الابتسامةُ وحدها عطاءٌ وتدل على نفسٍ كريمةٍ قادرة على البذل للآخرين البيان النبوي حدد لنا أن التبسم يجب أن يكون في الوجه وهذا قمة التأثير

إعداد ـ مبارك بن عبدالله العامري:
هي وقود القلوب النابضة، هي بوابة السعادة المشرقة، تنطلق لترسم جسور التواصل والمحبة، فتتجاوز المعوقات والعثرات التي تقف حاجبًا بيننا وبين الآخرين، تذيب الغضب المتراكم، تصهر أقفال الحقد الصدئة، تعطر الأجواء بنسمات الحب والود والارتياح والطمأنينة. إنها إحدى اللغات الصعبة التي يفهما الكل ولكن لا يستطيع التحدث بها ولا يحسن التعامل معها إلا القليل الموفقون إليها، إنها أسرع سهم تملك به القلوب وهي مع ذلك عبادة وصدقة فعلها الحبيب محمد )صلى الله عليه وسلم( ، وتعبَّد بها خلقٌ كثيرٌ ممن سار على نهجه .. الابتسامة هذا الخلق الجميل وما هذه الحركة البسيطة التي إذا أطلقت فعلت أكثر مما تفعله أكبر مغريات العالم من التأثير. إنها الابتسامة تلك الحركة البسيطة التي يُفتح بها المنغلق من قلوب البشر. وهي التي قالوا عنها: جمال الوجه بابتسامته البريئة.
لنبدأ رحلةً جديدة في أسلوب حياتنا، وشعارنا فيها البسمة والأنس، وإدخال السرور على أنفسنا ومَن حولنا، حادينا إلى ذلك قول رسولنا )صلى الله عليه وسلم(:(أحبُّ الأعمال إلى الله تعالى سرورٌ تدخله على مسلم) ـ رواه الطبراني وحسَّنه الألبانيُّ.
ـ رسالة حب وصدق وإخلاص
الابتسامةُ وحدها عطاءٌ، وتدل على نفسٍ كريمةٍ قادرة على البذل للآخرين، والاهتمام بالناس، والفرح لفرحهم، ومشاركتهم في كل أحوالهم، وهي أول العطاء، وهي المحددة لما بعدها. وقد بيَّن رسول الله )صلى الله عليه وسلم( ذلك المعنى، فقال موضِّحًا العلاقة بين العطاء والابتسامة:(وتبسمك في وجه أخيك صدقة) ـ أخرجه الترمذي. أما عبوس الوجه فإنه يسبِّب الضيق لنفسه ولغيره، ويُنفِّر الآخرين عنه؛ ويخسر محبتهم، والابتسامة صدقة، وهي رسالة حب وصدق وإخلاص، تعطيها بلا جهد يُذكر، فتجني من ورائها الكثيرَ من الخير، والابتسامةُ تحوِّل العدوَّ إلى صديق، والابتسامةُ تزيدك قربًا ممن تحب؛ وبذلك يأنس الناس إليك، والابتسامة تقضي على الحزن والكرب، والابتسامة تؤلف القلوب، وتيسر المهمات، فإذا قابلتَ المشكلاتِ بابتسامة فقد قمت بجزء كبير من حلها لأنك تُعِدُّ نفسك داخليًّا لمواجهتها، والابتسامة عند النعمة شكر، وعند البلاء رضاً بالقضاء.
