الله عز وجل المحب دائمًا ويريد أن يتقرب ممن يحب والتقرب من الله لا يتأتى أبدًا بمعصيته بل بطاعته الجانب المادي وسيلة وليس غاية في ذاته وتحصيل السعادة على الجانب المعنوي كأثر مترتب على السلوك القويم

إعداد ـ محمد عبدالظاهر عبيدو:
إن السعادة الحقيقية لا تتأتي إلا من حب من لا يفنى، ولا يتركك ويبتعد، كثير من الناس يظنون أن السعادة في حب بشر مثلهم، ولكن هيهات هيهات فهذا البشر مفارقك لا محالة، إما بحوادث الدنيا وعوارضها، وإما بالموت.
السعادة الحقيقية في حب من لا يفنى إذا تأملنا في علاقة الحب والسعادة .. فسنجد يقينًا أن السعادة الحقيقية لا تتأتى إلا بحب الذات التي لا تفنى، وهو الله عز وجل الحي القيوم، الله عز وجل الأول، الله عز وجل الآخر، والمحب دائمًا يريد أن يتقرب ممن يحب، والتقرب من الله لا يتأتى أبدًا بمعصيته بل بطاعته ليحدث التناغم بين الروح وبارئها، الذي ذكرناه آنفاً.
يقول الشاعر:
تعصي الإله وأنت تظهر حبه
هذا لعمري في القياس بديع
لو كان حبك صادقا لأطعته
إن المحب لمن يحب مطيع
الاستنتاج
فإذا أردت السعادة فعليك بحب واهب السعادة والتقرب إليه، واعلم أنه ما من مخلوق يستطيع إمدادك بالسعادة، فهي هبة من الله عز وجل لمن يتقرب إليه ويطيعه، ولا يجعل روحه ناشزًا عن أوامر نافخها فيه، فيستمد من جمال الله فتكون روحه جميلة بهية، فيكون سعيدًا بغض النظر عن الأحوال الخارجة بحلوها ومرها.
وعلى كل فإن افضل مفهوم للسعادة هو أن السعادة شعور داخلي يحسه الإنسان بين جوانبه يتمثل في سكينة النفس، وطمأنينة القلب، وانشراح الصدر، وراحة الضمير والبال نتيجة لاستقامة السلوك الظاهر والباطن المدفوع بقوة الإيمان، والأدلة علي ذلك من القرآن والسنة ما يلي: قال الله تعالى:(من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة( (النحل)، وقال تعالى:(فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقي ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً) (طه)، وقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم):(ليس الغنى عن كثرة المال ولكن الغني غني النفس).
السعادة ليست في الماديات فقط
إن السعادة في المنظور الإسلامي ليست قاصرة على الجانب المادي فقط، وإن كانت الأسباب المادية من عناصر السعادة ذلك أن الجانب المادي وسيلة وليس غاية في ذاته لذا كان التركيز في تحصيل السعادة على الجانب المعنوي كأثر مترتب على السلوك القويم.
وقد تناولت النصوص الشرعية ما يفيد ذلك ومنها، قال الله تعالى:(والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون، ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون) (النحل)، وقال الله تعالى:(قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة) (الأعراف)، وقال (صلى الله عليه وسلم):(من سعادة ابن آدم: المرأة الصالحة والمسكن الصالح والمركب الصالح).
الإسلام يحقق السعادة الأبدية للإنسان
لقد جاء الإسلام بنظام شامل فوضع للإنسان من القواعد والنظم ما يرتب له حياته الدنيوية والأخروية وبذلك ضمن للإنسان ما يحقق له جميع مصالحه الدنيوية والأخروية ، فقد جاء الإسلام للحفاظ على المصالح العليا والمتمثلة في الحفاظ على: النفس والعقل والمال والنسل والدين فالسعادة في المنظور الإسلامي تشمل مرحلتين :
السعادة الدنيوية فقد شرع الإسلام من الأحكام ووضح من الضوابط ما يكفل للإنسان سعادته الدنيوية في حياته الأولى, إلا أنه يؤكد بأن الحياة الدنيا ليست سوي سبيل إلى الآخرة، وأن الحياة الحقيقية التي يجب أن يسعى لها الإنسان هي حياة الآخرة قال الله تعالى:(من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة) (النحل), وقال تعالى:(وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنسى نصيبك من الدنيا)(القصص), وقال تعالى:(فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل) (التوبة)
السعادة الأخروية: وهذه هي السعادة الدائمة الخالدة، وهي مرتبة على صلاح المرء في حياته الدنيا قال الله تعالى:(الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون) (النحل), وقال تعالى:(للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة ولدار الآخرة خير ولنعم دار المتقين)) النحل).
الحياة الدنيا ليست جنة في الأرض
لقد حدد الإسلام وظيفة الإنسان في الأرض بأنه خليفة فيها يسعى لأعمارها وتحقيق خير البشرية ومصالحها التي ارتبطت بالأرض إلا أن هذا الاعمار وتحصيل المصالح تكتنفه كثير من الصعاب ويتطلب من الإنسان بذل الجهد وتحمل المشاق في سبيل ذلك كما أن الحياة ليست مذللة سهلة دائما كما يريدها الإنسان ويتمناها بل هي متقلبة من يسر إلى عسر ومن صحة إلى مرض ومن فقر إلى غنى أو عكس ذلك وهذه ابتلاءات دائمة يتمرس عليها الإنسان في معيشته فيحقق عن طريقها المعاني السامية التي أمر بها من الصبر وقوة الإرادة والعزم والتوكل والشجاعة والبذل وحسن الخلق وغير ذلك وهذه من أقوى أسباب الطمأنينة والسعادة والرضا قال الله تعالى: (ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون، أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون)، وقال (صلى الله عليه وسلم): (عجبا لأمر المؤمن فإن أمره كله خير فإن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له).
وفي النهاية نقول عن تعريف السعادة: هو شعور ناتج عن عملٍ يحبّه الإنسان، أو يكون ناتجاً عن شيءٍ قام به النّاس لشخصٍ ما، فتشمل السّعادة عدّة مفاهيم؛ فكلّ شخصٍ يعرّفها كما يراها من وجهة نظره فهناك العديد من المفاهيم التي أطلقت على السّعادة، منها: السعادة طاقةٌ من الرّضا تقبل الواقع؛ لأنّه إرادة الله، وتعمل على تحسينه بالأسباب الّتي خلقها الله لنا لتحسين أوضاعنا في الكون .. السّعادة تُطمئن القلب وتَشرح الصّدر وتريح البال .. السّعادة هي الرّضا بكلّ شيء وتنبع عن إيمان من القلب .. السعادة هي إحساس بالمتعة والانبساط. وللحديث بقية في أعداد قادمة بإذن الله تعالى.
* إمام وخطيب جامع محمد الأمين