أضحى مفهوم الشراكة الاستراتيجية من الضرورات التي تسعى إليها معظم دول العالم، حيث تشكل مدخلا للتعاون بين الدول بصورة تكاملية تفيد الجانبين دون أن يكون هناك اندماج بين المؤسسات والشركات التجارية، وهو مفهوم حديث ظهر في أواخر الثمانينيات من القرن الماضي، حيث تم اعتماد هذا المصطلح لأول مرة من قبل منظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، وهي خطوة تؤكد المقاربة الجديدة التي تتبعها الدول، خاصة النامية منها، في إدارة خريطة تحالفاتها الدولية، حيث تسعى إلى التوسع خارج دائرة شركائها التقليديين، بالانفتاح على القوى العظمى الدولية وعلى رأسها الصين وروسيا والهند، في عالم متعدد الأقطاب.
وتأتي الهند في قائمة الدول التي تسعى إلى إقامة شراكة استراتيجية مع الدول العربية والخليجية وعلى رأسها السلطنة، مستفيدة من العلاقة التاريخية التجارية والاقتصادية والسياسية القديمة بينها وبين دول المنطقة، خاصة السلطنة التي تربطها علاقات وثيقة مع الهند، حيث يبلغ عدد المشروعات المشتركة بين السلطنة والهند أكثر من 2900 مشروع في مختلف القطاعات مثل الإنشاءات والهندسة وإدارة النفايات والخدمات اللوجستية والتصنيع والتمويل وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات والنفط والغاز ونحوها، كما تعتبر الهند ضمن أهم الشركاء التجاريين للسلطنة فهي الشريك الرابع في الواردات والثامن في الصادرات.
وتأتي أهمية الهند كشريك استراتيجي من واقع التجربة التنموية الهندية التي قامت على فاعل سياسي أسهم في ربطها بعلاقات وطيدة مع العديد من الدول سواء القريبة والمتاخمة على حدودها، أو تلك البعيدة، واستطاعت بذلك أن تتبوأ مكانة جيوسياسية واستراتيجية عالمية، فبجانب رقعتها الجغرافية المترامية، والتي تبلغ مساحتها نحو 3.3 مليون كم2، يأتي الجانب الديمجرافي، حيث تحتل المركز الثاني كأكبر تعداد للسكان على سطح المعمورة، وهذان العاملان يعطيان علاقاتها الإقليمية والدولية أهمية خاصة، بالإضافة إلى أن اقتصادها منذ منتصف التسعينيات من القرن العشرين يشهد ارتفاعا ملحوظا في معدلات النمو، وما تملكه من مقومات اقتصادية خاصة في مجال تقنية المعلومات، كما تتمتع باقتصاد متشعب إقليمياً، قفزت فيه مساهمة الواردات والصادرات الهندية من السلع في اقتصادها الوطني من 13% إلى 25% منذ عام 1993، وتمثل التجربة التنموية الهندية واحدة من أهم التجارب في العالم المعاصر، ذلك أن هذا البلد، استطاع في السنوات الأخيرة أن يحقق تطورا كبيرا في مقدراته التنموية.
ومن هذا المنطلق يشكل مؤتمر الشراكة العربي ـ الهندي الخامس الذي تستضيفه السلطنة، فرصة مواتية لاستعراض التوجه الجديد الذي يقوم عليه برنامج “تنفيذ” والذي يتضمن العديد من الأفكار والمشروعات الجيدة، بالإضافة إلى استعراض البنية الأساسية للسلطنة وما تتمتع به من مقومات الحداثة والتطور، فالمؤتمر بمثابة فرصة تعكس الطموح الواعد لفتح آفاق جديدة للاستثمار والتبادل التجاري المشترك، بين السلطنة والهند من جهة، وبينها وبين المحيط العربي من جهة أخرى، وهو فرصة حقيقية لزيادة حجم التبادل التجاري وتعزيز تدفق الاستثمارات في الاتجاهين، وتسهيل عملية الحصول على مشاريع استثمارية عبر عدة قطاعات واعدة للبدء بالمشاريع المشتركة، بالإضافة إلى توفير منبر لترويج الصادرات والخبرات والمعرفة التقنية بين الجانبين.
إن العالم يتطور بسرعة من حولنا والأجيال القادمة ستكون مختلفة وعلينا أن نسابق الزمن لمواكبة هذا الإيقاع السريع في المتغيرات، ولذلك جاء مؤتمر الشراكة العربي ـ الهندي الخامس ليقدم فرصا واعدة للمستثمرين العرب، والهنود، على الجميع الاستفادة منها.