ـ أسلوب نبوي كريم
سبحان الله .. بمجرد أن يبتسم أحدنا في وجه أخيه فإنه يكون بذلك قد تصدق بمبلغ من المال دون أن يدفع شيئاً .. إنه أسلوب نبوي كريم لمن لا يملك المال، بل إن البيان النبوي حدد لنا أن التبسم يجب أن يكون في الوجه، أي أنك تتبسم وأنت تنظر لوجه أخيك، وهذا قمة التأثير، ويؤكد العلماء حديثاً أن الابتسامة ينبغي أن تكون من نوع خاص. وقد وجدوا بالفعل أن الطريقة المثلى هي أن تبتسم وأنت تنظر للشخص الذي تحدثه، فهذا سيعطيه شعوراً سريعاً بالاطمئنان، وقد تكون هذه الابتسامة مصدر رزق بالنسبة لك، وحدد لنا النبي )صلى الله عليه وسلم( هدفاً عظيم وهو التقرب من الله تعالى بهذه الابتسامة ولذلك سماها (صدقة)، فهذه صدقة لا تكلفك دينارًا ولا درهمًا، وكنز لو عرفت كيفية استخدامه، لأسرت القلوب، ولفتحت النفوس ثم سكبت من دواء الدعوة الراشدة والإيمان ما غيرت به وجه الكون.
ـ المفتاح الأول للقلوب المغلقة
إن الابتسامة كالسحر تبث الأمل في النفس وتزيل الوحشة من جوفها وترسم السعادة من جديد وتحيي روح القلب، فلمَ لا نرسمها دوما على شفاهنا لنجتاز ما يعيقنا ويعثر طريقنا، الابتسامة هي المفتاح الأول لكل القلوب المغلقة، الابتسامة إشراقة روح، وإطلالة نفس، وصورة فؤاد، والابتسامة بلسم الألم و دواء الحزن، والابتسامة أقصر طريق إلى القلوب وأقرب باب إلى النفوس، والابتسامة المشرقة، أقوى قوانين الجاذبية للقلوب والأرواح اجعل الابتسامة رسولك إلى قلوب الآخرين فهي مفتاح النفوس، وتجلب الراحة والهدوء للمبتسم نفسه و(تَبَسُّمُكَ فِي وَجْهِ أَخِيكَ لَكَ صَدَقَةٌ).
عندما تشعر أن الآذان قد أغلقت أمامك وتعطل استقبال رسالتك فعطر الجو بطرفة يتلوها ابتسامة، وحذار من الابتسامة الساخرة أو الباردة فهي تحول بين الآخرين وبين الثقة فيك، وحاول التعرف على ما في نفس الآخر من خلال رصد ابتسامته وملاحظة جبينه وحركات عينيه، وحاول أن تعود نفسك على أن تكون ابتسامتك وسيلة لإبلاغ رسالتك كما تريد، وإن كانت مشاعرك خلاف ذلك، وعوِّد نفسك على الاستمتاع بالطرائف المضحكة لتتعود على الضحك أحياناً.
ـ سحر الابتسامة وأثرها
لقد أقرَّ الدينُ ما تتطلبه الفطرة من سرور وفرح، ولباس وزينة، محاطٍ بسياج من الأدب الرفيع يبلغ بالمتعة كمالها ونقاءها، وبالسرور غايته، بعيداً الظلم والعدوان، والغل وإيغار الصدور، إنه يجب علينا أن نبتسم لأقرب الناس إلينا من والدَين وزوجة وأولاد فهم أولى الناس بالابتسامة، يجب أن نبتسم لأقاربنا وجيراننا فكم حُطِّمت على بريق الابتسامة من الحواجز الوهميَّة التي نسجها الشيطان! فبددت تلك الابتسامة جبال المشاكل، التي هي أشبه ما تكون بجبالٍ ثلجيَّةٍ ما أن تُلقَى عليها حرارة الابتسامة، إلا وسارعت بالانصهار والذوبان. جَرِّبْ سحر الابتسامة عندما تتعرَّض لبعض المشاكل مع بعض الأقارب أو الجيران؛ لترى أثر الابتسامة في ذلك نبتسم لرفقاء العمل والدراسة، كل أولئك ينتظرون منك ابتسامة تسعدهم بها، تفرِّج عن مهموم وتداوي مكلوماً، وتنشط عاملا وتفرح محزونا. نعم نعم نبتسم لكل من نلقاه.
ولتعلم أخي القارئ .. أن الابتسامة الحقيقية لا يمكن تزييفها فهي كالذهب عبثاً يحاول المخادعون تقليده و لكن بريق الذهب ليس كأي بريق.