قد يبدو من المناسب البدء بالتمييز بين العادات القهرية والسلوكيات القهرية، وإن كان كلا منهما يمكن أن نصفهما بأنهما كالطعام، إذ أننا نعتاد القيام بها حتى تضحى سمة متأصلة فينا. وقد تؤثر تلك العادات والسلوكيات القهرية علي حياة الشخص بالكامل. ويمكن الاختلاف الرئيسي بين العادات والسلوكيات القهرية في أن العادات ببساطه هي ما اعتدت فعله بشكل تلقائي. أما السلوكيات القهرية فهي تشير إلي ما تشعر بأنك مجبور على فعله. وبالرغم من أن كلاً منهما يعزز من خلال شعور الفرد بتخلصه من التوتر عند الممارسة إلا أن شعور الفرد بالتوتر غالباً ما يكون من أمر آخر لا يرتبط بالعادة القهرية مثل تعرضه لخبرة أو موقف يسبب له مشاعر سلبية أو التفكير الذي يجر العادة أو يسبب له توتر فيلجأ لممارسة العادة لاعتقاده أنها تشعره بالراحة، في حين أن التوتر في حالة السلوك القهري يرتبط بالسلوك نفسه فالشخص الذي اعتاد أن يتأكد من غلق الباب عدة مرات أو غسل اليدين لعدد من المرات يشعر بالتوتر إن لم يمارس ذلك السلوك ويشعر أنه مجبر على القيام به وهو بممارسة ذلك السلوك يتعامل مع توتره. فيصبح الفرد في كلا الحالتين لديه خشية من التغيير لاعتقاده أن التغيير وترك العادة أو السلوك مؤلم لما يحدثه لديه من توتر وقلق فيقع في دائرة مفرغة سلبية. وحيث أن هناك تداخلاً كبيراً بين الاثنين لذا فسوف يتم تناول كل منهما بشكل منفصل.
أولا، العادات القهرية التي يطورها الناس مثل التدخين والإفراط في تناول الطعام أو ممارسة العادة السرية. الخطوة الأولى التي ينبغي على الفرد اتباعها للتخلص منها إدراكه أن هذه العادة سيئة وعليه التخلص منها، حيث بدون الرغبة والدافع الفعلي لترك العادة يدخل الفرد فيما يسمى "عامل المراوغة" أو "ظاهرة الخداع". وهذا هو المكان الذي يجد به عقلنا طريقة للتملص مما نعرف أن علينا حقًّا القيام به، ويبدأ يجمع الأدلة والبراهين العقلية لعدم الإقلاع أو عدم قدرته عليه والبعض يحاول بالفعل مراراً و تكراراً أن يقلع، ولكن دون إعداد ذهني كافٍ ستضحي العادات شيئاً يصعب القضاء عليه، أما الخطوة الثانية لترك العادة فتكمن في مراقبة الفرد لنفسه ليميز كافة العوامل التي ترتبط بممارسة العادة سواء في تلك التي تزيد احتمالية القيام بها وزيادة تكرارها أو تلك العوامل التي ترتبط بعدم ممارستها وتقلل احتمالية تكرارها. ثم يكون على الفرد كخطوة ثالثة أن يركز على ما عليه فعله لا ما عليه تركه. أي إذا كان يمارس عادة التدخين مثلاً عندما يكون مع أصدقاءه وهو يشرب القهوة. في حين تقل تلك العادة إذا كان منشغل بسلوك آخر وعندما لا يكون هناك ما يشربه يركز على القيام بالسلوكيات التي تعيق ممارسته للعادة.
والخطوة الرابعة تتمثل في تعزيز الفرد لنفسه عند نجاحه في تحقيق الهدف، ويمكن للفرد أن يجزئ الهدف النهائي متمثل بترك العادة كلياً إلى أهداف فرعية وهي تقليلها لعدد معين خلال فترات زمنية محددة ويعزز نفسه بعد كل إنجاز هدف جزئي. ويمكن عند البعض أن يجدي مبدأ التعزيز في حال النجاح في تحقيق الهدف ومعاقبة الذات بحرمان الفرد لنفسه من نشاطات أو أمور ترفيهية مهمة له أو القيام بسلوك صعب بالنسبة له كتكلفة لممارسته العادة كالصلاة عدة ركعات أو الصيام اليوم التالي لممارسة العادة السرية مثلاً.
ثانياً: السلوكيات القهرية توصف كواحدة من مجموعة الأمراض العصابية، ويتصف بوجود وسلوك جبري يحاصر المريض ويلازمه بحيث لا يستطيع مقاومته ويصاب بالقلق والتوتر والألم كما لو كان الأمر مسألة حياة أو موت إذا ما حاول عدم الإتيان بالسلوك، ذلك على الرغم من اقتناعه بأنه سلوك خاطئ وغير طبيعي.
