إن ترامب هو رجل المفاجآت، كما يصف هو نفسه، إذ إنه يزعم بأنه "يهوى" الصراعات لذاتها، كما يحب مفاجأة الأميركان والعالم بما لا يمكن لهم توقعه من مفاجآت قط. وهذا ما فعله في مسألة انتقاء وزير للخارجية هو من ذات الفئة التي اصطلحنا عليها عنوان "أصحاب المليارات" في مقالة يوم السبت الماضي.

[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/mohamedaldaamy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]أ.د. محمد الدعمي[/author]


لا يختلف مؤرخو مؤسسة الرئاسة الأميركية على أن دونالد ترامب يشكل ظاهرة جديد في تاريخ هذه المؤسسة، حتى قبل أن يتسلم مقاليد الأمور الشهر القادم. ودليلهم في ذلك هي المخاوف والهواجس التي تتراكم اليوم بين فئات واسعة من المجتمع الأميركي حول ما سيقرره هذا الرئيس على النحو الفوري والمفاجئ الذي عهد عنه حال دخوله المكتب البيضاوي. بل ومما يزيد الشكوك والمخاوف هو الخشية التي تتعامل على أساسها حكومات العالم المختلفة مع واشنطن بشكل يستبق دخول ترامب البيت الأبيض.
وبعكسه كيف لنا أن نرصد ونحلل قرار الجمهورية الإسلامية شراء صفقة طائرات بوينغ الباهظة الثمن الآن؛ وكيف يمكن للمرء مباشرة لهجة الاستخفاف التي تعامل بها الكرملين مع عاصفة الإشاعات التي تفيد بأن روسيا إنما عبثت، عبر أدوات حرب "السايبر" الإلكترونية، لترجيح كفة ترامب على كفة كلينتون في الانتخابات الرئاسية الأخيرة.
ولنفي إمكانية تدخل روسي لصالحه في الانتخابات، أجهز ترامب، ولأول مرة في تاريخ مؤسسة الرئاسة، على كامل حزمة أجهزة المخابرات والتجسس الأميركية، ومنها وكالة المخابرات المركزية CIA بلا تردد، وهي ظاهرة نادرة، كما لاحظنا أعلاه. إن خلاصة ما قاله ترامب في هذا السياق هو اتهام هذه الأجهزة بعدم الدقة، بل وحتى بـ"عدم المصداقية" المتعمدة، مسترجعًا "خرافة" امتلاك العراق وتخزينه أسلحة دمار شامل، وهي الخرافة التي استدرجت الولايات المتحدة الى كارثة غزو العراق وإزاحة النظام الذي، حسب رأي ترامب، لو كان قد بقي لما كانت شبكات الإرهاب التي تأسست ثم نمت وازدهرت في العراق وسوريا، كـ"داعش"، من بين سواه.
وبطبيعة الحال، يغدو المعنى النهائي لخطاب ترامب أعلاه هو الإقلال من شأن الأجهزة الاستخبارية الأميركية إلى أدنى حد، الأمر الذي قد يبرر تعيينه رجلًا لا تقليديًّا بوظيفة كبير الجواسيس الأميركان (أي مدير لوكالة المخابرات الأميركية، CIA)، رجلًا يمكن أن يعيد الحياة لعمليات التعذيب ولمراكز التحقيق والاستجواب والتوقيف السرية التي كانت منتشرة عبر دول العالم على عهد الرئيس بوش الابن، سرًّا. بل إن رؤيا ترامب لهذه الأجهزة، ومنها الـCIA، تتخذ موقفًا متحديًا لما أعلنه جون برينان Brennan، مدير وكالة المخابرات المركزية، متحديًا أفكار ترامب، إذ قال برينان بأن إيفاء الرئيس المنتخب بوعده في إلغاء الاتفاق النووي مع الجمهورية الإسلامية قد يقود إلى كارثة حرب نووية.
إن ترامب هو رجل المفاجآت، كما يصف هو نفسه، إذ إنه يزعم بأنه "يهوى" الصراعات لذاتها، كما يحب مفاجأة الأميركان والعالم بما لا يمكن لهم توقعه من مفاجآت قط. وهذا ما فعله في مسألة انتقاء وزير للخارجية هو من ذات الفئة التي اصطلحنا عليها عنوان "أصحاب المليارات" في مقالة يوم السبت الماضي.