدراسة لا يسمح بأخذ نماذج من كل القصص وتحليلها والوقوف على بنائها النحوي وهيأة الكتابة فيها على أنّ نوعية الجمل المتواترة في بقية القصص لا تختلف كثيرا عن تلك التي اِخترناها في القصص المذكورة وهو ما يؤكد نزوع الكاتب نحو استراتجية مخصوصة في كتابة النص السردي .xxx - لاحظ عزوف السارد عن الإخبار والتواصل في قصة - البادة- شأنه في ذلك شأن الشخصية إذ استحال عاجزا عن فهم ما يدور حوله من أحداث متسارعة تخلى السرد القصصي عن الإفصاح عنها في نفس الوقت الذي لم يقدم تبريرا واضحا لمجريات الأحداث مما يحقق هذا العجز السردي عن الإفصاح والإبانة باعتبار أن – البادة- عند المجتمع العمانيّ تعني الوقت الزمني المخصّص لسقي المزروعات لناس محددين حيث كان الأسبوع مقسما لمجموعة الناس الموجودين في القرية ...هذه الخصوصية والمحدودية حالت دون تواصل السرد واِسترساله ...اُنظر قصة – البادة – ص 58.xxxi - لاحظ نفور السارد من التفسير والتبرير في قصة الشاووووي( تكتب هكذا) حيث اِختصر الأحداث القصصية في صفحة واحدة دون الإفصاح عن الكثير من الأحداث القصصية مما يسر تواتر السرد القصصي بسرعة فائقة تجسد رغبة السارد في إنهاء الكلام وغلق مسار الحدث القصصي حتى أستحالت أغلب الجمل القصصية جملا استئنافية مستقلة منفصلة عن بعضها البعض من قبيل : «....يعتمد أهل القرية على مزرعتهم/ يمر الأطفال بدروب القرية / وهم يصيحون / يحملون معهم بنادقهم يصيحون بالأغاني الشعبية والعمانية/... » اُنظر: قصة الشاووووي ص 67.xxxii - اعتاد الناس في القرية على الصدقة / يمر شهر / يفعلها الناس كل ساعة / يجتمع الناس / الإنسان يتصدق / تحجم كل البيوت عن الطبخ / يذهب فرد واحد/ كان الطبخ لذيذا وشهيا / اُنظر قصة الصدقة ص 53.