وقد يعتقد المصابون بالمرض أن هذه السلوكيات هي نتيجة ضعف بالشخصية أو أنها من عمل الشيطان أو الجن أو أنها تكون بسبب حالة نفسية طارئة، فيتسبب هذا الاعتقاد الخاطئ في زيادة شدة المرض. ومن الأمثلة على السلوكيات القهرية ما يلي:
التنظيف والغسل الكثير، والاضطرار لعمل شيء بالطريقة الصحيحة، والاضطرار إلى تجميع الأشياء، المراجعة أو التدقيق الاضطراري. ونرى أن المصاب بالسلوكيات القهرية يتمنى لو يستطيع أن يتخلص من السلوكيات المتكررة، ولكنه لا يقدر لشدة قلقه، والسبب يرجع في ذلك إلى أن السلوكيات القهرية ومعها الوساوس القهرية مرض حقيقي نفسي يرتبط ارتباطا مباشرا باختلال كيميائي في المخ، وتشير بعض الدراسات إلى أن المرض قد ينشأ في الشخص وراثيا، وبشكل عام لا يوجد سبب واحد محدد وراء الإصابة بمرض الوسواس القهري. حيث تشير الأبحاث إلى وجود اضطراب لدى مريض الوسواس القهري والسلوكيات القهرية في الاتصال بين الجزء الأمامي من المخ وهو المسئول عن الإحساس بالخوف والخطر وبين التركيبات الأكثر عمقا في الدماغ وهي العقد العصبية القاعدية التي تتحكم في قدرة المرء على البدء والتوقف عن الأفكار، وتستخدم هذه التركيبات الدماغية الناقل العصبي الكيميائي (سيروتونين) والذي يعتقد أن مستواه يسجل نقصاً عند مرضى الوسواس القهري، وعليه يتم وصف الأدوية التي تساعد في رفع مستوى السيروتونين في الدماغ من أجل تحسين أعراض الوسواس القهري. وهناك أبعة أمور مهمة لا بد من مراعاتها في علاج الوسواس والسلوكيات القهرية، وهي:
1.معرفة الشخص المريض بالمرض والتحدث مع المختصين في مجال الطب النفسي لتشخيص المرض بالطريقة الصحيحة.
2.تعريف أهل المريض بالمرض لمراعاة المريض والاهتمام به بالشكل الصحيح وعدم اليأس والاستسلام.
3.قيام المريض بالعلاج النفسي السلوكي لمقاومة المرض.
4.قيام المريض بأخذ الدواء وعدم تركه إلى النهاية إذا ما وصف له (خصوصا أن بعض أدوية مرض الوسواس القهري والسلوكيات القهرية تتطلب وقتا لا يقل عن 6 أسابيع قبل أن تعمل بالشكل الصحيح).
ومن النصائح لأفراد الأسرة لمساعدة المريض في التغلب على المرض:
1 ـ ارسال المريض إلى الطبيب النفسي المتخصص والبقاء معه في العلاج، فليس هناك أسوأ من الإحباط الذي يصيب المريض من جراء محاولته لعلاج المرض من دون ظهور علامات التحسن.
2 ـ مساندة المريض: ينبغي التحدث مع المريض والااستماع إلى ما يقول بدون انفعال لغرابة بعض الأفكار التي يخبر بها (قد يكون بعضها سيئاً إلى درجة كبيرة جداً)، وينبغي التذكر أن هذه الأفكار والأفعال نتاج خلل كيميائي، فيجب تركه ينفس عن نفسه إذا غضب دون الانفعال لغضبه.
3 ـ الإيجابية: ينبغي التذكر أن سبب المرض ليس المريض، فينبغي عدم الانفعال من الوساوس والأفعال القهرية، وتجنب إحباط المريض، بل شجيعه عند ملاحظة أي تقدم، وتذكيره بالنجاح دائماً.
4 ـ عدم التعجل: الصبر على النتائج يساعد المريض على التخلص من الوساوس بصورة تدريجية، أما استعجالها فيؤثر سلبا على نجاح العلاج.
5 ـ عدم الانفعال إذا تراجع المريض في العلاج فقد يحدث أن يصاب المريض بعودة الأعراض وهذا أمر طبيعي لذلك لا تتأثر ولا تنفعل بل تقبل وانتظر حتى يخطو المريض إلى الأمام.
6 ـ مساعدة المريض على الاهتمام بأمور أخرى: قد يفقد المريض شهيته للقيام بأي عمل لذلك سترى أن همه الوحيد هو التركيز على الفعل القهري، إذن من الضروري مساعدة المريض على القيام بنشاطات مختلفة كالرياضة والمشي أو السباحة أو أي هواية أخرى.

عائشة محمد عجوة
أخصائية إرشاد وتوجيه ـ مركز الإرشاد الطلابي ـ جامعة السلطان قابوس